الخميس 25 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
الأستاذ كرامة مبارك سليمان بامؤمن وفن السيرة الذاتية
قراءة في كتاب (بسقة الخريف) - مسعود عمشوش
الساعة 15:20 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)




هناك عدد كبير من الحضارم الذين كتبوا سيرهم الذاتية، أو مذكرات ركزوا فيها على الدور الذي أسهموا به في الحياة العامة. وسبق إن قمنا بتقديم ما كتبه كل من عبد الله سالم باوزير وعلي بن حسن العطاس وربيع عوض بن عبيد الله ومحسن علي السقاف ومحمد علي باحميد وعبد القادر باكثير. وسنحاول في السطور الآتية تسليط بعض الضوء على ما قدمه الرائد التربوي الأستاذ كرامة مبارك سليمان بامؤمن، مؤلف الكتاب المرجعي (التعليم في اليمن الجنوبي)، في مؤلفه الأخير: (بسقة الخريف).
 

يقع الكتاب في 220 صفحة من الحجم الكبير. في الفصل الأول منه، الذي يقع بين صفحة 2 وصفحة 29، يسرد كرامة بامؤمن سيرته الذاتية. كما يُعدّ ملحق الصور (مشاهد في طريق مسيرة 60 عام) امتدادا بصريا لنص السيرة الذاتية وتوثيقا لها بالصور الفوتوغرافية، وهو يقع في أكثر من أربعين صفحة. أما الصفحات الأخرى من الكتاب فقد ضمنها المؤلف عددا من المقالات التي نشرها في الصحف الحضرمية في مطلع الستينيات من القرن الماضي، وبعض الوثائق والدراسات والتقارير التي أعدها في إطار عمله في مجال التربية والتعليم والسياسة.
 

بعكس كثير من الحضارم، الذين، عند ترجمتهم لأنفسهم، ركزوا على تقديم أساتذتهم ومشائخهم وأهملوا الحديث عن طفولتهم وتكوينهم، لم يتردد كرامة بامؤمن -مثل علي بن حسن العطاس في كتابه (سفينة البضائع وضمينة الضوائع)، من الحديث عن مولده وطفولته، وبشكل أدبي متميز يمزج فيه السرد بالوصف. فهو يبدأ كتابه على النحو الآتي: "إبان اشتداد القبضة البريطانية على حضرموت في الجنوب اليمني المحتل ولدت في مزرعة السيد محضار بن علوي الكاف أحد أفراد أسرة آل الكاف التي تدفقت أموالها إلى حضرموت من المهجر في جنوب شرق آسيا (سنغافورة واندونيسيا). وكان ميلادي في أجواء عام 1934، حينما كان والدي مبارك سليمان بامؤمن ووالدتي عيشة حيمد باشعيوت، الأميان، يعملان فلاحين في هذه المزرعة الخضراء الظليل التي يتوسطها قصر منيف يتخذه السيد وعائلته وخدمه مصيفا لهم أثناء نضج ثمار النخيل وغيرها من ثمار الفاكهة النظرة، ويتميز هذا القصر ببركة واسعة للغسل والسباحة، حيث تنصب فيها المياه العذبة الرقراقة المتدفقة من أنبوبة مضخة ترفعه من بئر عميقة محفورة بجوار القصر، مما شجع المسؤولين البريطانيين الزائرين لوادي حضرموت النزول فيه كملجاء من قيظ الصيف الجاف في مدين تريم الواقعة في اطراف الربع الخالي في شمالي حضرموت".ص3
 

ثم يذكر بامؤمن أنه تعلم القراءة والكتابة في (علمه باحرمي). ولأن والده كان وكيلا للسيد عمر بن محضار الكاف، الذي أصبح أحد رواد النهضة الزراعية بحضرموت، تمكن الطفل كرامة من الالتحاق بمدرسة جمعية الأخوة والمعاونة التي كانت من أول المدارس النظامية في حضرموت، والتي أحدثت نقلة نوعية في طرق التدريس والمواد الدراسية.
 

وفي عام 1947، وبعد أن درس أربع سنوات في مدرسة جمعية الأخوة والمعاونة، استطاع كرامة أن يتحصل على منحة دراسية إلى دمشق ضمن بعثة تضم خمسة طلاب من تريم برئاسة علي عقيل بن يحيى. وقد ضمّن المؤلف نصه سردا للأحداث المثيرة التي تخللت سفره من تريم إلى دمشق عبر المكلا وعدن وبيروت؛ وذكر أنه أصيب بمرض منعه من الذهاب مع أعضاء البعثة الأخرين، لكنه استطاع بفضل محضار الكاف أن يسافر بمفرده فوق سطحة شاحنة، عبر الأودية والجبال. وعند وصوله إلى المكلا فوجئ بأن رفاق البعثة سبق أن سافروا إلى عدن. وبمساعدة الشيخ أبي بكر باذيب تمكن من السفر في مركب شراعي إلى عدن. وفيها اكتشف أن زملاءه حجزوا في باخرة غادرت إلى بيروت قبل وصوله، وبما أنه لم يحصل على اي مقعد فقد قبل أن يسافر إلى بيروت فوق سطح أول باخرة متجهة إلى هناك. 
 

ومن بيروت سافر الطالب كرامة بامؤمن إلى دمشق. والتحق بالصف الخامس الابتدائي مباشرة في مدرسة التطبيقات النموذجية بدمشق، ثم انتقل إلى مدرسة ابن خلدون التي تضم كانت تجمع بين المرحلة الوسطى والمرحلة الثانوية وبها قسم داخلي سكن فيه إلى أن تحصل على شهادة الثانوية العامة سنة 1955.
 

