الجمعة 29 مارس 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
قراءة في الخطاب الثقافي الغربي الحديث والمعاصر - ثابت القوطاري
الساعة 19:16 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


لقد أصبح مفهوم الثقافة اليوم بمثابة قاسم مشترك يُؤلف بين عناصر عديدة يصعب التكهن مسبقاً بوجود علاقة ما تجمعها، لكثرة ما هي بادية للعيان الاختلافات بينها، فهو يحيل إلى كلِّ ما يمتُّ إلى البشر وعالمهم بصلة، إلاَّ أنَّنا عند قراءتنا للخطاب الثقافي الغربي الحديثة والمعاصرة سنتجاوز الحديث عن مفهوم الثقافة، وتطورها، وإشكاليتها، وعن المساهمات الحديثة التي قدمها باحثون جدد في سبيل إغناء هذا المصطلح، إلاَّ أنَّه في المقابل لا بد من معرفة مصطلح (الهيمنة الثقافية) ليكون مدخلاً مناسباً لقراءة الخطاب الثقافي الغربي بشكل عام، والأمريكي بشكل خاص، عند بعض المفكرين والفلاسفة الغربيين، لنعرف إلى أيِّ مدى يُنظر إلى الشرق بعين الاحتقار والعنصرية، والاستعلائية، لنكون على قناعة تامة أنَّ المبادئ التي ينادي بها الغرب من: حرية، وعدل، ومساواة، وحقوق إنسان، وديمقراطية ليست أكثر من شعارات براقة، لا يُعمل بها حينما يتم التعامل مع الشرق، وبخاصة (العرب والمسلمين)، وأنَّها مصطلحات تُطبق في الداخل/ الغربي فقط وبنسبية لا تخلو أيضاً من وجوه العنصرية، والتمييز الطبقي، ولنا أن نسأل: كيف ينظر الخطاب الثقافي الغربي/ الأمريكي للشرق الأوسط/العرب والمسلمين؟ وكيف يتعامل فلاسفته ومفكروه معه في نظرياتهم وأطروحاتهم؟ 
للإجابة عن هذين السؤالين لا بد لنا أن نتعرض لمصطلح (الهيمنة الثقافية) على نحوٍ سريع، حيث وأنَّ مصطلح (الهيمنة الثقافية) حالياً يدلُ على نمط من العلاقات الثقافية تصبح فيه الثقافة الضعيفة أو المهزومة خاضعةً وتابعة لنفوذ ثقافات أخرى، وبخاصة في مجال إنتاج المعارف والقيم التي تحتاج إليها مجتمعاتنا، سواء تم ذلك بسبب تفوق موضوعي للثقافة المهيمنة في ميادين ذلك الإنتاج، أو بسبب انعدام الثقة في النفس لدى الثقافة الخاضعة. وبفعل ما تتعرض له الأمم والشعوب والمجتمعات البشرية -وبخاصة العربية والإسلامية- من غزو واحتلال وهيمنة ثقافية وصلت إلى ما يشبه التطهير الثقافي، يحدث أن تُصبح الهوية الثقافية للشعوب ضعيفة ومعرضة للتحول، وأحياناً للتفكك التام.

وتكون ردود فعل الشعوب المستهدفة على أشده حين تكون الأخطار المحدقة بالهوية الثقافية كبيرة، وردة الفعل في العالم العربي والإسلامي هي محاولة لحماية الفكر والمشروع الاستقلالي والخروج من وصاية الهيمنة الأمريكية، إلاَّ أنَّه علينا الاعتراف بأنَّ كثيراً من عناصر الثقافة الغربية الحديثة أضحت تشكل واحداً من المصادر الأساسية لوعينا الحديث، ولثقافتنا العربية الإسلامية العالمة، والعلمية، والأدبية، والفلسفية، والسياسية، والحقوقية. لدرجة جعلت أقطاب الفكر الغربي ومنظريه، واثقين تمام الوثوق بأنَّهم ينفردون بامتلاك الثقافة الإنسانية الوحيدة التي تستحق أن توصف بالرَّاقية والعالمية، وأنَّ ثقافات باقي الشعوب هي إما غارقة في مستنقعات التخلف في مستويات متفاوتة (بربرية)، وإما فطرية وبدائية لاتزال تعيش خارج التاريخ. وحين يُعقد مقارنة بين العقلين؛ الغربي والشرقي (العربي والإسلامي) نجد الإجحاف الكبير المتأثر بحركة الاستشراق التي أحدثت تأثيراً بالغاً في تحديد معالم البنية الوجدانية للإنسان الغربي حيال الواقع الشرقي وثقافته، على نحوٍ ما نجده في قول المستشرق الفرنسي إرنست رينان (1823-1892م): إنَّ الغرب فعَّال وعقلاني وماديُّ وواقعي، ويعيش في النسبي، وزمانه غير قابل للتكرار وللإعادة، وهو يؤمن بالمستقبل وبالتخطيط له، وفي مقابل ذلك فإنَّ الشرق والأقطار التي تدور في فلك ثقافته، منفعل، ووجداني، وغارق في الروحانيات، والغيبيات، والمقدرات، ومنظومته القيمية مطلقة وجامدة، وزمانه يكرر نفسه باستمرار. ومن النادر أن نجد مَنْ يعترف صادقاً بأنَّ للثقافة الإسلامية ديناً بيناً عليه، بالإضافة أنَّ المواطن الغربي يكاد يجهل تماماً الجوانب الإنسانية الإيجابية والمشرقة في الثقافة العربية والإسلامية، لاسيما في ظل التعتيم الإعلامي، والتشويه المقصود للعقلية العربية والإسلامية. 
 

