الاثنين 01 يوليو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
وفاء صندي
التحول في منطقة الشرق الاوسط
الساعة 19:09
وفاء صندي

(1)
مع هبوب رياح التغيير العربي قبل قرابة الاربع سنوات وما تلتها من سقوط انظمة عربية وصعود انظمة اسلامية لم تكد تستقر على عرشها حتى اجهض حلمها، ومع ما عرفته هذه المرحلة من تسارع وتيرة الاحداث التي خرجت في كثير من الاحيان عن السيطرة، ومع ما تشهده المنطقة العربية اليوم من فوضى وعنف وارهاب وبزوغ ظاهرة “داعش”.. لا يجد المحلل العربي من تفسير لكل ما يحدث سوى اعتماد التحليل الجاهز لنظرية المؤامرة، التي نعلق عليها دائما فشلنا واخفاقاتنا التاريخية، التي سيطرت بشكل يدعو للقلق على الفكر العربي في الكثير من أدبياته وتحليلات معظم مفكريه للأحداث التي تتعرض لها الدول العربية والإسلامية، مما يستوجب وقفة قراءة وتأمل فيما حدث ما قبل الحراك العربي وما وصل إليه الوضع اليوم لمحاولة فهم مختلف هذه التحولات في منطقة الشرق الاوسط.

بعد ما شهدته المنطقة من حراك ثوري جاء نتيجة سنوات من الظلم والقهر والاستبداد، ومع انتهاء دور الشعوب الثائرة في اسقاط انظمتها العاتية وعدم وجود قوى بديلة تمسك زمام الامور وتقود القاطرة بثبات لعبور تلك المرحلة الانتقالية الحرجة، ومع توالي الاخفاقات التي ان كانت تدل على شيء فهي تدل على عدم جاهزية الشعوب والقوى السياسية لهذا الحدث التاريخي الجلل في المنطقة، لم يجد الكثير من المحللين من خلاص سوى تبرير كل ما يحدث بأنه مؤامرة خارجية / غربية يراد منها تقسيم المنطقة.

 

ومن هنا بدأ الاتهام المباشر لأمريكا وإدارتها بتصدير ثقافة التمرد الالكتروني وحشد الجماهير من خلاله للإطاحة بالأنظمة العربية، حيث ورد في العديد من الصحف القومية الكبرى وبرامج التليفزيونات العربية الرسمية ما يؤكد زعم المؤامرة وضلوع امريكا فيها وكأننا أمام اتفاقية سايكس بيكو جديدة، وزعم العديد من الخبراء والمحللين إن الحكومة الأمريكية ضخت ملايين الدولارات عبر وكالات مختلفة من داخل وخارج جهازها الرسمي لتحريك مجموعات من المنظمات الممولة من قبل الحكومة الأمريكية التي تعمل تحت شعار الترويج للديمقراطية في الدول العربية، كما يردد ان الادارة الامريكية دربت هذه القيادات الهامة للتحركات على كيفية شن الحملات والتنظيم من خلال وسائل الإعلام الجديدة.

ولم يكتف الأمر على هذه المزاعم بل وصل إلى ذكر مجموعات وأسماء معينة من الشباب التي قادت التحركات الجماهيرية في المنطقة العربية عبر وسائل الميديا الحديثة حيث اعتمدت هذه الشهادات على النقل، عن برقيات دبلوماسية أمريكية سرية سربها موقع “ويكيليكس″، وذكر هوية عدد من المجموعات والأشخاص الضالعين مباشرة في الانتفاضات في المنطقة العربية، من بينها “حركة شباب 6 أبريل” في مصر، ومركز حقوق الإنسان في البحرين، وناشطين مثل انتصار قاضي، الموصوفة بالزعيمة الشبابية في اليمن. وأفادت التسريبات أن هؤلاء وغيرهم تلقوا تدريبا وتمويلا من مجموعات مثل “المعهد الجمهوري الدولي”، و”المعهد الديمقراطي الوطني” والمنظمة الحقوقية المتمركزة في واشنطن “بيت الحرية”، وفي ظل ذلك قال الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح: أن ما يجري من ثورات في المنطقة العربية ليس إلا “مجرد ثورة إعلامية تديرها الولايات المتحدة من غرفة في تل أبيب، وهذا ما أكده عمر سليمان مدير المخابرات العامة المصرية بشكل أخر حيث أكد إنه كان على علم بهذه التحركات منذ عام من قبل اندلاع احداث الثورة في يناير 2011م، حيث تلقى الشباب ومنهم حركة 6 أبريل الذين استغلوا مناخ الديمقراطية وسافروا إلى أكثر من دولة أوروبية لحضور فعاليات منظمة فريدوم هاوس، للتواصل بين شباب العالم في تغيير أنظمة الحكم بطرق حديثة وفعالة، كما أكد الخبراء الاستراتيجيين في مصر على أن بعض الشباب المصري حضروا اجتماعا حول التكنولوجيا في العام 2008 بنيويورك، حيث تعلموا كيفية استخدام شبكات التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر وتقنيات الهاتف النقال للترويج لتحركاتهم السياسية، ووفقا لموقع “ويكيليكس″ أظهر أن الولايات المتحدة دفعت عشرات ملايين الدولارات إلى منظمات غير حكومية في مصر تعارض النظام.

