الاربعاء 24 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
مقر أدباء عدن بين المركز والهامش - عصام واصل
الساعة 13:50 (الرأي برس - أدب وثقافة)


يمثل مقر اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين - فرع عدن رمزية لا يمكن لأي مقر آخر أن يمثلها على الإطلاق، بالرغم من تعرضه للتهميش والإقصاء منذ العام 1990م، وازدياد ذلك التهميش حدة وضراوة بعد حرب صيف 1994م، لكنه يبقى المركز المعنوي ما بقي المركز في صنعاء مشلولاً ومنحرفاً عن مساره المرسوم له من قبل الأدباء والكتاب منذ التأسيس.
 

أنشئ هذا المقر في سبعينيات القرن الماضي، وهو المقر الوحيد ربما المسجل باسم الإتحاد؛ ليضم الأدباء والكتاب اليمنيين جميعاً دون تمييز بين أدباء الشمال والجنوب، ودون اعتبار لانتماء أديب إلى حزب أو طائفة أو عرق. كان همه الأساسي ثقافياً وطنياً قومياً إنسانياً، وقد حقق معظم أهدافه برغم ما تعرض له من عراقيل وإشكاليات جمة.
 

انتقل المركز من عدن إلى صنعاء في العام 1990م، وبانتقاله من عدن إلى صنعاء فقد مقر عدن صوته وبدأ يتلاشى إلى أن تحول إلى مجرد هامش لمركز يتواجد في صنعاء، وقد توازى مع تهميش الفرع في عدن تهميش للأدباء الذين شاء لهم مركز صنعاء أن يصبحوا مجرد صدى له، وهو صدى مشوه في الغالب. ومع تهميش الفرع في عدن، هُمّشت فروع أخرى في الجنوب، وأصبح دورها موسمياً باهتاً، وتوسعت هذه المأساة مع صمت الأديب في الجنوب وعدم بحثه عن مخرج، وإن حاول بعضهم تشكيل كيان مواز ومستقل عن المركز في صنعاء إلا أن محاولاتهم جميعاً باءت بالفشل؛ لأن معظمها نابع من تفكير فردي غير جمعي ولا مؤسس يقوم على رؤية واضحة.
 

وإذا كان انتقال المركز من عدن إلى صنعاء مادياً، فقد توازى معه انتقال معنوي هو الأكثر ضرراً على الكيان برمته وليس على هذا الفرع في عدن أو في المحافظات الجنوبية الأخرى فحسب، بل على الفروع في المحافظات اليمنية كلها؛ فبانتقاله أتيح المجال لبروز اختلالات شتى مني بها الإتحاد عموما، منها تسليم إدارة الإتحاد لمن ليسوا بأهل لذلك، ناهيك عن انحراف مسار الإتحاد عن جادته؛ إذْ دخل في عباءة السلطة شيئاً فشيئاً إلى أن أصبح أداة من أدواتها وبوابة خلفية للحزب الحاكم في ما بعد وما يزال حتى يومنا هذا.
 

إن الإتحاد قد فقد - بانتقال القيمة المعنوية من عدن إلى صنعاء - شيئاً من هيبته، وهو من أجل استعادتها بحاجة إلى رمزيته التي ولدت معه في عدن ولا تزال عالقة في مقره هناك، بل وفي وجدان الأديب اليمني الذي يتذكر الدور الريادي لهذا المقر. وهي الرمزية التي تتجلى على وفق اعتبارات متعددة من بين أهمها أنه أسس لهمّ ثقافي وليس لنزعات طائفية أو عرقية ولا لانتماء حزبي أو سياسي، بل ولم تخطر ببال المؤسسين أمور كتلك، غير أن هذه المعضلة قد طفت على سطح الإتحاد مؤخراً بعد أن أصبح اتحاداً لكل شيء ما عدا الأدباء والمثقفين. أضف إلى رمزيته تلك أن هذا الكيان كان هو الكيان الوحدوي الأول في البلد؛ إذ سبق تحقيق الوحدة بأكثر من عقدين تقريباً، ورسم صورة طوباوية لها، وبهذه وحدها تتجلى أبهى رمزياته في الوجدان، إنها تذكر الأديب بحلم جميل كان يحنّ إلى تحقيقه قبل أن يتحول إلى كابوس يعيشه اليمني ليل نهار.
 

لقد انتقل المركز إلى صنعاء، وتحول المركز الرئيسي في عدن إلى هامش مقصي ومغيب لا يذكر إلا في لحظات البحث عن الإتاوات التي كان يدفعها أدباء عدن له من إيجارات المقر، لكن رمزيته وذاكرته السامية ما تزالا هناك في عدن لم تنتقلا ولن تنتقلا؛ لأن عدن هي المدينة الوحيدة التي لا يمكن أن يحتويها حزب أو طائفة أو نزعة مناطقية، كالاتحاد تماماً، الذي لا يليق به الإنتماء لحزب أو طائفة أو جهة معينة.
 

ما تزال الهيئة الإدارية في صنعاء تغض الطرف عن حقيقة تحول الإتحاد إلى مجرد كيان مشلول وصامت، لا يعبر عن وجهة نظر الأدباء، ولا يستجيب لأنينهم، ولا يصدر - حتى - بيان إدانة حول ما يتعرض له هذا المقر أو هذا الأديب أو ذاك الكاتب. لا أحد يدري أين اختفت إدارته، ولا كيف استقر الفعل الثقافي في أدمغتهم.
 

إن ما يتعرض له الإتحاد من تدجين وإخفاء قسري من قبل الهيئة الإدارية الحالية يؤكد أن رمزية الإتحاد في صنعاء قد تهاوت، ولم يعد من المنطقي بقاء مركزه هناك، ومن أجل إعادة الحياة إليه من جديد لا بد أن يعود إلى عدن أو المكلا ليشرع بتفعيل دور الفروع ويمنحها صلاحيات أكبر، ويتم توزيع الميزانية بشكل عادل أيضاً، بحيث لا تبقى في يد المركز الذي يتصرف بها على هواه.
 

إن كل ما يحدث لهذا الكيان يستحضر إلى الأذهان سؤالاً هاماً مفاده: ماذا لو كان المركز ما يزال في عدن؟ هل كان الأديب اليمني سيصل إلى ما وصل إليه اليوم؟ وهل كان كيانه النقابي هذا سينبطح في يوم ما كانبطاحته المستلذة هذه؟.

منقول من العربي..

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24