الجمعة 26 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
حالة الاندماج المثالية بين الشخص والمعنى.. وردة من دموع المعرسي - زياد القحم
الساعة 13:26 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 


حين يقرر الشاعر أن يسافر في عوالم الكتابة فهو يحتاج إلى أكبر كمية ممكنة من الحب.. وبقدر ما يأخذ من الحب بقدر ما يستطيع أن يقطع من مسافة المعنى..
هكذا فعل الشاعر أحمد المعرسي في ديوانه الجديد (دموع ساجدة) .. تمكن من سفره الطويل في معاني الشعر لأن معاني الحب تملؤه وتتزاحم في داخله:

 

"معنى يطارد في دمي معنى 
فكأن هذا الليل قد جنا 
وقصيدة باتت تراودني 
أسماؤها وصفاتها الحسنى 
وأنا بلا وعي أقلب في
كف المشيئة هاجساً مضنى"

 

هكذا إذن يبدأ مشروع القصيدة عند المعرسي ، تقترب منه القصيدة أكثر كلما زاد حراك المعاني في دمه ، وبهذه الطريقة تمتلئ الأشياء بالحياة : الأشخاص والمعاني والدموع أيضا ..
يخلق الحياة في داخل نصه، ثم يديرها بطريقته الخاصة ويوجهها لتكون مثالية، لأن الموضوع الذي يشتغل عليه مثالي جدا ..

 

هذا الديوان من الكتب الشعرية القليلة في المشهد الثقافي التي تشتغل على موضوع واحد ولا تخرج عنه إلى غيره من الغلاف إلى الغلاف .. كل قصائده رسائل حب صوفية إلى الله وإلى النبي وإلى الإنسان وهو المحتاج للحب والارتباط بالغيب والسماء.
 

في اشتغال الأدب على المثالية إما أن يصنع الأديب مثالية خاصة افتراضية داخل نصه، ويروج من خلالها لقيم الحب والجمال والإنسانية ، أو أن يبحث عن المثالية في الحياة الواقعية ثم يتغنى بها ليؤصلها ويوصلها عبر الأدب إلى الأماكن الخاصة التي لا يذهب اليها إلا الأدب .. ومن هنا انطلق المعرسي في كتاب الحب (دموع ساجدة ) للتعبير بجمال الشعر عن جمال النبوة .. شخصا وفكرة وأثرا دائما:
 

"وقف الزمان على رؤوس بنانه 
لكن طه خارج الأزمان "
في نصوص هذا الديوان تتحول الدمعة إلى كائن مؤمن .. هذا الكائن الدمعي الذي ينتج عن البكاء يستطيع أن يقوم مجددا بفعل البكاء والشوق والصلاة والسجود:

 

1
"يا شاعر المختار ما لك
دمعة في عين ثكلى"

 

2
"انا واحد في الشوق روحي دمعة 
وقلوب كل العارفين مآقي 
أطلقت يا الله دمعة عاشق 
واللوح سر مدامع العشاق "

 

3
"أنا في الطريق إليك 
خوفي والدموع هما الرحال "

 

4
"وانا سؤال الوجد هل مرت على 
كفيك سائلة دموع جواب"

***
 

هكذا يتحول الحب من إحساس إلى رفيق حياة وشاهد حاضر على صاحبه وعلى حالة التعلق الجميل بالنبوة وشخص النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الوقت نفسه يتحول الشاعر إلى شعور محض؛ فتغيب ماديته وتحضر روحه/لاماديته:
 

"غبت في حبكم إلى أن 
خلتكم سر كل دين 
فغدوتم بعرش قلبي 
غرة الوجد واليقين 
فلتكونوا لقلب صب 
صلبته يد الحنين "

 

يتحول الشخص إلى معنى فيتخلد ويتحول المعنى إلى شخص فيعيش بين الناس ويعايشهم، وحين يكون المعنى هو النبوة .. يكون تفرد الشخص/ النبي .. حالة مثالية لا تتكرر 
***..
 

يقول الشاعر في (تواجد في غياب الحضور):
"مديحك يا تسابيح الوجود 
كتاب الحب في لغة الخلود 
مديحك يا بن عبدالله عهد 
على قلبي المغيب في الشهود 
أحبك فوق احساسي ووعيي 
واسكب مهجتي فوق الخدود "

 

هكذا يمدح الشاعر شخص حبيبه.. الذي يتحول سريعا في النص نفسه من شخص إلى معنى يتواجد في كل قلب :
 

"أتى قبل الزمان فكان روحا 
مضيئا من ندى عطر وعود
ولولا أنه في كل قلب 
تخاصمت القلوب مع الجلود "

***
 

وهكذا تفعل معظم نصوص المجموعة .. يحب شخص المصطفى ويسعى للقائه:
" على جسد من الأوجاع بالي
جعلت القلب يا طه رحالي 
وجئت أمد أشواقي طريقا 
على غصص أحد من النبال 
أسير إليك في آهات دمعي 
فتقعدني الحياة ولا تبالي 
"

 

ثم يعبر عن حبه للمصطفى معنى وفكرة وليس شخصا :
" لأن المصطفى عرش السجايا
وسدرة منتهى روح الجمال 
وغيب غامض معناه سر 
على الأقلام في كتب الكمال "

***
 

وفي قصيدة (قاب حرفين من الكشف) يناديه شخصا ، ثم يكرر النداء ولكن ينادي العاطفة والشعور الذي يمكن أن يسكن أي قلب ..
يقول في النداء الأول:
"سيد الخلق مد لي طيف وصل 
إن قلبي في غابة من كساد "
ويقول في النداء الثاني:
"يا نبيا نراه في كل قلب 
رحمة الله ما لها من نفاد "

 

الصوفي لا يستطيع أن يحب بقيود لأنه يحب الحقيقة المطلقة فلا بد أن يكون حبه مطلقا، هذا ما تقوله تجربة أحمد المعرسي في هذا الكتاب

منقولة من مجلة أقلام عربية ...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24