الجمعة 26 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
الشاعر اليمني مختار مُحرَّم في حوارٍ مع "الرأي برس":
الغربة وفرَّت لي الوقت للقراءة والكتابة والتأمل - حاوره صدام الزيدي
الساعة 17:28 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


شاعرٌ جميل، يكتب قصيدة العمود بتمكن، وينفرد بروح بهية مسكونة بالألق والمحبة والسلام..
لا يمكن لك وأنت بصدد كتابة مقدمة لحوارٍ شيقٍ، مع الشاعر اليمني د. مختار محرم، مدير تحرير مجلة "أوراق عربية"، الفائز بجائزة الشاعر حسن القرشي التي يشرف عليها المجمع اللغوي في القاهرة، إلا أن تتملكك ارتباكة من أين تبدأ وكيف ستختصر عوالم لا متناهية لكائنٍ يعترف للغربة بفضل ٍ على صقل تجربته، بينما تقلقه الحرب إذ يرى أنها انتصرت على التعايش والحب والشعر، على أن الوطن والحبيبة لديه روح واحدة منها تفيض شجون الحياة وينبض من أجلها الشعر، كما أنه يتأسف على حال الشعر والشعراء اليوم، إذ بوسع من يملك مالاً أن يصنف الشعراء!
على أنه يشدد أن مواقع التواصل الإجتماعي يمكن للمبدع اعتزالها مقدماً روائعه للإنسانية من منعزلٍ بعيد.. 
مختار مُحرَّم عالمٌ من الدهشة والجمال والرؤية والشاعرية.. إلى نص الحوار:


               
 
-من هو مختار محرم؟ بداياته مع الكتابة؟

*كل ما أعرفه عن نفسي تلخصه أربع كلمات.. 
يمني.. شاعر .. صيدلي .. مغترب.
بدأت رحلتي مع الشعر وأنا طفل .. بعد سن العاشرة .. كانت الأناشيد والقصائد تطربني ويدهشني تآلف الكلمات مع بعضها لتشكيل البيت الشعري ، وبدأت في قراءة قصائد الكبار والمعلقات العشر وقصص امرئ القيس وعنترة وبدأت شخصية الشاعر تعجبني فأعيشها وأنا طفل.. حتى وجدتني في سن الثانية عشرة أكتب قصائد موزونة ومقفاة وإن كانت لا يمكن أن تشكل قصائد صالحة للنشر وهذا ما ردت به عليّ إحدى الصحف التي راسلتها وأنا في الثانية عشرة حيث ردوا يومها بأني أمتلك الموهبة لكن لدي أخطاء في اللغة 
وقواعدها وكان ذاك دافعا لي للاهتمام باللغة أكثر وبقواعدها.. بعد ذلك انتقلت لمرحلة الكتابة لمن حولي، وكانت كتاباتي تلقى قبولا وإعجابا بين أصدقائي وزملاء دراستي في المدرسة ثم في الجامعة.. 
وجاءت الغربة أخيرا لتتوج هذه التجربة وتصقلها وتجعلني أتعرف أكثر على مختار محرم الشاعر وأختلي به وأتصادق معه.

-تكتب الشعر العمودي كما هو لافت في تجربتك؟ ولك نصوص غير ذلك.. بينما يذهب كثير من شعراء وكتاب هذا الجيل إلى قصيدة النثر والنص الجديد؟ 

*القصيدة العمودية وهندستها الموسيقية كما ذكرت لك هي التي حببتني في الكتابة فاتجهت إليها بحب ورغبة .. بينما النثر مع تقديري له ولممتهني الكتابة به يظل عالما غريبا عني.. وإن كنت أعشق التجارب النثرية لكثير من الشعراء ك علوان الجيلاني وعبدالمجيد التركي وبشير المصقري.. ويبقى النثر أصعب من الشعر لأنك في الشعر تعتمد على موسيقى ظاهرة تصنع الدهشة لكنك في النثر تحتاج أدوات أكثر عمقا لتنتزع دهشة القارئ.

