الاثنين 29 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
أوهام - سامي الأكوع
الساعة 16:07 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


قبل بضعة أيام كنت قلقا بشكل مخيف وأنا أمشي في أحد شوارع هذه المدينة القاحلة. كنت مرتديا جاكتا ذا قبعة وشالا مربوطا على عنقي رغم أنا لسنا في فصل الشتاء؛ ولكني كنت أشعر ببرد وانهيار نفسي وعصبي ورغبة في البكاء أو النوم أو الموت.. حتى أني فكرت في الاتصال بصديق ليدلني على حبوب تدخلني في غيبوبة نوم لا أخرج منها إلا بعد يومين.
لا أذكر أني مررت بحالة شبيهة بهذه منذ جئت لهذه الدنيا، فقد كنت دائما حتى في حالات حزني وكآبتي القاتلة أعرف ما أريد بالضبط؛ لكني في هذه المرحلة غائم الرؤية بحيث لا أعي ما أريد ولا ما هي الخطوة القادمة التي علي فعلها، ولا من هم الأشخاص الذين أحبهم والذين أكرههم.. فقد أصبح كل شيء غير واضح في عيني..
تذكرت ما قاله لي قبل فترة صديق قريب لي جدا ويفهمني كثيرا رغم أنه يكبرني بعشر سنوات: "أنا خائف عليك يا سامي.. أنت شخص ذكي وتفكر في كل شيء وحساس بشكل مرضي؛ حاول أن تكون أقل مبالاة بما يحدث لكي تعيش".. أتفهم قول صديقي ولكني لا أدري كيف علي أن أفعل ذلك؛ فهذه الغابة التي يسمونها وطن تأبى عليك أن تنغمس في هدف محدد تنسى من خلاله غوغائية الحياة وعدميتها، لتظل عمرك كله باحثا عن كل شيء وخائفا من كل شيء.
مرت علي أفكار كثيرة وأنا في الشارع ويداي في جيبي بنطلوني، ونظرت إلى السماء بحسرة ثم تذكرت مقطعا من قصيدة بدأتها ثم تركتها مللا قبل أن تكتمل:
قد يسأل الرحمنُ عنكَ..
ولا يراك
وأنت خلف الباب مسحوقٌ
ومقطوع الذراع
قد لا ترى شيئا..
وأنت ترى الحقيقة ذاتها
وتراه مُتكئاً على النص الهلاميِّ المُقدسِ..
ساهماً في كل شيء..
ما عداكْ
وأنا أردد هذه الكلمات رن جوالي فجأة، ولا أذكر من كان المتصل.. ربما هي أمي أو أحد أصدقائي أو حبيبة قديمة أو ملاك طيب أو شيطان جميل.. تكلمت في الجوال عشر دقائق تقريبا، وبعد أن أغلقت الاتصال رحت أتساءل: هل اتصل علي أحدهم حقا؟ أم أني توهمت ذلك فقط؟
هناك شيء مرعب وموجع، فأنا أفقد تركيزي يوما بعد يوم.. وأدخل في عوالم جديدة من اللاجدوى والعدمية.. فبالأمس بالتحديد وقفت أمام مكتبتي الورقية وراودني شعور بأن أصبح كتابا مقطوع الغلاف مهملا في أحد أدراجها، واليوم حين دخلت المطبخ وأمي تطهو الطعام اشتهيت أن أكون مجرد بطاطة مقلية متشبعة بالزيت تسقط في أرضية المطبخ لتكنسها أمي ويرميها أبي وهو خارج من البيت في الزبالة.
أعتقد أن أمر كوني كتابا مهملا أو بطاطة مقلية شيء مثير للدهشة..
ولكن لماذا اخترت هذين الشكلين لأتحول لهما؟.. ألأن الكتب والبطاطة المقلية أكثر ما أحب في هذا العالم؟!
لا أدري.. فأنا لم أعد أثق في قدرتي على تحديد ما أحب وما أكره، ولا أعي جيدا ما حصل لي وما يحصل.. وحتى حدث قلقي في الشارع وانهياري وخوفي لست واثقا من حدوثه بالضبط، فربما يكون مجرد توهم لشيء سيحدث أو حدث مع آخر غيري، ففكرة الأنا عندي لم تعد واضحة الملامح لأفرق بين ما حدث لي وما حدث للآخرين.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24