السبت 18 مايو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
عائدٌ مِن الجَبهة - يحيى الحمادي
الساعة 20:54 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


عادَ بِالحَقلِ يابِسًا في سِلَالِهْ
لا بِتُـفَّــاحِــهِ.. ولا بُـرتُـقَـــالِهْ
عادَ بِالجُوعِ ناضِجًا.. لا بِشَيءٍ
يَدفَعُ البُؤسَ لَيلَـةً عن عِيــالِهْ
فارِغًا عادَ.. حامِــلًا كُـلَّ دَربٍ
كان بِالأَمسِ عابِرًا مِن خِـلَالِه
عابِسَ القَلبِ، شاحِبًا، مِثلَ راعٍ
دَربُـهُ صـارَ شَــوكَةً في نِعـالِه 
دامِيَ العَينِ، دائِخًا.. لا بِكَأسٍ 
بين كَفَّـيهِ.. إِنَّـهُ ضِيــقُ حالِه
يَسأَلُ النَّاسَ: مَن أَنا؟! ثم يَبكِي 
وَحشَةً مِن نُفُــورِهِم، وابتِهالِه
غُربَةٌ عن يَمِينِهِ حين يَرثِي
جَنَّتَيــهِ.. وغُربَةٌ عن شِمالِه
غُربَةٌ تحتَ جِلدِهِ مِن رَمَادٍ 
آدَمِـيٍّ، وغُربَةٌ تحتَ شالِه
غائِبًا عادَ.. عارِيًا كَابنِ آوَى
حافِيًا كَابنِ عَمِّهِ، وابنِ خالِه
وَاسِعًا كالخَيَالِ في رَأسِ أَعمَى
ضَيِّقًا كالفَضَاءِ في صَدرِ وَالِه
لا يُغَنِّــي.. كأَنّهُ بَيتُ مَوتٍ 
زادَهُ اليُتمُ طَعنةً في احتِمالِه
يَدخُلُ الحَــيَّ خائفًا، مُستَريبًا
مِن نَوَايا انتِباهِــهِ وانشِغالِه
يُطلِقُ النَّارَ مِن عَصًا في يَدَيهِ
صَوبَ أَيـدٍ تَحَرَّكَت في خَيَالِه
يُوقِفُ الضَّربَ، هازِئًا بِانفِجارٍ
بين عَينَيهِ.. لم يُطِل في جِدالِه
ضَيّقًا صار وَقتُهُ.. ليس يَكفِي
لِاجتِنابِ الخِصَامِ أَو لِافتِعالِه
ليس بين الكلامِ والصَّمتِ فَرقٌ
عند مَن صارَ مُدمِنًا سُوءَ فالِه
كُلَّما قال -مُقسِمًا- تِلكَ دارِي
قامَ وَهْــمٌ مُكَفِّــرًا عن مَقالِه
كُلَّما طــارَ طــائِرٌ.. ثارَ قَلبٌ 
بين جَنبَيهِ.. باحِثًا عن مَجَالِه
بين يَومٍ ولَيلَةٍ صارَ كَهلًا
ساقِطَ الجَفنِ، طاعِنًا في هُزالِه
كُلُّ ذِكرَى رَصَاصَةٍ فَـرَّ مِنها
تَدخُلُ الآنَ صَدرَهُ مِن سُعالِه
كُلُّ جُوعٍ أَمَـــاتَهُ عــادَ أَقوَى
مِنه صَبرًا، وخِفَّــةً بِاحتِيالِه
كُلُّ خَوفٍ أَزاحَهُ صارَ وَحشًا
طالِعًا منه.. وَاثِبًا مِن مُحالِه
لا يَعِي كيف، أَو متى، أَو لِماذا
أَدخَلَ النَّحسُ رَأسَهُ في حِبالِه
*****
يا رِفاقَ السِّلاحِ.. هل مِن رَفِيقٍ
يَحمِلُ اليَومَ صَخرةً مِن جِبالِه!