وفي قراءتنا لما أثاره عالم الاجتماع والاقتصاد الألماني ماكس فيبر (1864-1920م) من اهتمام كبير من خلال كتابه ( الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية) سنجده ينطلق في أطروحته من فكرة مقارنة الحضارة الغربية بغيرها من الحضارات البشرية الأخرى تبرز لديه - بما لا يدع مجالاً كبيراً للشك- أنَّ الحضارة الغربية تتميز بخصائص استثنائية وفريدة في نوعها. ويقول فرنسيس فوكوياما (مولود عام 1952م): " نحن اليوم القوة الأعظم، نحن نمثل البطل الرئيسي على المسرح الدولي، وكل ما يجب التفكير فيه الآن هو مسؤولياتنا تجاه العالم بأسره فبإمكان الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى أن تتصرف بحرية كاملة عندما يتعلق الأمر بأمتها ومصالحها الحيوية، فمن حقها تماماً ألاَّ تؤمن بغير الشرعية النابعة من مؤسساتها الديمقراطية، وألاَّ تبحث عن مصدر آخر للشرعية أعلى قدراً من دولتها القوية"، بل يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك ليكشف لنا إلى أيِّ مدى تُعطي أمريكا الحق في الاستغلالية والعنصرية عندما نجده يقول:" بل ليس بالمنكر عليها أخلاقياً إن هي استغلت منظمة الأمم المتحدة ذاتها، من أجل كسب التأييد لسياساتها المتشددة تجاه بعض الدول التي تنتمي إلى الثقافة العربية الإسلامية". وكما نلاحظ –أيضاً- فالمجتمع الدولي يُكرس غياب العدالة ويقف في صف الظلم والعدوان، وانتهاك حقوق البشر في العالم، ويبقى مشجعاً وداعماً للانتهاكات الحقوقية، ويكيل بمكيالين في قضايا الحرية وحقوق الإنسان، وتعلن بروتوكولات حكماء صهيون صراحة: أنَّ " بغير الاستبداد المطلق لا يمكن أن تقوم حضارة"، وحين يتعلق الأمر بالحديث عن العقليات والثقافات فإننا نجد ترويجاً لأطروحة عنصرية تقول بتفوق الثقافة الغربية بفضل ما يتميز به المنتمون إليها من خصوصيات عرقية وراثية راقية، وانحطاط ثقافات بشرية أخرى وتخلفها لأنَّ للمنتمين إليها سمات وراثية منحطة. ويظهر إلى السطح ذلك التحامل اللامنطقي تجاه العقل العربي، والذي يحاول فلاسفة الغرب تقديمه على أنَّه بليد وغير قابل للاندماج في ركب الحداثة، رغم كون العقلية العربية مجدة في طلب التحديث والتنمية وفي الوقت ذاته رافضة الاندماج في الغرب والاستسلام لهيمنته.
 

وعند التعمق في قراءة الفلسفة الأمريكية الحديثة سنجد أنَّ المفكر الأمريكي لم يغير كثيراً من أفكاره بشأن هذه المسألة بالذات، بل ربما ازدادت مواقفه تجذراً وبخاصة بعد أحداث 11/سبتمبر المهولة، تلك الأحداث التي أعطت السياسة الأمريكية مبرراً للقيام بممارساتها العبثية في المنطقة العربية بعد أن ألصقت تهمة (الإرهاب) بالعرب والمسلمين، ورفعت شعارات تخليص الشعوب المقموعة من الديكتاتوريات فيما كان أهدافها تتلخص ببساطة في تعزيز الهيمنة الأمريكية وضرب جيوب الممانعة لهذه الهيمنة في العالم، لندخل في ما يمكن تسميته بـ(عصر حروب المسلمين) على حد تعبير الفيلسوف صمويل هنتنغتون (1927-2008م) لأنَّ المسلمين-في نظره- كانوا طرفاً متورطاً في جميع الحروب التي شهدها العالم المعاصر، فقد حارب بعضهم بعضاً، وحاربوا غيرهم أيضاً، ويعود هذا في نظره أولاً إلى: الصحوة الإسلامية الجديدة لكونها ردة فعل ضد الحداثة والتحديث، والعولمة، وثانياً: إلى الشعور المتفاقم لدى العرب والمسلمين يمتزج فيه الغضب والاستياء والحسد والعداء تجاه ثقافة الغرب وثروته وقوته، وخصوصاً تجاه سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية الراعية لإسرائيل، وفي سبيل الحفاظ على قوة أمريكا وتماسكها، والتفافها حول هويتها القومية من خلال التعبئة إزاءه، كان لابد من إيجاد عدوٍ جديد بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار منظومة الدول الدائرة في فلكه تمثل هذا العدو بالعرب والمسلمين حسب تصور مفكري الغرب/أمريكا.
 

