الجمعة 26 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
التعليم في اليمن، من المسؤول؟؟ - صلاح الأصبحي
الساعة 14:26 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

في امتحانات الثانوية العامة للعام الدراسي هذا ضجت اليقينيات وكثرت الشائعات المخيفة حول عملية الغش والاستهتار التي صاحبتها في مجمل مراكز الامتحانات, بلغت حد الفحش البوار, وإباحية المجاهرة والتباهي العلني بنيل المبتغى دون أدنى رادع أو تحجر, يخفف الحدة القاصمة والمجازفة المتهورة في إمضاء الامتحانات على هذه الشاكلة والتي تقتاد التعليم في اليمن صوب المجهول ضمن تشكيلة الضياع التي أدرج تحت طاولتها بلد بأكمله وبأذرعه المختلفة في زمن الحرب والتجهيل المتعمد والكوليرا .
 

مضى ما يقرب من عام على تخلي الحكومتين في صنعاء وعدن عن دفع رواتب التربويين الذين فقدوا الأمل رويداً رويداً في الثقة بكونهم ذي شأن, تقوم على عاتقهم مسؤولية التعليم, وهذا بدوره أدى إلى اضمحلال نسبة الدوام وتدنيه وتوقفه في معظم مدارس اليمن, عدا ما قدرت سلطات الأمر الواقع أن ترهب بعضهم على الاستمرار فيه دون مقابل, وإن استجاب البعض راضخاً لها فليس أكثر من مجرد حضور ديكوري ليس إلا, كل هذه التداعيات تمضي قُدماً بالدفع بالعملية التعلمية إلى ما لا يحمد عقباه, ولم تخش الحكومتان أن خطوة كهذه ستقضي على ما بني منذ عقود, ولم يفزعهما حجم الخسارات التي تنطوي على ذلك, ولم يتبق من التعليم إلا تردد الأخبار لمسامعك عن إقامة الاختبارات النهائية لطلاب الثانوية؛ لكن بفاجعة أكثر قرفاً, وأكثر تقدماً في تفشي ظاهرة الغش وتحول قاعة الامتحان إلى صالة أفراح ومهرجانات ابتهاج, وللطالب الخيار في اصطحاب المدرس المتميز الذي سيمنحه الدرجة النهائية في مادته, وهو يجيب على دفتره, ومع كل مادة , أو أن تتيح وسائل التواصل (كالواتس) وغيرها الفرصة في التمكن من الحصول على إجابة نموذجية عبر الأثير, عقب تسريب ورقة الاختبار إلى من سيقوم بالمهمة في أول ربع ساعة من بدء الاختبار, وقد يشكو بعض الطلبة من رداءة النت الذي يعيق عملية التراسل, وبلغ الأمر حد تحديد المبلغ الذي يقابل أية وسيلة تمكن الطالب من نيل مبتغاه .
 

لا تضع الكارثة أوزارها عند هذا الحد, وإنما ستصعق عند إعلان وزارة التربية والتعليم أن نسبة النجاح في هذا العام أو في العام السابق بلغت 90%,جزاء مضاعف يحوزه الطلاب بإطلاق العنان لمعدلات نالوها بدرجة تفوق قدرة أساتذتهم, ففي مدرسة نائية ينقصها نصف العدد المطلوب من الكادر التربوي ينال (10) طلاب درجة امتياز (90 إلى 95),وحين تبلغ الفرحة مداها يصعد الطالب إلى منبره في مواقع التواصل الاجتماعي قائلاً:" بركوا لي حصلتو على موعدل مومتاز في الثانويه العامتو بنسبت 95% ", بهذه الخُطبة القصيرة الجسورة تتيقن أنه نال النتيجة بجدارة واستحقاق لا يضاهى, وليس من اللائق أن تبخل عليه بتعليق يليق بمكانته السامقة "شرفتنا ورب الغش", عقب هذه اللحظة يظل هذا البطل الدؤوب منغمساً في نشوته العارمة التي لا يدرك لها مصدراً, ولا يفوقه غيره نظيراً, وربما يكون هذا البطل قد نالها عن بعد, وهو مغترب في السعودية وناب عنه ماله, أما إن كان حاضراً في اليمن؛ فما عليه إلا التفكير بجامعة تليق بمعدله, وبتخصص يناسب فراسته ونباهته, وبما سيعود نفعه على الأمة العربية والإسلامية, وهنا ستخفت بهجته كلما فكر بجدية في الأمر, وبدأ يخطو صوب الالتحاق بكلية الطب أو الهندسة على سبيل المثال, ليرتطم بسوء العاقبة حين تلفظه أكثر من كلية وينبذه أكثر من تخصص, ولن يستكين ضرره على نفسه هنا بل قد ألحق ضرراً بغيره ممن هو جدير بالالتحاق حين يتقدمه عدد هائل من تلك النوعية ويملأ الرقم المطلوب الذي نصبته الجامعة .
 