لا تَلُومُوهُ إِن يَكُن عادَ يَأسًا
مِن هُداكُم، وخِيفةً مِن ضَلالِه
لا تَلُومُوهُ إِن يَكُن ماتَ جُوعًا
واغتِرابًا، ولم يَمُت في قِتالِه
كم -لِيَرتاحَ- واثِبًا كان، لكن
لم يَكُ المَوتُ رَاغِبًا بِانتِشالِه
هل لِعُودِ الثِّقابِ حَولٌ إِذا لم
يَلقَ كَفًّا تَحُكُّــهُ لِاشتِعالِه!
كان يُلقِي بِنَفسِهِ وهو طاوٍ
لم يُهادِن عَدُوَّكُم أَو يُوَالِه
جاعَ حتى كَأَنّما صارَ جُرحًا
بَطنُـهُ.. وهو صائِمٌ لِاندِمالِه
أَيُّكُم كان عابِئًا حين كان الـ
ـمَوتُ نَصرًا لِجُوعِهِ وانخِذالِه
أَيُّكُم كان عابِئًا وهو يُمسِي
كاظِمًا غَيظَ رَفضِهِ وامتِثالِه
لا تَلُومُوهُ.. إِن يَكُن عادَ طَيفًا
لا يَعِي أَين جِسمُهُ مِن ظِلالِه
مَن يَكُن غيرَ عابِئٍ بِالمُغَــنِّي
فليَكُن غيرَ عابِئٍ بِاعـتِزالِه
*****
ها هو اليَومَ عائدٌ، والشَّظايا
والكَوابِيسُ حَظُّهُ مِن نِضالِه
ذابِلُ الظَّهرِ.. باحِثٌ عن حَياةٍ
لم يَجِدها مُتاحَةً في ارتِحالِه
كان بين الحَياةِ والمَوتِ يَحيا
صار بين ادِّعائِها وانتِحالِه
ما هو المَوتُ؟! إِنّه شَطرُ بيتٍ
لم يُلاقِ استِراحةً لِارتِجــالِه
مِن غُبارِ الظَّلامِ في كُلِّ شِبرٍ
منه جَيشٌ مُرابِطٌ لاحتِلالِه
يَنكُشُ الأَرضَ، قائِلًا: يا بلادي
طالَ شوقي، فـ "كيف كُلِّنْ وحالِه"؟
ما أَنا غيرُ لائِـذٍ مُستَجِيرٍ
لا تَكُوني وِشَايَةً لِاعتِقالِه
كنتُ أَرجُو شَهادَةً فيكِ، لكن
كان حَظِّي مُعانِدًا بِاحوِلالِه
يا بلادي الحُرُوبُ لم تُبقِ مني
غيرَ ضِيقِ البَريءِ في "بيتِ خالِه"
يا بِلادِي تَعِبتُ مِن أَكلِ قَلبِي
جائِعًا، وهْو مُتعَبٌ مِن غِلالِه
نازِحاتٌ مَواسِمي عنه.. لكن
هل لِـ(غَيمانَ) مَهرَبٌ مِن (أَزَالِه)!
يا بِلادي أَنا الذي مِنكِ، لا مَن
زاغَ بين انقِلابِهِ وانفِصالِه
إِنَّ هذا التُّرابَ رُوحٌ بِجِسمي
كيف أَدرِي جَنوبَه مِن شَمالِه!
هذه بُندُقيّتي.. فاكسِرِيها
وافتَحِي البابَ وَاسِعًا كانقِفالِه
طَوِّلِي البَالَ إِن أَرَدتِ انتِقامًا
إِنَّ سِرَّ القَوِيِّ في طُولِ بالِه
واسمعِينِي.. فقد مَضَى أَلفُ عامٍ
مِن أَسَانا، ولم نُجِب عن سُؤالِه
إِنَّ شَعبًا يَموتُ مِن أجلِ فردٍ
لَهْـوَ شَعبٌ بَقاؤُهُ مِن زَوَالِه
إِنَّ كُلَّ انتفاضةٍ لا تُداوِي
جُرحَ شَعبٍ.. كَفِيلةٌ بِاغتِياله
أَخسَرُ الخاسِرِينَ في الحَربِ ناجٍ
عادَ مِنها ورَأسُهُ رَأسُ مالِه

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24