الجمعة 05 يوليو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
حمير علاية
ليبيا.. القبر المفتوح.
الساعة 16:23
حمير علاية

 

تحترق.. تتمزّق أشلاءً وأوصالاً.. تستعيض عن حياتها الآمنة الأولى بالخوف والرصاص والدّماء والجثث الملقاة في الشوارع والوهاد، التي لم تعد تجد من يدفنها.

البنية التحتيّة تتقوّض وتُدمّر.. البيوت والمنشئآت ما عادت إلا رماداً تنسفه الريح باتّجاه الصحراء، فيما تتجّه ثروات الأرض نحو الشّمال.

قبل أيام، قبلت شركة أمريكية إطفاء حريق مرفأ السدرة النفطي، مقابل 6 ملايين دولار. أبرم اللصوص الجدد الاتّفاق مع الشركة بهذا المبلغ. كان ذلك بعد أن رفضت إيطاليا إيقاف الحريق لاشتراطها وقف القتال في المنطقة. يا للهول!

والسؤال الذي يتكوّر في الحلق كجمرة: أين أولئك الذي طبّلوا لربيع ليبيا المزهر! أين سحّاروّ النّاتو وفي مقدّمتهم المفتي النخّاس! أين من نشروا الأوهام على حبل ليبيا الأخضر، ليصبح أحمر أحمر أحمر.

أين أدعياء الثورات وزعماء الانتصارات وفتوحات المدنيّة والحريّة والحكم الرّشيد! أين الأشعار والأقمار والأطيار والأخبار! أين من أهدوا ليبيا الموت بورقٍ مسلفن، عليه ختم الناتو. أين الذين اكتنّوا بمظلة أوباما وهيلاري وساركوزي!

تبخّروا. تواروا. غرزتْ أقدامهم في الوحول. انفقعوا في الهواء كرغوة صابونة، لم يكن لها أنْ تستمرّ أكثر. لا أحد هنا. لا أحد يرى. لا أحد يسمع. لا أحد يتكلم.

اطمئني يا بلاد الموت، حتّى هم في بلادهم يموتون. يحتسون ذات الكأس. الكلّ سواء. ومقامع ثوراتهم كالحديد على نفوسهم.

ليتهم يستجمعون قليلاً من الحياء، فيغيبون عن الأنظار احتفاظاً لأنفسهم بسترته كذوات الخدور. ليتهم يكتنون بقبحهم، يعلكونه ويعلكهم. أو يمتلكون ذرةً من شجاعة، ويقولون: أخطأنا، ويغورون بعدها كماء آسن في شقوق المكان.

لا أحد سيسامحهم. ليبيا أصبحت أثراً بعد عين. وإن تعد طوبُ مبنىً سُحق، فليس بمقدور أحد أن يعيد آلاف الأرواح لأجسادها كي تنعم بالحياة.

الجزيرة غابت عنكم يا أهل ليبيا. لم تعودوا على شاشتها الملوّنة بأدخنة الحرب والضاجّة بأصوات القاذفات، ولا على جدولها اليومي المرصّع بأخبار العالم. هي فقط، فتحت ستار الحفلة لممثلّي المسرح، ومضت.

بات الرصاص يأكلكم أولاً بأول، فيما الجماهير لا تسمع إلا ما ألقتْ به العاصفة، حين نفثتْ من الكاتون الأوليجارشي بعرض البحر سمّها في جسدكم، لتنتحي إلى جسدٍ آخر. إلى اثنين في قريةٍ نائيةٍ من صعيد مصر، تعاركا في محطّة بنزين، فتقيم لهم حفلة ردح رقيع ولبلادهما، لساعات.

"يا ذوي الوجوه الصفيقة والنفوس الَّلخِنة، لقد قتلتمونا بأيديكم" تقول ليبيا، وقد انهدّتْ قواها، وغاصتْ في رمال التشتت والتيه والصّراعات والموت.

تتوجّه بنظرتها الجارحة الدّامية، لأولئك الذي ألهبوا عواطف الجماهير بالشعارات والأوهام، ثمّ أعطوها ظهورهم، لتموت في الطريق. الطريق إلى الرّبيع، الذي استحال حفّاراً للقبور، جاثماً على صدر البلاد طولاً وعرضاً.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24