 

-ثلاثة دواوين شعرية، أصدرتها حتى اللحظة.. بدءاً ب "حنين المسافات" 2012 مروراً ب "ضجيجٌ على قارعة الصمت" 2014 ومؤخراً، منتصف 2017 احتفلت بجديدك الثالث "على حافة الحلم".. حدثنا عنها؟

*الديوان من وجهة نظري لم يعد إنجازا للشاعر بقدر ما هو توثيق لتجربته.. ولى زمن القراءة من الورق وأصبحت كل الكتب والكتابات مفتوحة أمام القراء عبر النت.. كان ديواني حنين المسافات بالنسبة لي بطاقة هوية عبرت من خلالها من عالم الهواة إلى عمق الوسط الأدبي في اليمن لأقول إن هناك شاعر اسمه مختار محرم.. وما أكد هذه الهوية هو أن من قام بتقديمه  معلم الأجيال أستاذنا القدير د. المقالح فكان بمثابة شهادة تعميد شعرية لي، ورغم أنه احتوى الكثير من ما يمكن اعتباره بدايات إلا أني أعتز به وأعتبره مرحلة هامة لي.. وجاء ديوان ضجيج على قارعة الصمت مكملاً لهذا التعميد لكن على مستوى عربي حيث فاز بجائزة الشاعر حسن القرشي التي يشرف عليها المجمع اللغوي في القاهرة وقد أثنى عليه وعلى تجربتي كثيرا الأديب الكبير الراحل أ. فاروق شوشه أثناء حفل التكريم بالجائزة العام الماضي.. وكان ديواني الثالث والأخير لي هو مقياس الثبات والاستمرار في هذا العالم الجميل عالم الشعر.
 


-الحربُ التي أنهكت كل شيءٍ جميلٍ في هذه البلاد.. لمحت حضوراً متوارياً لها في ديوانك الثالث "على حافة الحلم".. هل نحن كشعراء وكتاب مدينون للحرب، إذ حفزتنا لكتابةٍ، متأثرين بمتواليتها المشتعلة؟ أيهما انتصر على الآخر.. الحرب أم الشعر؟ 
وهل يؤمن الشاعر بالحرب، ويمتدح سدنتها؟ وهي النقيض للشعر، كما أرى!

*وجود الحرب في ديواني الأخير أمر بديهي فقد استولت على كل لحظاتنا في العامين الأخيرين وكانت في كل يوم تترك أثرا لا تعالجه سنوات..
كان لابد من حضور الحرب في كتاباتي ولا بد أيضا أن يكون هذا الحضور مستترا لأن كل معطيات الحرب مجهولة للمراقب الذي يريد أن يكون منصفا! أطراف الحرب تبدو وكأنها تعاقر لعبة لا تريد لها أن تنتهي.. 

 

أما بخصوص أن الكتاب مدينون لها.. فلتذهب كل كتابات العالم إلى الجحيم مقابل سلام يعم الناس.. الأدب - وإن كان ناتجا عن معاناة الحروب - يبقى توق الإنسان للسلام  لا يمكن أن يكون أحدنا مدينا للحرب أو مدينا للمعاناة.. بالعكس الحرب هي المدينة لنا فقد أخذت من أيامنا ومن أعمارنا كل ما هو جميل وتركت مكانه كراهية وألم.. والحرب للأسف انتصرت - حتى الآن - على كل القيم الجميلة .. انتصرت على التعايش والحب وعلى الشعر! 
 

الشاعر الإنسان لا يؤمن بالحرب إلا إن كانت لنصرة قضية كبرى.. الحرب من أجل السلم.. أما الحروب التي تشهدها بلادنا فليس فيها انتصار لقضية أو لوطن بل هي لتحريض فئة ضد فئة ومواطن ضد مواطن وشريحة ضد شريحة وهذه الحرب لا يمكن أن يمتدح سدنتها إلا الشاعر الجاهل ضعيف الرؤية لأنه لا يرى الصورة كاملة ولا يشاهد كيف أصبح حال الوطن كله.

