السبت 20 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
مروان الغفوري
شيخان في حضرة الأمير الصغير.
الساعة 21:21
مروان الغفوري

يوم الجمعة الماضية، العاشر من نوڤمبر، التقى أكبر رجلين في حزب الإصلاح بولي العهد السعودي. لا توجد معلومات منشورة، ومؤكدة، عن ما دار في اللقاء. بالنسبة لليدومي، رئيس الحزب، فقد كان اللقاء مثمراً، وفقاً لصحيفة الحزب. وكالة الأنباء السعودية، في صورة شديدة التعبير عن فوضى السياسة السعودية، نشرت الخبر عبر صفحتها على تويتر ثم قامت بحذفه.

تصنف السعودية حركة الإخوان المسلمين كحركة إرهابية. وهي الحركة التي شكلت، في النصف الثاني من القرن العشرين، العمود الفقري للنظام التعليمي والكشفي والإعلامي السعودي. فمجتمع السعودية المعاصر هو المجتمع الذي شكل وعيه كبار فلاسفة الحركة الإسلامية الذين فروا من مصر ودول أخرى: سيد سابق، الغزالي، محمد قطب، عبد الله عزام، سعيد حوى، وكثيرون غيرهم. إلى ما قبل اقتحام العراق للكويت كانت "الصحوة الإسلامية" هي الكلمة الأكثر رواجاً في السعودية، وهو التعبير الذي كان يشير على الدوام إلى أجيال الإخوان المسلمين في السعودية.

خلال فترة هيمنة حركة الإخوان على النظام التعليمي في العربية السعودية استطاعت الحركة الزج برؤيتها الإيديولوجية داخل النظام المعرفي والثقافي السعودي وتلقيح السلفية الوهابية. صارت مواد "الثقافة الإسلامية"، التي تدرس في الجامعات، الطريق إلى الأجيال الجديدة، وصار على الطالب الجامعي أن يسترجع عن ظهر قلب الرؤية الإخوانية بوصفها الموقف الأخير للاسلام.

مع حلول عقد الثمانينات كانت رؤية الإخوان المسلمين للعالم والصراع والفن قد أصبحت هي الموقف الإسلامي الشعبوي في السعودية. تنبه الألباني للأمر، ومن مقر إقامته في الأردن استطاع أن يخلق معادلاً معرفياً داخل الأراضي السعودية، سلفية الحديث، كما يلاحظ الباحث الفرنسي لاكروا. نجح الألباني في سحق نصيب كبير من السمعة الجيدة لقادة الصحوة الإسلامية من خلال إظهارهم جهلة حيناً، ومبتدعين حيناً آخر. كان علم الحديث وسيلته إلى ذلك، وكان قطب وسيد سابق أول ضحاياه.

في العام ١٩٩٠ اكتشف النظام السعودي الفراغ الكبير الذي يستند إليه، وأن الصحوة الإسلامية ليست هي سلفية "محمد بن إبراهيم" التي منحت ظهرها بالكامل للملك فيصل. فقد وجد النظام السعودي نفسه أمام طبقة دينية ذات رؤية سياسية، وهي ترفض مواقفه من تلك الحرب، بما في ذلك دعوته للقوات الأميركية للمساهمة في هزيمة النظام العراقي. في الفجوة التي نشأت بين النظام والصحوة الإسلامية توغلت جماعة الحديث الألبانية وقدمت نفسها كصديق جديد للنظام يمنح ولاءه بلا شروط. في الزمن الذي تلا حرب الخليج الثانية سحب النظام السعودي الامتيازات الممنوحة للإخوان، وأفسح المجال للسلفية الجديدة للبطش بهم بكل الوسائل، بما في ذلك طردهم من الجامعات والمؤسسات التعليمية والثقافية. لم يصبح الإخوان المسلمون، إلى ما قبل وقت قصير، إرهابيين في التقدير السعودي، بل شيئاً آخر أشبه بالمتمردين، أو ناكري المعروف.

بقي طموح الإخوان المسلمين، كما دوماً، متمثلاً في استعادة رضا النظام السعودي ورخاء تلك الأيام السالفة. لكن النظام، الذي كان في مسيس الحاجة إليهم في حربه ضد نظام عبد الناصر، لم يعد يعتقد أنهم بالأهمية ذاتها الآن. فتحت ضغط موجات "صوت العرب"، التي هاجمت النظام السعودي بضراوة، أسس الملك فيصل إذاعة صوت الإسلام، وكان الإخوان المبعدون من مصر هم الأجدر بإدارة ذلك المشروع ومواجهة إعلاميي بلدهم، ونظام بلدهم. إذ لم تكن السلفية الوهابية قادرة في ذلك الحين على ما هو أكثر من تطويع المجتمع المحلي. وعلى أكثر من صعيد عمل الإخوان المسلمون في السعودية بجهد كافأ جهد الأزهر، بعد أن حوله عبد الناصر إلى آلة في خدمة نظامه عبر ما سمي بإصلاح الأزهر ١٩٦٣.

بقي الإخوان المسلمون معسكر احتياط، في التقدير السعودي. وهو يعلم أنه قادر على استعادتهم متى ما شاء، فالرضا السعودي هو واحدة من الغايات الأرضية التي تشغل بال الإخوان. ومن أجل أن يقول الرئيس مرسي للسعوديين إن بإمكانهم الحصول عليه كصديق فقد ملأ كلمة ألقاها في طهران بالإشارات الطائفية، وبلا سبب راح يستدعي الخليفتين: أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب. لكن السعودية، وقد استلمت تلك الرسالة، فإن خياراتها لم تكن واسعة. فالحصول على الصداقة الكاملة للإمارات العربية مرهون بالقطيعة الشاملة مع الإخوان. في مسألة الإخوان المسلمين لا تقبل الإمارات أنصاف الحلول، ويبدو أن أسباباً اقتصادية تقف خلف ذلك، أعني فيما يتعلق بصراعها على النفوذ والموانئ وأسواق المال مع جارتها قطر. وبطريقة ما فقد نظرت الإمارات إلى جماعة الإخوان المسلمين كما لو أنها جالية قطرية جوالة، وهو ما ذهبت إليه السعودية مؤخراً.

الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون على السعودية وقطع المسافات البعيدة حتى وصل إلى الرياض حلحل قواعد اللعب، وأعادها إلى المنتصف بعد أن كانت نهائية. فالسعودية التي خاضت حرب اليمن إلى جوار حزب الإصلاح، وهو نسخة معدلة ومحسنة من الإخوان المسلمين، كرفاق سلاح اكتشفت على نحو متأخر أن ذلك لا يكفي، وأنها بحاجة إلى أصدقاء لا زملاء. الإصلاح، وذلك ما تعرفه السعودية، لم يعد معنياً بأكثر من المسائل التقنية والآلية لبلده الذي مزقته الحروب. وهو الحال الذي لم تكن عليه جماعة الإخوان في مصر. فبينما كانت مصر تغرق في الفوضى كان المرشد، في خطاب رسمي، يبشر المسلمين باقتراب الوعد الإلهي بأستاذية العالم.

مطلع تسعينات القرن الماضي اكتشف النظام السعودي جذور الرفض لدى حركة الصحوة، النسخة السعودية من الإخوان. وبالطبع فإن الرفض يعود في الأساس إلى كونها حركة تملك رؤية أممية. غير أن الأوهام الأممية في طريقها إلى الاضمحلال مقابل انتعاش الأحلام القومية، بحيث تبدو الحركة في نهاية المطاف شبيهة برابطة مشجعين عالميين.

خرجت صورة وحيدة من لقاء بن سلمان مع أكبر رجلين في حزب الإصلاح، وكان دخان الصاروخ ومتغيرات أخرى يحيط بالصورة. أمكن رؤية ثلاث ابتسامات في الوقت نفسه وشيئاً من الرضا في الوجوه. تحتاج السعودية، أخيراً، للذين احتاجتهم قبل نصف قرن من الآن، ولكن ليس في بلدها وليس في كل مكان، كما ليس في كل الأوقات. تدرك أجهزتها الأمنية أن الإصلاح اليمني هو، في الأساس، صناعة سعودية، ويمكن إعادة ضبطها بجهد أقل. فبعد عودة قدامى الإسلاميين اليمنيين من السعودية تأسست صحيفة الصحوة، صحيفة الحزب، تيمناً بمسمى الصحوة السعودية. وليست مصادفة أن يكون صاحب امتياز الصحيفة، خلال ثلث قرن من الزمن، هو اليدومي الذي يجلس بمقابلة بن سلمان. في المشهد اليمني تحتاج السعودية لحليف كبير وعلى قدر من الثبات على المدى المتوسط وطويل المدى. وربما تكون قد اكتشفت حزب الإصلاح، أخيراً. يوفر الإصلاح الشروط السعودية، بالنظر إلى احتياجات الصراع الذي تتوغل فيه يمنة ويسرة. كما يحتاج الإصلاح للرضا السعودي أقله حتى يصرف عن نفسه دعاوى الإرهاب، وأن يذب عن طريقه بأس الإمارات. وإذا أصبح الإصلاح، مع الأيام، صديقاً حميماً للسعودية فإن جزءاً كبيراً من السياسة اليمنية سيجري ترحيله إلى الدولة الجارة. وقد يدخل اليمن في متتاليات أزمة لا أسوأ منها سوى أن تصنف السعودية الإصلاح عدواً.

يقيم قادة حزب الإصلاح منذ ثلاثة أعوام في السعودية، ولم يقابلوا حتى الآن سوى ضباط المخابرات السعوديين. كعادة السعودية فإن كلمة "حزب" هي مرادف لمعنى أن تكون الجماعة البشرية خطراً "أمنياً". الآن، وقد التقى الإصلاح بولي العهد، فإن وسائل الإعلام الخليجية التي دأبت على وسمهم بالإرهاب ستتمهل مستقبلاً. مؤخراً قال بن سلمان إنه لن ينتظر ثلاثين عاماً، بل سيقضي على النسخة الإرهابية من الدين "الآن". ووعد، أكثر من مرة، بإنعاش الإسلام المعتدل. ضمن هذا الوعد، هكذا يمكن القول، يأتي لقاؤه بقيادات حزب الإصلاح، أو أنها زلة عاجلة لم يتنبه لها الأمير، وقد تكلفه الكثير عندما تهب الرياح السعودية من جهة أخرى، كما هي سنتها.

تبدو أزمة الحزب، عملياً، في كونه يقع تحت إدارة رجل ينتمي إلى ستينات القرن الماضي. جلس الرجل العتيق أمام شاب هو على الدوام "في عجلة من أمره"، بحسب وصف توماس فريدمان. إذا تحدث الرجلان لبرهة من الوقت فإن صداقتهما الجنينية ستنهار في الحال. ففي حين يكرر اليدومي القول إن إيران تستخدم المذهب الإثنا عشري، فإن بن سلمان لا يرى في إيران خطراً أكثر من الصواريخ. وفي اليمن يحتاج بن سلمان إلى نصر وحيد في المعركة الرابعة التي توشك على الخروج من يده، وهو يلتمسه في كل مكان، وبكل الوسائل.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24