وفي ذلك العام، انتهت المنحة التي قدمتها وزارة التربية والتعليم السورية للبعثة الحضرمية. لكن معظم الطلبة حرصوا على الالتحاق بالجامعة على الرغم من عدم حصولهم على الدعم اللازم لذلك. وصمم كرامة على التضحية وتحمل مصاعب السكن والغذاء والمستلزمات؛ وعاش في المساكن الموقوفة للطلبة الغرباء من خارج دمشق، وتنقل في ثلاثة منها: مسجد (دك الباب) و(تكية السلطان سليم) ومسجد آخر شرق جامع بني أمية.
 

وقد ضمّن المؤلف سيرته الذاتية بعض الأحداث والمتغيرات السياسية والفكرية التي شهدتها بلاد الشام أثناء إقامته فيها. وذكر أن بعض زملائه حاولوا عبثا ضمه لحزب البعث، وأنه حرص على حضور محاضرات الأستاذين الجامعيين يوسف السباعي ومصطفى الزرقاء، وحلقات الشيخ الصوفي أحمد كفتارو.
 

في عام 1960 تخرج كرامة بامؤمن من جامعة دمشق وتحصل على شهادة بكالوريوس في العلوم الطبيعية. وذكر أنه أثناء مروره بعدن زار الشيخ محمد بن سالم البيحاني في المعهد العلمي الإسلامي فرحب به، وابدا رغينه في التدريس بالمعهد لكن اعتذرت الإدارة عن قبوله بحجة عدم وجود خانة وظيفية. وعندما لم يقبل كذلك في سلك التدريس في معارف توجه إلى المكلا، وفيها ساعده الشيخ أبوبكر بارحيم – عضو مجلس الدولة في السلطنة القعيطية – الحصول على قرار من وزير السلطنة بتعيينه مدرسا في المدرسة الوسطى ومدرسة المعلمين بغيل باوزير التي كانت مركز النشاط التعليمي في حضرموت حينذاك. ثم عُيّن مديرا لأول ثانوية بحضرموت وعميدا لكلية المعلمين الوسطى ثم قائما بأعمال ناظر المعارف، وكان من الرواد الأوائل في الجهاز التربوي في حضرموت.
 

وفي عام 1970 انتقل كرامة بامؤمن إلى عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، حيث عيّن مديرا عاما للتعليم الإعدادي والثانوي بالوزارة ثم –في عام 175- مديرا عاما للتعليم بالوزارة. وفي عام 1980 صدر قرارا جهوريا بتعيينه مساعدا لنائب وزير التربية. وفي تلك الفترة أشرف بامؤمن على الاستراتيجية ومختلف الخطط الخاصة بنشر التعليم ومجانيته وتوسعه الأفقي والرأسي.
 

وخلال تلك الفترة كتب الأستاذ كرامة بامؤمن عددا من الدراسات والأبحاث التربوية، لعل أهمها: دراسته عن (المدرسة الموحدة ذات الصفوف الثمانية) الذي نشرته اليونسكو عام 1980. ولا شك أن كتابه (التربية والتعليم في الشطر الجنوبي في اليمن) الذي صدر عام 1994يعد من أهم المراجع المتعلقة بتطور التعليم في بلادنا. وقد ضمّن من كتابه (بسقة الخريف) مقتطفات من تلك الدراسات.
 

وإضافة إلى عمله الريادي والقيادي في مجال التربية والتعليم، سعى كرامة بامؤمن، بعد عودته من سوريا عام 1960، إلى الإسهام في الصحافة المحلية، فنشر عددا من المقالات في الصحف الحضرمية. ففي عام 1962 مثلا نشر في صحيفة الطليعة مقالة بعنوان (نحن وحتمية التطور، دراسة لمراحل تطور المجتمع الحضرمي). وقد بلور بامؤمن ما جاء في تلك المقالة في كتابه التاريخي المهم (الفكر والمجتمع في حضرموت)، الذي وتتبع فيه التطور الفكري والعلاقات الاجتماعية في حضرموت عبر المراحل التاريخية.
 

ومثل معظم أبناء الجنوب كان كرامة بامؤمن، من أشد المتحمسين للوحدة اليمنية. وبعد قيامها في 22 يونيو 1990 انتقل من عدن إلى صنعاء وعين بقرار جمهوري للمكتب الفني بوزارة التربية والتعليم بدرجة وكيل ثم بدرجة نائب وزير. لكن، مثل كثير من الكوادر الجنوبية تم تهميشه بعد حرب 1994، ولم يتردد في التعبير عن خيبته في كتابه هذا الذي صدر في عام 2009 حيث كتب فيه: بعد نكسة الحرب الأهلية عام 1994انطفأت شمعة الوحدة اليمنية وزاغت القلوب. وعين غيري مديرا للمكتب الفني بقرار جمهوري، تنكرا لخدماتي الناجحة في مجال عملي القيادي. وأزاحت المنجمة ضاربة الودع في رصيف باب اليمن النقاب عن وجهها الكالح وقالت: لم تعد من طيور هذا البلد.

وترتب على هذا القرار الجمهوري قطع علاوة السكن وعلاوات أخرى من راتبي، مما اضطرني إلى مغادرة السكن والنزول في فندق على حسابي. فطالبت بالعودة إلى حضرموت، فأصدر وزير التربية والتعليم قرارا وزاريا بتعييني مستشارا فيها في التربية والتعليم بمحافظة حضرموت، ورجعت إلى المكلا حيث نقطة البداية. والعودة أحمد".ص14

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24