 

وجاء في برقية مسربة صادرة عن السفارة الأمريكية في القاهرة بتاريخ 6 ديسمبر 2007 أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو اس ايد) خصصت مبلغ 66 مليون دولار في عام 2008م، و75 مليون دولار في عام 2009م؛ لبرامج مصرية لنشر ما سمته الديمقراطية والحكم الجيد، وحسبما تم تسريبه من “ويكيليكس″ من برقيات تثبت أن الولايات المتحدة أسهمت بشكل مباشر في “بناء القوى التي تعارض الرئيس مبارك”، كما مولت واشنطن سرا مجموعات من المعارضة السورية وقناة تلفزيونية تبث برامج تنتقد نظام الرئيس بشار الأسد وفقا لما ورد بصحيفة “نيويورك تايمز″، اشتكى المسؤولون في اليمن من أن الجهود الأمريكية ارتقت إلى حد “التدخل في الشؤون الداخلية” للبلاد، بينما أفادت مصادر ألمانية إلى أن حكومة صنعاء اشتكت من أن التحركات الأمريكية تسير في عكس التوجه المعلن للبيت الأبيض، حيث أنها تساند الحركة الانفصالية التي تسعى إلى إعادة تقسيم اليمن، وتدعم الحوثيين الذين تسلحهم وتمولهم إيران لتفتيت اليمن وضرب استقرار السعودية ومساندة الدعوات لفصل شرق السعودية وتكوين البحرين الكبرى.
وعلى النقيض الأخر جاءت الردود الامريكية على لسان “ستيفين ماكينيرنري” المدير التنفيذي لمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط: لم نمولهم لبدء الاحتجاجات، لكننا قد نكون دعمنا تنمية مهاراتهم واستخدام شبكات الاتصال.. هذا التدريب قد يكون لعب دورا في النهاية بما حصل، لكنها كانت ثورتهم. لم نبدأها نحن.

 

وهذا أيضا ما أكد عليه المسؤولون الأمريكيون الذين قالوا للعديد من مسؤولي الحكومات العربية في المنطقة بأن التكوين والتدريب الذي تشجعه وتشرف عليه مؤسسات أمريكية هدفه الإصلاح وليس الدفع للثورات والفوضى، وهذا يدل على ثمة استغلال لحلم التغيير لدى الشباب ومن تم توجيه المتدربين. وعلى صعيد متصل نفى المسؤولون الامريكيون أن تكون واشنطن تدعم الحركات الانفصالية في الاقطار العربية، على الرغم أن كل التنظيمات المكونة على أساس عرقي أو ديني والتي تسعى بشكل أو بآخر للترويج لفكرة الانفصال أو الحكم الفيدرالي الفضفاض توجد مقراتها الرئيسية في الولايات المتحدة أو الدول التي تشارك البيت الأبيض في الترويج لنظرية الشرق الأوسط الجديد، كما تمول بأموال أمريكية أساسا.

وبين تبني نظرية المؤامرة ونفيها، يبقى أن ظهور بعض الخرائط الجديدة التي تتبنى فكرة التقسيم في منطقة الشرق الاوسط يعكس عبث المشهد السياسي خلال وبعد ما اطلقوا عليه “الربيع العربي”، ويبرهن على وجود أصابع خفية تريد تشويه مشهد الحراك الثوري واخراجه عن عفويته، المرتبطة اساسا بأسباب اندلاعه، سواء كانت اجتماعية، اقتصادية او سياسية. ولا شك بأن هذه الاصابع برغم اختلافها إلا إنها تنتمي لبدن واحد وهو “فرض القوة”، ومن يمتلك القوة في المنطقة فهو الذي سوف يقرر الوضع النهائي لها.
(رأي اليوم)

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24