الأحد 05 مايو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
شيخ الحبشي ورحلته إلى الشام وإسطنبول ومصر - أ.د. مسعود عمشوش
الساعة 20:55 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


ثانيا: مخطوطات الرحلة
 

لا شك أن شيخ الحبشي، أثناء إقامته الطويلة في جنوب شرق آسيا وممارسته للتجارة هناك، قد اطلع على بعض العادات الغربية المرتبطة بالسياحة وتحويل الأموال. ومن المؤكد أنه قد تأثر بعدد من العرب والمسلمين الذين، في مطلع القرن العشرين، ولاسيما بعد افتتاح خط السكة الحديدية الرابط بين الحجاز وإسطنبول عاصمة الخلافة العثمانية، حرصوا على زيارة الأستانة، وبلاد الشام ومصر، التي كانت لا تزال تقع في إطار الدولة العثمانية. وحرص شيخ الحبشي كذلك على أن تكون الديار المقدسة -مكة والمدينة- نقطة الانطلاق والعودة لتلك الرحلة التي بدأها في مكة في الثالث من شهر صفر سنة 1328هـ (14 فبراير 1910).
 

ونلاحظ أن شيخ الحبشي، الذي لم يكتب شيئا عن بيئة مهجره الجاوي الذي عاش فيه أكثر من عشرين سنة، باستثناء قليل من المعلومات عن أسرته وتجارته التي ضمنها مراسلاته مع أخيه علي، قرر أن يوثق تلك الرحلة ويدونها، ويطلع عليها عددا من أقاربه وأصدقائه. وقد ذكر في الرسائل التي بعثها لأخيه علي من الشام ومصر وإسطنبول أنه بصدد تحرير سرد للرحلة التي يقوم بها؛ وذكر ذلك الحبيب علي محمد الحبشي في رده الذي كتبه له في آخر يوم من شهر شوال من سنة 1328، قائلا: "وقد وردت عليّ كتبك يا أخي من الشام والأستانة ومصر، وفيها من شرح أخبارك، وما يقضي بانشراح بالك في أطوارك... وكنت أحسبك تطيل الأخبار، في شرح من لقيت من الأخيار، في تلك الأسفار، فاقتصرت من الشرح على القليل، والظمآن يزيد بقليل الشرب ظمأ، لا سيما في زمان غاب عل أهله العمى، لكن الله يكرمنا بالتلاقي عن قريب، فنستملئ أخبارك في زمن رحيب. وقد ذكرت في كتبك أنك حررت رحلة، وفيها شرحت من لاقيت وما لاقيت، وما سمعت وما رأيت، وفي كل وقت نترقب وصولها إلينا، فتدخل أخبارها أنواع المسرة علينا". (المكاتبات، ج2، ص128)
 وفي رسالة بعثها الحبيب علي لمحبه الصديق سالم بن عبدالرحمن باسويدان بتاريخ 27 جمادي الآخر 1329هـ،  يذكر أنه استلم مقدمة نص الرحلة، ويكتب: "وأخي شيخ بن محمد الحبشي وردت منه كتب من جهة جاوا، شرح فيها أسفاره وأطواره وأوطاره، وثقته إن شاء الله تعالى بالله قوية، يبلغ بها أمله عن قريب، ويعود إلينا سالما من الزمان وفتنه، وهو لي يا محبي، نعم الأنيس والسلوة في زماني، وقد كدّر عليّ سفره غاية التكدير، ولكن الرجاء في الله أن يعيده، ويبلغه من خير الدارين ما يريده. وقد أرسل إلينا هذه الأيام مقدمة رحلته المسماة (الشاهد المقبول بالرحلة إلى مصر والشام وإسطنبول)، فتصفحناه فإذا هي سلوة للناظرين، وسرور للمستمعين، شرح فيها مما شاهده فيما لاقاه، أشياء تقوي الإيمان بالله، وأخوكم المبارك عوض سمع غالبها، وألزمناه أن يخبركم بذلك". (الشاهد المقبول، ص5).
ومع ذلك من الواضح أن نص الرسالة الذي يقع في أقل 150 صفحة مخطوطة لم ينتشر كثيرا خلال حياة المؤلف؛ فعبد الله محمد السقاف، مؤلف كتاب (تاريخ الشعراء الحضرميين، 1349)، لم يشر أبدا إلى نص الرحلة في الترجمة التي كتبها لشيخ الحبشي على الرغم من أنه ذكر بعض مؤلفاته النثرية الأخرى. كما أن شيخا الذي تولى طباعة أربعة كتب بينها (سمط الدرر) لأخيه علي، لم يبادر إلى طباعة نص رحلته. ومع ذلك، يبدو أن نص الرحلة كان متوفرا مخطوطا لدى بعض أبناء المؤلف. ففي سنة 1989 ذكر المحقق عبد الله محمد الحبشي، عند تقديمه لرحلة (الشاهد المقبول بالرحلة إلى مصر والشام وإسطنبول، ص247) أن علوي بن شيخ الحبشي قد أهداه نسخة خطية منها (وليس صورة). وذكر الدكتور محمد أبوبكر باذيب في تقديمه للنص الذي أصدره دار الفتح للرحلة سنة 2014، أنه قد اعتمد في تحقيقه للرحلة على المخطوط الوحيد للرحلة الذي سلمه إياه حسين بن شيخ الحبشي. وقد ضمن الدكتور محمد باذيب الكتاب، الذي يقع في 431 صفحة، عددا كبيرا من الصور والهوامش والفهارس، وبعض مكاتبات المؤلف. وقام أيضا بوضع عناوين فرعية وتحت فرعية للنص تبين محتوى الفقرات والصفحات، وأعطى المقابل الميلادي للتاريخ الهجري. كما حرص المحقق على تذييل نص الرحلة بنص (فاتحة) رتبها إلى روح المؤلف عبد القادر بن أحمد السقاف بعد أن قرأها عليه ابنه علوي بن شيخ الحبشي في مجلسه بجدة في مطلع ثمانينيات القرن الهجري الماضي.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24