الثلاثاء 19 مارس 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
أحمد طارش خرصان
الفنان النبيل
الساعة 22:05
أحمد طارش خرصان

عاش رفقة الأوتار والألحان المنسابة من أنامله كشلالات المشنة حين تداعب تأملات العشاق وتطارح عيونهم الغرام واللوعة والوله ...

يحتضن عوده مثل أمٍ تحتضن وليدها الوحيد ، ويمخر عباب الطرب على قارب العشق ، تاركاً على صفحة الموج صوته الشجي وقلبه المكتمل ، مثل بوصلة لا تعرف غير الصوت وجهةً واتجاهاً .
لا يحبذ المألوف والرتيب ...

حدَّق في الهناك بتأمل صوفي ولهفة عاشقٍ ، صادته عيون الفاتنات ، وصعدت به معاريج التتيم والوله و سماواتُ التفرد ، ليكون الصوفي المتوحد بالنغم واللحن والقصيدة .

لم يكن إبن الصدفة ولا نتاج ضربة حظٍ ، إذْ لا يمكن للصدفة وضربات الحظ الجيدة أن تصنع كوكتيلاً من الجمال والعذوبة .

تلقفه النغم وبين أحضان الفن بدأ رحلته في الدرب الذي وضعه في عالم الكبار .

لا هوية له سوى الفن ذاكرته الخضراء معشوشبة بالشجي من الألحان ، وروحه الشفافة أشبة بمروج مزدانة بعوالم الشجن والحب ، تتقطر من عيونه أنهار البساطة وتسبح في فضاءاته حمامات الأمل ، وعلى مرافئه ترسو سفن الطرب الأصيل ، وفي تعاريج شغفه تتجول إب كفاتنة لم يغادرها الغنج والدلال .

هو واحد من أبناء هذا الزمن المسرف في قلة الأصل ونكران الجميل ، وأحد الذين منحوا الوطن عامة و إب خاصة كل شيء ، ولم يحدث أن سمع صدى لكل ما فعله وبذله ، إلّا فيما ندَرَ من تحايا العابرين حين تلامس قبساً من سماواته المتخمات بالجمال ومحبة الناس ، والقليل من عبارات الثناء المجانية النظيفة وهي تغادر قلباًً عشق تراتيل الفنان المتوحد بالجمال ، وهي تتدفق رقراقة كساقية صيف لترسم على ضفاف ودياننا الخضراء لوحة بالغة الفرادة والحضور، وبملامح إبِّيَّةٍ خالصةٍ وأصيلةٍ ، تفصح معالمها عن الواقف هناك - كنبيذٍ معتق - بآلة العود وريشته الآسرة لكل ما هو جميل ونفيس في عالم الفن والصوت والغناء الفنان العظيم نبيل علوي ، أحد سدنة الفن في مدينة عشقت اللحن والصوت والتهكم والسخرية والطرافة .

بين الفنان نبيل علوي وبين المدينة ثمة ما يمكن أن يكون بذرةً للخلود الأبدي ، ونواةَ حكايات ومرويات ، تدرك إب كيف ترويها لأجيالها القادمين ، وبما يمنحهم صورة مكتملة عن الفنان نبيل علوي ، وهو يسند أوتاره على جدران الواقع الهش والممزق والسيء .

لم ينل الفنان نبيل علوي ما يستحق ، ولم يعهد عنه أن اشتكى هذا الإجحاف المتعمد ، ولا أظنه سيكون سعيداً وأنا أحاول إيقاظ إب من سباتها القسري ، وبيقين من سيجد صدىً لمَا أحاول إيصاله إلى مسامعها ، هامساً ( إنه نبيل علوي أيتها المدينة المسكونة بالغناء والمحبة ). 

أتذكر لقائي الأخير به والذي احتضنه مقيل شيخ إب الأكبر الشيخ عبدالعزيز الحبيشي في أيامه الأخيرة ، ربما كانت الوداع الأخير الذي يليق برجل مثله وهو يترك بين يدي إب جوهرة الغناء وألماسة اللحن الفنان نبيل علوي .

في آخر نهارات إب المزدانة بنفس الشيخ عبدالعزيز وطرافته اللذيذة ، نادى الشيخ على أحدهم قائلاً : استعجلوا نبيل وقولوا له يسرع ليجيبه أحدهم نبيل بالطريق ياشيخ هكذا كان يناديه الجميع دون ألقابٍ ، إذ يدرك الفنان نبيل علوي أن رفع الكلفة بينه وبين المدينة ، لم يكن إلّا نتاجاً لحالة الحميمية التي حكمت العلاقة بين الفنان نبيل علوي ومدينته التي عشقها حتى الثمالة. 

دخل نبيل علوي مقيل الشيخ ليبادره الشيخ الأكبر عبدالعزيز الحبيشي قائلاً : لو تأخرت
كنت ع جي عندك وأشل العود وأغني لك أنا....

يستحق نبيل علوي الفنان وضابط النغم الأصيل لحظة تقدير وتكريم مستحقة ، كنت أعول على رجال المال والأعمال القيام بتلك اللفتة الكريمة ، ومنح الفنان نبيل علوي ما يستحقه من الرعاية والإهتمام ، ولعلني اليوم أكثر أملاً في تبني السلطة المحلية ورجال المال والأعمال والمهتمين بالشأن الفني وعشاق الفنان نبيل علوي ، لتلك اللفتة المستحقة من خلال مهرجان تكريم يليق بإب أولاً وبالفنان النبيل نظير ما قدمه في مجال الفن عامة ، ومنح المذكور وسام الفنون من الدرجة الأولي ، وتتويج ذلك بمنحه التقدير الإداري اللائق كحق معنوي ، يمكنه من تجاوز ما تعرض له من نسبان متعمد وخذلان موجه. 

كرموا إب ولو لمرة واحدة وتذكروا إب حيث ستصفق بيدين من فرح في معرجان 
صوتها المشرع على الخلود الفنان نبيل علوي

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24