الجمعة 17 مايو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
ظلال داكنة - صالح بحرق
الساعة 11:12 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


خطا السيد نعيم إلى متجره في يوم من ايام آذار، بعد أن تشاجر مع زوجته زهرة، بعد ثلاثين عاما على الارتباط.
لم يندم، لأنها وبخته، ولكنه تأثر من كلمة واحدة فقط اشعلت لحظات حياته.
يالغرابة الايام، أخذ يقول ذلك، وهو يستعد ليفتح ابواب متجره الأربعة،ويمسح جبهته وارنبة انفه،ويعدل من كوفيته التي تغطي حاجبيه  الغليظين ويتمتم: يافتاح ياكريم.
كان السيد نعيم قد ارتبط بعقد زواج شرعي بالسيدة زهرة بعد قصة حب عنيفة، وتعاهدا على البقاء معا مدى الحياة،ولكن، من كان يتوقع أن يحدث كل ذلك هذا اليوم.؟
 مكث السيد نعيم تلك الليلة داخل متجره  صامتا، يداري دموع الغضب، ويتذكر لياليه الماضية، التي مرت في حب ووئام، وأخذ يكرر تلك الكلمة التي قالتها زهرة بعد ذلك الشجار الذي دار بينهما، ولا يسمح لأحد برؤيته وهو على هذه الحالة   ، مقلبا ناظريه في زوايا المتجر، ويتساءل: كيف حدث هذا.؟كيف حدث هذا؟
كان يجلس مقابل أصناف من السجاد الفاخر، والتحف الصيني، ويراقب الشارع، ويطرد خيال زوجته زهرة كلما داهمته في خلوته، وهي ترميه  بتلك الكلمة البشعة . و لذلك لم يستطع البقاء في المتجر بمفرده، فهو غير مصدق ماجرى هذا اليوم إطلاقا. ومع انتشار الظلام
 اخذ سمته وسلك شارع المدينة الرئيس لايلوي على شيء، وكان أصحاب المحال يرونه يمشي وحيدا ،ويظنون  أن أمرا ما قد حزبه ، لكن واحدا منهم لم يكلف نفسه أن يسأله بل اكتفوا برد التحية منه.
كان الليل يمضي سريعا جدا، و كان هناك ليل آخر  قد خيم داخله، ليل يفترسه من جميع الجهات، ويخاطبه بكافة لغات الحزن.
وعلى الرصيف الجانبي جلس ساهما، يردد في سره هذه المقولة: الاطفال ليسوا كل شيء في المنزل.. فقد يستطيع الانسان تحقيق السعادة بدونهم. ولكن ماذا عساي أن افعل..؟
 كان نعيم يردد هذه العبارة مرارا وتكرارا، 
 وهو جالس على الرصيف وقد تعامد في داخله الحزن وبدا له خيال السيدة زهرة موحشا ،   والوصول إليها صعبا للغاية ، ومحادثتها ومفاتحتها في الأمر عسيرا جدا.
 وبدا له أن يهيم على وجهه، بدلا من أن يدخل منزله ويجدها وسط الباحة، بقامتها الفارعة الشنيعة، ولكن ماذا عساه أن يقول لها، فكل قواميس اللغة، هكذا كان يردد، لاتصف مافعلته.
 وبدأ يحس بحنين إلى الماضي، وشوق إلى الامس، وألقى نظرة إلى هندامه، وهو في الطريق، والى كوفيته الكبيرة التي تحتل جل رأسه، والى نعليه، وجيبه المسجون داخله كرتون السجائر، والى مسبحته المصنوعة من العقيق،
ليبدو شخصا ارهقته السنون، وألقت بعباءة الحزن عليه، حتى اقترب من منزله، ورفع المزلاج النحاسي، ولكنه لم يستطع أن يقرع الباب، الا قليلا، ليسمع صوتا يناديه : لاتدخل..فينكفىء وجهه على الباب!

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24