الخميس 25 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
صدام حمزة
هناك أشياء تحتل ذاكرتي أكثر..
الساعة 21:31
صدام حمزة

أيام قليلة ونغادر وطننا الثاني الجزائر
أربعة أشهر و نَيَّف  قضيناها في هذا الوطن الجميل..!!
لم نشعر بالوحدة ولا بِوَحشة الإغتراب بل تمنينا لو أنّها تطول إقامتنا هُنَا ..
الجزائر موطن الخُظرة و الجمال ..!!
لكن أهلها أجمل منها بكثير لعلها أكتسبت كل هذا البهاء من وجوههم النيّرة 
الجزائريون يمتازون بالطيبة والكرم وصفاتٌ يعجز عن وصفها القلم
تشعر بالسعادة وأنت تبادلهم الحديث وقد لاتفهم كل مايقولون لإختلاف اللّهجات لكنك ترى الدم العربي يسري في عروقهم 
ترى فيهم الإخوة والنخوة والأصالة والعراقة
 

في الجزائر إفتقرت كثيراً للإصدقاء 
رغم أني كنت أشعر أن الجميع أصدقائي ما أن أكلمهم ويعلمون أنني يمني إِلَّا ويسارعون بالترحيب ويدعون الله لي ولوطني 
أناسٌ بغاية البساطة وبمنتهى الأخلاق والأدب
كنت أنظر للبحر فألفظ كل مافي روحي من ضجيج الحياة 
وأنظر لمن حولي فلا أرى البؤس في وجوههم فأتوق كثيراً للحياة ..!!
حين أغادر سألتقط أنفاسي وأنا أنظر من شباك الطائرة 
سأحاول أن ألتقط ولو نسمةً عليلة من فضاء الجزائر لأحملها معي إلى منفاي ..؟
لن أنسى المنزل الذي كنت ساكناً فيه ولا فنائه الذي يفصلنا عن البحر بأمتارٍ قليله
أعلم أن الجزائر تسكنني لكن هناك أشياء تحتل ذاكرتي أكثر..

لن أنسى جارنا الصغير شمشون المزعج الذي كان يسكن في الطابق العلوي وفي كل يوم يقفز كالحصان رغم صغر حجمه إِلَّا أنه كان يهتز المنزل تحت إقدامه حين يركض في الأعلى ..
لن أنسى صديقنا أحمد سائق التاكسي المتدين الذي كان يقّلنا أكثر الأوقات فنشعر بالغبطة عندما يشرح لنا عن تقاليد شعب الجزائر ونشرح له أيضاً عن تقاليدنا وأعرافنا
لن أنسى أنني ذات يوم دخلت مسجداً كبيراً مستطيل الشكل عكس ماعتدت رؤيته 
ودخلت على عجلةٍ من أمري مستدبراً القبلة وبينما أنا في القراءة إذ بأحد طلاب العلم يقترب مني ويكلمني بإبتسامة جميلة أن القبلة في الإتجاه الآخر
فشعرت حينها وكأنني حديث على الإسلام
أو ربما أتيت من كوكباً آخر..!!

لن أنسى أيضاً في عيد الأضحى ونحن نساعد جيراننا الطيبون بذبح أضاحيهم 
فبعد أن تم ذبح الخروف الأول وتعليقه على الشباك ونزع الجلد..
دخل جارنا إلى المنزل لدقائق وانشغل البقية بباقي الأضاحي فسارعت بتقطيع الخروف كما علمنا الأجداد والآباء في اليمن ..؟؟

وحين عاد جارنا ضحك و انذهل في آنٍ واحد وقال لي لماذا قطّعته..؟؟
قلت له وماذا ننتظر قال لي لا يجوز المفروض تركه معلقاً حتى يبرُد
قلت له وماذا تستفيد دعه يبرُد في البراد( الثلاجة ) فاقتنع بالفكرة ..!!
ماكنت أعلم أن الجزائريون لايقطّعون أضاحيهم إِلَّا بعد خمس ساعات من ذبحها وسلخها..؟؟
هُناك ومن جوار بلدية عين طاية ساحةٌ واسعة تلتف حولها الكراسي الخشبية التي تستضل تحت أغصان الشجر التي يبدوا من هيئتها أنها أشجارٌ مُعمرة منذ عشرات السنين 
هُناك وأكثر من يومٍ كنت أجلس في أحد الكراسي أنا وصديقي لنطعم طيور الحمام فتافت الخبز فتتسابق هي الأخرى لإلتقاط الفتافت من أمامنا وحول  اقدامنا فنشعر بالراحة والسعادة 
في الجهة المقابلة أيضاً شيخٌ مُسن قد احدودب ظهره وانحنى وابيّضت لحيته الكثيفة
كنت أرى في وجهه نوراً وكأني أرى الجنة بين عينيهِ..!!
كان هو أيضاً يرمي الفتافت وتلتف حوله الحمام فما كان منّي إِلَّا أن أخرج هاتفي وألتقط له صورةً جميلة ودون سابق إستئذان وكأني أستغل ساعة الحدث ربما هو الآخر كان يشعر بالسعادة والراحة مثلينا..!!
 

صدقوني لو لم أكُن يمنياً لتمنيت لو كنت جزائرياً
ليس هناك بلدٌ سيقبع في ذاكرتي أكثر من الجزائر ماحييت..!!
سماءها و أرضها رجالها نساؤها شيوخها و أطفالها جبالها وديانها شطآنها 
أربعة أشهر و نَيَّف لم أشتم يوماً رائحة الغبار ولا أدخنة المصانع والمركبات 
تشعر أنك في بلد فضاؤه بحد ذاته ( فلتر ) للتنقية..!!
إذا أردت أن ترى الغبار فلتقطع آلاف الكيلومترات لتستمتع برائحة الغبار والرمال المتطايرة 
حقاً إنها الجزائر موطن العظماء ..!!

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24