 

رغم أنه في اليمن يتخرج كل عام من الثانوية العامة أقل من ربع مليون طالب وبنسبة نجاح 90% ,إلا إن نسبة الالتحاق بالجامعات الحكومية والأهلية لا يزيد عن 10%, وهذا له تداعياته وأسبابه كقلة الإمكانيات لدى الأسر في تحمل تكاليف الدراسة مع حاجتهم لاعتباره مصدر كسب لقوتهم وفكرة لها أفضلية على تعليمه, وتوغل اليأس في أعماقهم بأن مخرجات الجامعة باتت نوعاً من الوباء, مع العلم أن هذه الفكرة لو عمل بمضمونها لظلت أبواب الجامعات والمعاهد موصدة, لن تحظى بمن يطرقها؛ طالما أنها لا تف بنيل المستقبل الزاهر, إلا أننا في مجتمع يتجاوز الواقع وترسباته؛ ليشق صخرته بأمل ينشده, ويسير على بريقه, ضارباً بيأسه عرض الحائط ,يثبت ذلك تدافع الطلاب كقوافل إلى الجامعات للبحث عن فرصة تمكنهم من التسجيل فيها .
 

حين تحاول تتبع خط سير الطلاب الذين يرغبون بدخول الجامعة, تلحظ الفرق المهول والشاسع بين الطاقة الاستعابية وبين الأعداد المتقدمة, والتي تخوض غمار اختبار القبول كضرب في المجهول, ودليل على طبيعة تفكير ونية مدهشة تفوق حجم الواقع, وتتجاوز المستحيل دون أن تكترث بالمصير العدمي المنتظر وغير المبشر, فلو أخذت على سبيل المثال كلية الطب في جامعة صنعاء لوجدت ما لا يسرك من أعداد مهولة نسبة قبولها شحيحة جداً .
 

وهكذا دواليك في كلية الهندسة أو الطب هنا في جامعة صنعاء أو في جامعة إب أو في جامعة ذمار, المهم أن يستعرض كل طالب عضلاته بهذا الاختبار دون يأس, ويحرص على التسجيل في أكثر من تخصص في الكلية الواحدة, إضافة إلى تشبيك الأمر بالبحث عن ذات الفرصة في جامعة أخرى كفارس يتجول بين جامعات ( إب ـ ذمار ـ صنعاء ), معلناً حالة الطوارئ بحق ذاته, ومتأهباً منذ عام ومتأهلاً في التخصصات التي يحلم بامتطاء صهوتها, وقد يظفر بالنصر المؤزر أو يعود أدراج الخيبة بخفي حنين مثلوم الجناح ومكسور الخاطر؛ إذا لم يكن بجعبته حل آخر أو ضخ مادي يدرجه خانة التعليم الموازي, مع العلم أنه طرأ في السنوات الأخيرة برنامج أبناء الشهداء, الذي يمكن أولئك الأبناء من التسجيل دون عناء, ودون ضنك اختبار القبول وبأعداد تماثل عدد القبول العام .
 

 

كل ما سبق ذكره يشعرك بالأسى والقهر, وأنت تتابع هذه التفاصيل عن كثب, وتشيخ متأملاً في أسبابها وجذورها, والظروف التي أنتجتها, وكيف ومتى يمكن معالجتها ؟ ومن المسؤول الفعلي عنها؟ ولماذا كل هذا الضرر يحيط بنا , ويحطم الجيل الذي كان بالفعل قادراً على صنع تحول ما في بنية المجتمع ؟.
 

في الزيارة التي قام بها مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق إلى اليمن في إحدى المرات, قال: إن مشكلة اليمن يمكن طيها بسهولة ويسر لو تمَّ معالجة مشكلة التعليم بشكل عام؛ فبها ستنال اليمن حظها من الاستقرار, إلا أن القائمين على التعليم في حكومات عدة تناوبوا على صفعه في كل خد حتى تهاوى, ولقي حتفه في هذه السنوات الأخيرة كطامة كبرى اقتلعت جذوره ونقلته إلى الجبهات على متن طقم تتجاوز سرعته 200كم/ساعة؛ لينال شرف الشهادة وقد حَسنت خاتمته, وشغل منصبه خصمه اللدود (التجهيل المتعمد) كأمية تعلمية في سابقة لا نظير لها في تاريخ اليمن منذ نصف قرن.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24