السبت 27 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
الكتابة وفن العيش - هيثم حسين
الساعة 16:34 (الرأي برس - أدب وثقافة)


فنّ العيش، الذي يسلم بأن العيش يعني جعل الآخرين يعانون، يكمن في تطوير قابلية لممارسة كل الحيل القذرة من دون السماح لها بتعكير سلام عقولنا.
 

هل العيش مهنة أم فنّ؟ إلى أيّ حدّ قد يفسد التفلسف بساطة العيش وطبيعيته؟ هل الكتابة بالنسبة لأصحابها هي عيش؛ فنّ، موازٍ للواقع أم أنّها متعة من متع؛ فنون العيش؟ ألم تفسد الكتابة حيوات كثيرين من الغارقين في بحورها؟ ألم تدفع بهم إلى أقصى التطرّف في الفنّ بتفضيل الفنّ على العيش والتوهّم باستغنائهم عن العيش لصالحه؟ ألا تستقي الفنون مواضيعها من تجارب الحياة نفسها؟

يختلف التعاطي مع مقولة أن تكتب لتعيش، أو تعيش لتكتب، وربّما يحضر في سياق التركيب القول بأن هناك مَن يعيش ليأكل، ومَن يأكل ليعيش، وهنا الكتابة تغذّي الروح وتبقي صاحبها قادراً على الاستمرار. هناك مَن يبالغ بأنّه “عاش ليروي” كحالة الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز في مذكّراته التي اختار لها “عشت لأروي”.. وهناك حالات تناصّ أو تلاصّ أو تحوير متجدّدة لمقولته، ربّما للإيهام بالندّيّة أو الحلم المضمر، أو المعلن عنه.

هناك الإيطالي تشيزاري بافيزي (1908 – 1950) الذي اختار لمذكّراته عنوان “مهنة العيش” وتحدّث عن متع الحياة والكتابة، ثمّ خان رؤاه حين قرّر وضع حدّ لحياته بانتحاره التراجيدي.. تراه يشير إلى أنّ العيش يتألف ببساطة من إضافة زينة متنوعة على الواقع السرمدي. وأن المرء يكتشف أن كل ما يفعله في الحياة تقريباً هو تسلية ولهو.

ويجد أنّ فنّ العيش، الذي يسلم بأن العيش يعني جعل الآخرين يعانون، يكمن في تطوير قابلية لممارسة كل الحيل القذرة من دون السماح لها بتعكير سلام عقولنا. وأنه ربما قدرة طبيعية للمكر هي أفضل موهبة يمكن لأي إنسان أن يمتلكها.

كما يؤكد على أنّ الكتابة شيء جميل، لأنها تضم المتعتين معاً، متعة الحديث مع نفسك ومتعة الحديث مع الناس. ويتساءل إن كان المرء قادراً على الكتابة من دون أي تعديل، من دون تنقيح أو إعادة صقل، هل ستزيد متعته؟ ويلفت إلى أن الجميل هو التهيؤ بكل هدوء لتحسين الذات.

يكون التساؤل عن إمكانية التوفيق بين متع العيش ومتع الكتابة، وما إن كان العيش يفترض التفرّغ أو يفرضه، أو أنّ الوفاء للكتابة يكون بالتفاني في العزلة والإصرار عليها. ألا يمكن أن يستمتع المرء بفنّ العيش وفنّ الكتابة معاً، أن يعيش الحياة كما لو أنّه يكتب بمتعة، وحين يكتب يعيش الكتابة كما لو أنّه كائن فنّيّ..

ربّما من الأجدى لو يعثر المرء على دربه الخاصّ ويوفّق بين معادلتي العيش والكتابة، ويكون وفيّاً لكلتيهما، ويقتنع بأنّ الوفاء لإحداهما لا يعني بالضرورة خيانة للأخرى.. وهنا تكون الحياة نتاج تكامل الفنون؛ فنّ الكتابة والعيش معاً، لا لعبة تفسد عناصرها بعضها بعضاً.


كاتب سوري

منقولة من صحيفة العرب..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24