ومن إحدى المفارقات الغريبة التي كشفت عنها دراسات باحثين غربيين معاصرين فحواها أنَّ العقل الغربي عموماً بقدر ما يدعو إلى الاعتراف بالطابع الكوني لمفاهيم من بنات ثقافته وحداثته مثل الحرية والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان، يسجن نفسه في خصوصيات هويته الثقافية الضيقة، ويتمادى في إقصاء ثقافة الآخرين وتهميشها إلى حد يبدو فيه أنَّ هوية الغرب الثقافية بصفة عامة مسكونة بعقدة التفوق والاستعلاء على ما سواها من الهويات الثقافية الأخرى، لتتمركز فكرة حقوق الإنسان حول الذات الغربية، وبدرجة من الطبقية أيضاً، مما أدى ذلك إلى تغيَّب المعاني الإنسانية في السلوك الغربي/الأمريكي المتعالي على بقية البشر والمحتكرة للقيم الحضارية.
 

إنَّ القاسم المشترك فيما كتبه مفكرو الغرب حول الثقافة، والصراع الثقافي، هي أنَّها جميعاً تحدد الجبهة الرئيسة لحرب الثقافات في عالم اليوم، بين العالمين العربي والإسلامي من جهة، والعالم الغربي المسيحي من جهة ثانية . وينبه الفيلسوف فوكوياما إلى كون الصراع الذي يخوضه الغرب حالياً ليس مجرد معركة ضد الإرهاب بل هو بالأحرى صراع ضد (الفاشية الإسلامية)، التي ولدت من رحم الثقافة العربية الإسلامية وترعرعت بين أحضانها، ويؤكد أنَّ العنف معها أنجع وسيلة لإجبارها على الانخراط في الثقافة الغربية الحديثة، ويُعد الاستعمار والضغوطات السياسية من تلك الوسائل التي يؤيدها الفلاسفة الأمريكيون. كما كشف حوار نشرته صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية في 9/يناير/2004م مع الأكاديمي اليساري بني موريس أستاذ التاريخ بجامعة (غوريون) عن النزعة التحريضية الشديدة التي يفكر بها بعض الأكاديميين الإسرائيليين لدفع العالم نحو صراع وصدام لاسيما بين العالمين/الحضارتين الإسلامية والغربية.
 

إنَّ ما نشهده اليوم من حروب شعواء تلتهم المنطقة العربية بشكل عام، وتعمل على تركيع اليمن واستعماره بشكل خاص ما هو إلاَّ ترجمة لهذه الأفكار والنظريات، وتطبيقٌ لكل هذه الفلسفة العبثية التي لا تراعي أيَّ حق للإنسان بل إنَّ التبرير لها ليس بالأمر الصعب من وجهة نظر غربية فقد قال الرئيس الأمريكي جورج بوش مطلع العام 1991م:" قاتلنا في الخليج من أجل مصلحة دافع الضرائب الأمريكي، ولتخفيض سعر البانزين، بل ذهبنا إلى الخليج لتصحيح خطأ الرَّب الذي أعطى النفط للعرب". وإن حاول الرئيس أوباما في خطابه الذي ألقاه في جامعة القاهرة مطلع يونيو2009 م أن يلمع وجه أمريكا القبيح إلاَّ أنَّ السياسة الأمريكية تجاه الشرق (العرب والمسلمين) هي ترجمة للكثير من النظريات والأطروحات فلسفية، والخطابات الثقافية المنحازة والمتعصبة للغرب الاستعماري الذي لم يغير نظرته للشرق وبخاصة المنطقة العربية والإسلامية إلى اللحظة.
 

قائمة المراجع
_______________
1_الإبراهيم، بدر. حديث الممانعة والحرية. المركز الثقافي العربي. الطبعة الأولى:2012م.
2_ الجابري، علي حسين. الحضارة المعاصرة من الضرورة إلى الصيرورة. دار الفرقد. سورة-دمشق. الطبعة الأولى: 2010م.
3_الدواي، عبدالرزاق. في الثقافة والخطاب الثقافي عن حرب الثقافات (حوار الهويات الوطنية في زمن العولمة). المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية. بيروت، الطبعة الأولى. 2013م.
4_الميلاد، زكي. نحن والعالم من أجل تجديد رؤيتنا إلى العالم. مؤسسة دار الانتشار العربي، نادي أبها الأدبي، الطبعة الأولى، 2013م.
5_بورادوري، جيوفانا. الفلسفة في زمن الإرهاب، حوارات مع يورغن هابرماس وجاك دريدا. ترجمة وتقديم: خلدون النبواني. مراجعة: فايز الصيّاغ. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. بيروت. الطبعة الأولى: حزيران/يونيو 2013م.
6_يتيم، محمد. في منهج التغيير الحضاري. مؤسسة دار الانتشار العربي، ومركز صناعة الفكر. الطبعة الأولى:2012م.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24