 

 

-في 2011 أسست موقع واحة الأدب اليمني على الشبكة العنكبوتية كما أطلقت مجلة الأدب إلكترونياً.. هل أنت راضٍ عن أداء هاتين النافذتين الثقافيتين؟ ما منجزهما؟

*واحة الأدب اليمني كانت مرحلة من مراحل الحضور الثقافي عبر النت وقد تأسس منتداها في أواخر مرحلة المنتديات.. وجمع في أثيره شعراء رائعون مثل عمار الزريقي ويحيى الحمادي وطارق السكري ويوسف العزعزي وزين الضبيبي وآخرون، وفي مجال الشعر الشعبي والقصة والمقالة أيضا. وقد انتهى مع نهاية حضور المنتديات، إلا أنني أستبقيه لما فيه من روائع أدبية تركتها الأسماء التي مرت عليه.. وكذلك مجلة الأدب اليمني لها موقعٌ يهتم بأخبار وقضايا الأدب رغم أنني غير متفرغ لها وأحتاج أن أخصص لها جزءا من وقتي مستقبلا.

 


- منذ قرابة عام، تصدرون مجلة أقلام عربية، التي تسنّى لي الإطلاع على معظم أعدادها حتى العدد التاسع يوليو 2017.. تشغل موقع مدير التحرير للمجلة التي ترأس تحريرها الأديبة اليمنية سمر الرميمة.
لماذا "أقلام عربية"؟

من يمول هذا الفعل الثقافي الجميل؟ المجلة تصدر في نطاقات توزيع محصورة على شبكة النت في صيغة pdf كيف تعتمدون موادها؟ ومتى نطالع "أقلام عربية" ورقياً؟

*مجلة "أقلام عربية" جاءت في وقت شعرنا أن الجميع بحاجة إليها للخروج من مستنقع الاستقطاب والطائفية والفئوية والتجنيد السياسي للحرف وللكلمة وللفن.. بدأت المجلة بجهود الأستاذة سمر الرميمة ومنتدى أقلام عربية وأعجبتني الفكرة بنبلها ووضوحها وبما لاقته من صدى وقبول طيب من جميع من وصلت إليه وكنت أساعد الأخت سمر بملاحظات ورؤى حول شكل وحجم ومضمون المجلة لتتطور عددا بعد آخر حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن فوجدتُني دون ترتيب مني أحد أعضاء أسرة التحرير.. ولا يزال طموحنا في أن نجعل نشاط أقلام عربية مؤسسيا وثابتا بحيث تتوزع الأدوار ويقل الجهد ويتم توزيع وطباعة المجلة ورقيا.. لكن كل ذلك لن يتم إلا بعد رحيل شبح الحرب.. نحن نقوم بطباعة نسخ من المجلة ورقيا وتوزيعها في نطاق محدود وحتى الآن لا يوجد أي داعم للمجلة فهي تسير بجهود هيئة التحرير.. وقد تلقينا عروضا  لدعم المجلة لكننا نحرص على استقلاليتها وبعدها عن السياسة وعن الجهات التي يمكن أن يكون لها شبهة انتماء سياسي..

 

 

-" الوطن- الحبيبة- شجن يومياتنا" ما نصيبها في قصيدتك؟

*كلها تدور حول بعضها فالوطن هو الحبيبة والحبيبة تصبح وطنا.. ومنهما يتشكل شجن الحياة ونبض الشعر..

 

 

-تعمل خارج الوطن ضمن وظيفة صيدلاني.. هل خدمتك ظروف الإغتراب في بلدٍ كالسعودية، للاهتمام أكثر بالشعر والكتابة؟

*ربما خدمتني الغربة من ناحية الوقت وفرت لي الوحدة أوقاتا طويلة للقراءة والكتابة والتأمل.. فالغربة تعزل الإنسان عن المشاكل والانشغالات العائلية اليومية التي قد تسرق منه وقته وعمره.

