الجمعة 29 مارس 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
صمت الأشرعة والسرد الغنائي - د.عبدالحكيم باقيس
الساعة 16:07 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


 

رواية (صمت الأشرعة) رواية قصيرة كتبها خالد لحمدي، صدرت في مطلع هذا العام، وجاءت في نحو مئة صفحة، وهي الرواية الأولى لمؤلفها الذي يلج إلى فضاء الكتابة الروائية من بوابة القصة القصيرة، فقد أصدر مجموعة قصصية بعنوان (أشياء صغيرة) وبعض الكتابات في المجلات والصحف، ومؤخرًا صدرت له رواية ثانية بعنوان (العنين)، وقصر أية رواية لا يفسد متعتها وجمالها، فرواية (السمار الثلاثة) لسعيد عولقي، والتي صدرت في نهاية الثمانينيات كانت من أجمل الرويات اليمنية على الرغم من قصرها، وأنا ممن ينحازون إلى القصر في الرواية، وتجنب الحشو الذي قد يُستغنى عنه في الرواية، شريطة ألا يخل القصر بفكرتها الأساسية.

 

تدور (صمت الأشرعة) حول قصة حب رومانسية يعيشها (أيمن) القادم إلى مدينة (المكلا) الساحلية من إحدى القرى في حضرموت، بحثًا عن العمل، فيتعرف على (شريفة) وهي مدرسة أرملة، فقدت زوجها ثم فقد أباها بعد ذلك، اﻷب الذي تصفه الرواية برجل تقليدي يحافظ على موروثاته القبلية، ولكنه يسمح لابنته بالعمل مدرسة، تصف الرواية تردد أيمن في التقدم بطلب الزواج من شريفة ﻷنه يخشى رفض اﻷب، وﻷنه بدون عمل، وتصف علاقة الحب الناشئة بين أيمن وشريفه، واللقاءات التي تجمعهما على ساحل البحر، والأحاديث المتبادلة بينهما، ورغبة أيمن في الزواج منها والبوح إليها بمشاعره، ومحاولاته إخراجها من حالة الحزن التي تعيشها، ما يدفعه للعمل في الميناء، وعندما يتوفى والد شريفة يقرر التقدم إليها، وتنتهي الرواية بمغادرته للغرفة الصغيرة التي يسكن فيها، والتي تكرر وصفها بأنها لم تعد تتسع له ولكتبه وللحياة التي ينشدها، وهذه النهاية المفتوحة باتجاه المستقبل.. أو الانتقال إلى الشقة الجديدة توحي بنهاية سعيدة لهذه الرواية الرومانسية.

دائما ما ينظر للأعمال الأولى بأنها أفضية للتعبير عن الذات، تتسلل إليها بعض جوانب الحياة الخاصة، أو التجارب الشخصية لكتابها، وذلك الإحساس ربما يتولد لدى قارئ هذه الرواية، بسبب الصبغة الذاتية للسرد، الحافلة بتصوير العواطف والانفعالات الداخلية، وحالة الاغتراب النفسي الذي تعيشه الشخصية الساردة.

مما يميز هذه الرواية أنها تنتمي إلى أسلوب السرد الغنائي، وهو أحد الأساليب السردية الحديثة، بحسب صلاح فضل، إلى جانب أسلوبي السرد الدرامي، والسرد السينمائي، ففي السرد الغنائي تكون الغلبة للمادة المروية، ويخلو السرد من التوتر والصراع ووفرة الأحداث وتعقيداتها، والذي يسم السرد الدرامي، كما يخلو السرد الغنائي من غلبة الإيقاع السردي، ومن المنظورات السردية وتعددها، وذلك الذي يسم أسلوب السرد السينمائي، كما أن السرد بضمير المتكلم، الذي يتصل بأيمن بوصفه ساردًا ذاتيًا، يسهم في تعميق النزعة الغنائية للسرد ـ وهنا ـ يجب التوقف قليلًا عن مستويات الغنائية التي تحفل بها رواية (صمت الأشرعة)، وهي أهم المداخل من وجهة نظري لقراءة الرواية. وذلك ما يمكن إيجازه في اﻵتي؛

