الاثنين 01 يوليو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
أحمد طارش خرصان
تحية شعبية
الساعة 17:13
أحمد طارش خرصان

ما الذي لديك لتفعله لأجلهم ، وأنت الفراغ المحشو بالهزائم والفجائع ...؟ كيف يمكنك تجاوز الإحباط واليأس ، وتقتحم كرجلٍ أعزلٍ الثكنات المعبأة بالأوغاد ....؟

كيف تتأمل هذا الذي يحدث ، فلا تجد ما يمكنك امتشاقه ، لتواجه قدرك المشرع على الخسارات والنهايات غير اللائقة ...؟

لا أزمنة كافية لكتابة سرديات رجلٍ ، تحول مع مرور الوقت إلى هذيانات جافة ، وإشراقات بائسة وتعيسة، لم تعد لتظفر بشغف قارئ عابرٍ ، نسي - بقصد - أدراج ورفوف الكتب وروائح الصفحات ، ليقوده حلمه العاري إلى خيمةٍ في خليج الحرية ، معتقداً أنه وضع قدماً في الدرب الذي سيقله صوب الحياة المروقة ، دون أن يدرك أن التاريخ لا يأبه لتأوهات البسطاء والمتعبين .

لم ولن تكون الحالة التي احتضنتها ساحة خليج الحرية ، هي الحالة الباعثة على الندم ، قدر ما هي الحالة التي أشعرتنا بآدميتنا وبأننا أسوياء على النحو الذي يمنحنا الزهو ، لا الذي يورثنا الندم وعض النواجذ . 
أتحسس - كتائه أعمى - ما أحتفظتْ به المدينة من ظلّ الحناجر وهتافات منْ شردهم السلام 
الذي يُروج له اليوم ، وبذرائع لا تخلو من مسحة إنسانية ، ليس عليك سوى التلويح بيديك بما يشبه التحية والإمتنان ، لهذا الذي منحك إياه معتنقوا الزيف ومروجوا الموت تحت سنابك السلام القاتل .

في المدينة القديمة تساقطت دفعة واحدةً ، صحون الرواني ....البقلاوة ...وجداريات تزينت بكلمات إبن المدينة الأوحد العظيم محمد علي الربادي ، لتبقى المدينة عاريةً من صدى صوته وهو يتقافز من على مئذنة الجامع الكبير ، كآخر ما تبقى للمدينة من صوت نزيهٍ ، قاوم بصلابة فذة كل محاولات التجاوز والنسيان .

بين بشير شحرة وهو ملقى بين عيني زوجته وأطفاله مضرجاً بخيبتنا ، وبين الأستاذ العظيم محمد علي الربادي ،لا نكاد نسمع في أزقة المدينة القديمة الآن سوى أنين عصفور يمزق القلب ...روائح مقفرة ...وخيالات ضامرة - ربما - بقيتْ محتفظة بتواجدها ، كهياكل - مكسوة بلحمٍ ودمٍ - فقدتْ قدرتها على الصراخ والبصق بوجه الأقدار السيئة .

في حديث عابر لم يتم التخطيط له ، قال الشيخ عبدالواحد صلاح لي : إنه لن يسمح بأن تتحول إب إلى بؤرة للصراعات ، وأنه سيعمل كل ما من شأنه الحفاظ على إب ، كي تظل مدينة السلام والنازحين والتسامح ، مضيفاً ولو كلفني ذلك حياتي ، كتعبير عامر بالتضحية والحرص على أن تكون إب المدينة الإستثناء .

لا أدري ما إذا كان الشيخ عبدالواحد صلاح متمسكاًً بما قطعه على نفسه ، بعد مداهمة الحوثيين لأحياء المدينة القديمة ، وارتكاب جريمة قتل المواطن بشير شحرة أمام أسرته ، وبطريقة أعادت إلى الأذهان جرائم وممارسات الفاشيات المنقرضة ، أم أن ذلك يقتصر على الوقوف بوجه الضحية ، كلما حاولت دفع أذى الجلاد وعنفه .

منذ استشهاد الفقيد الرجوي ، وإب تتجنب النسيان وتلوذ بالذاكرة التي تمنحها القدرة على المقاومة والرفض ، وتبذر في فضاءاتها التماسك ، بعيداً عن كونها مدينة لم تعد تُعرفُ بجميل ما قدمته للمارة العابرين ، بل بجلال أنقاضها وأوجاعها المتكومة .

مات بشير شحرة أمام زوجته وأطفاله ، فيما أزقة المدينة تقف مكتوفة الأيدي أمام جماعة ، غابت أوجه الفاعلين وحضر مؤشر الهمجية كدلالة على إنتمائه للجماعة المنفذة . 

سيبقى السؤال عن جريمة قتل الحوثيين لبشير شحرة ، يدور في الأزقة والحارات العتيقة كتحية شعبية ، لن يمل أبناء إب من ترديدها ( لماذا ؟ وكيف قتلوا بشير شحرة ) وعلى النحو الذي يحفزنا لتذكر أوجه القتلة وعنفهم الطائفي البغيض.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24