 

 

-الوسط الثقافي في اليمن.. هل أفاق من غيبوبته وشلليته؟
 
*لم تعد هناك شللية في الوسط الثقافي اليمني بل تجاوز الأمر ذلك إلى الفردية التي يمكن أن نسميها فوضى.. فأصبح كل شخص يمثل شلة ويرى نفسه مركز الكون ويريد أن تدور حوله الشمس.. وليس دليل على ذلك أكبر من مجموعات الفيسبوك وما يحدث فيها من استجهال للمثقف وجعل من يملك قليلا من المال يصنف الشعراء، يكرم بعضهم ويقصي بعضهم ويجعل من نفسه حاكما لدولة فاشلة أنشأها في خياله فقط.. لكن هناك بريق أمل يلوح في بعض المبادرات كنادي القصة في اليمن الذي يقوم بالعديد من الأنشطة الحقيقية والمنصفة وبجهود بسيطة وبدون إقصاء فجاءت منه مبادرة الوفاء "سأذهب حاملا وردة" التي جعلت شباب أدباء اليمن يجتمعون حاملين الورود لمعلم الأجيال الأكبر وأديب ومفكر اليمن الأعظم د. عبد العزيز المقالح.

 

 

- منصات التواصل الإجتماعي، المتاحة اليوم، ما الذي أضافته لك كمبدع؟
هل أمست ضرورة للتفاعل الإبداعي والإنساني، عموماً؟  وهل من سلبياتٍ لها؟ 

*هي فرضت نفسها على المثقف فاكتسبت الضرورة ولكنها ليست كذلك.. إذ يمكن للأديب أن يعتكف مع يراعه وأوراقه ويقدم للإنسانية أجمل الروائع.. أما سلبياتها فلعل أكثرها فداحة هي أنها فتحت المجال للذين لا يمتلكون الحس الأدبي والكتابي فانزوت الأقلام الحقيقية وراء كوم من الزيف وانكشفت عورة مجتمعنا الذي لا يستطيع غالبيته التمييز بين الذهب والنحاس وبين الحقيقي والزائف وليس أدل على ضعف ذائقة المجتمع من تداول ركيك الأدب عبر هذه الوسائل ونسبته إلى شعراء كبار.. أما ما أضافته للمبدع الحقيقي فللإنصاف نقول أنها فتحت أمام الحرف نوافذ النور والنشر بلا رقابة أو وصاية أو شللية.

 

 

-كيف تتطلع لمستقبل مختار محرم؟

*أتطلع أكثر لمستقبل بناتي ومستقبل الجيل القادم الذي نريد أن يكون أفضل حالا منا.. أما نحن فنحن نصوب نظراتنا أكثر نحو الماضي من أجل تقييم تجاربنا ونقلها إلى أبنائنا ليستفيدوا منها لعلهم يتعلمون من أخطائنا

 

 

-الغربة.. كيف هو مذاقها لدى الشاعر؟!

*الغربة مصطلح مطاطي يحتمل الكثير من الحالات التي يعيشها الإنسان سواء داخل وطنه أو خارجه.. لكن الغربة داخل الوطن أشد قسوة.. والشاعر قد يكون أكثر حظا من الإنسان العادي لأنه يجد في القلم والحرف والسطور أهلا ووطنا ينسى معهم قسوة ما يعانيه.
 

 


-مساحة أخيرة.. لتكن مسك الكلام، حتماً، من شاعرٍ جميلٍ  هو أنت مختار محرم؟

*مازالت الكلمات أثقل من شفاهي
أهذي وألفت في مخاطبتي انتباهي

 

وكأنني فجر تلاحقه الدجى
كالطفل خوف الذئب فر إلى الشياهِ

 

يتلحف الجرح المسافر حيرتي
وألاحق الضحكات في دَغَل الملاهي

 

أرنو إلى الأمس المطارِدِ طرقتي..
هل كنت؟ 
أم أصبحت؟ 
يسألني اشتباهي!

 

شاخت كذاكرتي خطاي ولم أزل
أحيا وأبحث فيَّ عن روح الإله

 

وأفر من ظمأ الكؤوس 
إلى بكاءِ الغيم.. 

 

من عجزي أضمد بعض جاهي
أنا آخر الأسماء في سِفر الهوى

 

أمضي بحسب الريح في كل اتجاه
يا أيها الماضون فوق خرائطي

 

يا أيها الملقون صمتا في شفاهي
لا تحسبوا صمت الشعوبِ قناعةً

 

خلف (السواهي) 
تختفي أدهى (الدواهي).

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24