1ـ قلة الأحداث وخفوت التوتر أو الصراع الخارجي في هذه الرواية، في مقابل الصراع الداخلي الذي يعيشه أيمن من أجل الدفاع عن عاطفته، فيتحول السرد إلى حالة متكررة من البوح بمشاعره وانفعالاته الداخلية، ومحاولاته المتكررة لفت نظر شريفه إليه، والبرهنة على صدق مشاعره الرومانسية تجاهها، ما يدفعه إلى زياراتها إلى موقع عملها في المدرسة، وكتابة الرسائل النصية بوساطة التلفون حين تبدو له غير مكترثة أحيانا بمشاعره، وذلك يعد من الجرأة الكبيرة في البيئة المحافظة، ويستمر السرد في التركيز على هذا الخيط السردي وحده، فيغيب حضور الزمن وتناميه، وتثبط حركته بسبب التداعيات والمناجاة والاستيهامات، والمونولوجات.

2ـ يستمر السرد وفق منظور أحادي ذاتي، فلا تدرك الأحداث، أو رؤية الأشياء خارج حدود هذا المنظور الذي يصبح فيه أيمن هو موضوع السرد ومركز تبئيراته، فتخفت الشخصيات الأخرى، ولا تتجاوز دائرتها حدود العابر أو الوظيفي، بما في ذلك شريفة الأرملة المدرسة التي يعلق في حبها، ويتراجع وجودها في السرد إلى ما دون الشخصية الثانوية.

3ـ النزعة الرومانسية العاطفية المهيمنة على السرد، والتي يحاول في أثنائها السارد استثارة عاطفة المسرود له، بما في ذلك جمهور المتلقين، الذين قد يستجيبوا لهذه الاستثارة، أو (الإصابة بالعدوى العاطفية)، بحسب صلاح فضل، والتي تختلف درجات الاستجابة لها من شخص لآخر بحسب الخبرات وظروف المتلقين، وهنا لا يمكن إغفال العوامل النفسية، والأزمات العامة التي تخضع لها الشعوب والجماعات البشرية في وقت معين، ما يولد ردة فعل بالاتجاه نحو موضوعات بعينها في بعض الكتابات، والاستجابة لها كذلك من قبل جمهور القراء.

4ـ وأهم مظاهر الغنائية يتصل باللغة السردية التي تحتل أهمية خاصة في هذه الرواية، ومن مظاهرها الاحتفاء بالتصوير، واللغة الإيحائية، والمفارقة والمجاز، والاشتغال بمستويات من اللغة الشعرية، والتي تتجه بالسرد باتجاه الشعر، وذلك ما نلمح أثره في نظام العنونة، بداية بالعنوان الرئيس (صمت الأشرعة) الحافل بالاستعارة والتعبير المجازي، وفي العنونات الداخلية للفصول: (أحزان سفينة صدئة ـ جراحات باردة ـ ممرات قلقة ـ موسيقى القصر الأخرس ـ مرافئ لبحر مرتبك ـ رفات حلم ميت ـ نشيد المرايا) وهي عنوانات ذات مفردات إيحائية شعرية رومانسية.

حاول الكاتب استثمار واقع البيئة الملحية البحرية في بعض اﻹشارات التي لم تخل من دلالة الاسقاط النفسي، مثل السفينة الغارقة.. وحياة البحر والمرافئ.. والمدينة الساحلية المفتوحة على التجديد والتغير بما في ذلك البنية الديموغرافية والعمرانية حيث المباني العتيقة التي يقطنها السكان اﻷصليون والعمارات الحديثة التي تحاصرها بفعل الوافدين والسكان الجدد.. وغني عن البيان أن الكتابة عن البيئة البحرية أو أدب البحر أحد مظاهر الخطاب الروائي اليمني التي لم يلتفت إليها إلا بعض الكتاب من أصول أو مدن ساحلية مثل محمود صغيري في (الميناء القديم) وصالح باعامر في (إنه البحر).. إلى جانب السرد المديني الذي يبحث في أزمنة مدينة عدن وتاريخها الكوسموبوليتي التعددي لا سيما في اﻷعمال المتأخرة، في مقابل وفرة النصوص التي تتناول البيئة الريفية..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24