الثلاثاء 23 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
مصطفى النعمان: الحل بإقليمين شمالي وجنوبي
الساعة 20:31 (الرأي برس - عربي )

يرى السياسي والدبلوماسي اليمني، مصطفى النعمان، أن اليمن تعيش فراغاً سياسياً بسبب تخلي الأحزاب عن دورها، وحيرة النخب، وانغماس "الشرعية" في الفساد المالي والإداري، وإصرار "أنصار الله" (الحوثيين) على اقتسام السلطة بعيداً عن الديمقراطية. في حوار له، يشخص النعمان الوضع في الداخل اليمني وتداعياته على مستوى الإقليم والعالم، ويطرح تصوره للحل في هذا البلد.


إلى أين يقودنا الصراع على الساحة اليمنية؟
فتح الصراع المسلح أبواباً مشرعة لمعارك مستقبلية طويلة المدى علـى امتداد اليمن، وأدخل البلاد في دهاليز من الصراعات المناطقية والمذهبية، وأحدث شروخاً أفقية ورأسية في المجتمع ستحتاج اليمن بعدها إلى عقود طويلة قبل أن تسترد عافيتها، وقبل أن تجد قيادات لا تبحث عن السلطة لمباهجها، ولكن لتحقيق برامج وطنية لتهدئة النفوس واستعادة السلم الإجتماعي والبناء الوطني.


هل سيتغلب الحسم العسكري أم الحل السياسي؟
الطرفان يتصوران أن الحل السياسي يأتي من بوابة الحسم العسكري، ومن المحزن أنهما لا يقيمان وزناً للخسائر البشرية والدمار النفسي والمادي وارتفاع منسوب الأحقاد والكراهية على كافة المستويات. وإذا أضفنا إلى هذا العجز الإقليمي والدولي في إجبار الطرفين على وقف هذه الحرب العبثية، فإن الواقع سيقودنا إلى استنتاج أن الإنتصارات التي قد يحققها هذا الطرف أو ذاك لن تكون إلا مقدمة لحروب داخلية صغيرة، لأن الإنقسام المجتمعي طال الأسرة والقبيلة والقرية والمدينة.


لماذا تخلت الأحزاب عن دورها السياسي وأفرغت الساحة للمليشيات؟
الأحزاب السياسية في أغلبها ليست أكثر من صحيفة تذكرني بصحف الحائط المدرسية، بل إن بعضها قد تم اختزاله إلى موقع على الإنترنت وعدد من المؤيدين الذين يملأون الفضاء الإلكتروني ضجيجاً يفوق حجمهم الحقيقي. أما الأحزاب الحقيقية فقد تقلص دورها الشعبي والتنظيمي عدا حزب "الإصلاح" بحكم نشأته المنضبطة، وهذا الفراغ أتاح للعديد من القوى أن تنفرد بالساحة عبر فوهات السلاح وترهيب الناس من ناحية، أو استغلال نقمتهم وغضبهم وحنقهم على الجميع سلطة وأحزاباً معارضة. اليمن اليوم يعيش فراغاً سياسياً لن يستطيع ملأه مرة أخرى إلا الأحزاب التي تتخذ من الدين والمذهب قاعدة فكرية لتوجهاتها. 


أين دور النخب اليمنية؟ ولماذا فضل الكثير منها الصمت؟
في الحروب تقف النخب في حيرة من أمرها؛ فمن الصعب عليها تأييد الحرب أياً كانت مبرراتها، وهذا أمر له جذر فلسفي في أن طرفي الحرب الأهلية اليمنية لا يمتلكان مشروعاً مقنعاً إلا لأنصارهما المستفيدين من استمرارها، أما الأغلبية الساحقة فلا ترى فيهما بديلاً مقنعاً حتى تتخذ موقفاً مسانداً لهذا الطرف أو ذاك. هناك أيضاً تفسير طبيعي، وهو أن انتقاد الطرفين ليس حياداً ولا صمتاً، بل هو في حد ذاته موقف يعبر عن قناعات قد تتفق وقد تختلف مع رأي مناصري الطرفين. أيضاً، إن وسائل الإعلام لا تعير اهتماماً للنخب التي لا تمتلك صوتاً صاخباً، بل على العكس فهي تتابع أخبار الصراخ الذي يطلقه الطرفان لأنه أكثر جاذبية للمتابع العادي.


لماذا لم تتمكن "الشرعية" من فرض الأمن والاستقرار في المناطق "المحررة"؟
الشرعية ليست يافطة تعلق في متجر خاو من البضاعة. الشرعية التزام أخلاقي ووطني. الشرعية أداء ومحاسبة. الشرعية لا تثبت وجودها بقرارات تعيين وعزل. إذا فقدت الشرعية، أي شرعية، ثقة الناس بها، فيصبح حكماً وجودها منعدماً أمام المواطنين. والحال في اليمن أن ممثلي الشرعية انشغلوا بتوافه الأمور، وانغمسوا في دورات فساد مالي وإداري، والمؤسف أن دول التحالف تحملت اللوم والنقد ليستمر هؤلاء يعبثون دون حساب، وقد قلت أكثر من مرة إن أحد الأخطاء التي ارتكبها التحالف في بدايات عاصفة الحزم أنها لم تكن مبينة على "عقد" بينه بين الشرعية، فصار الرأي العام اليمني يحمله كامل المسؤولية، وفي نفس الوقت اختفت وجوه الشرعية وغابت عن المناطق التي خرج منها الحوثيون، وكانت زياراتها لهذه المناطق تبدو كرحلات سياسية. يكفي أن وزارة الخارجية ما زالت تمارس عملها من خارج اليمن في الوقت الذي تدعو فيه المنظمات الدولية والسفارات لفتح أبوابها في الداخل، فكيف يمكن للمواطن أن يطمئن لهذه الشرعية وأن يمنحها ثقته، بل إنه صار يسخر منها ويتهكم على مسـؤوليها.


من المسؤول عن إيصال البلد إلى هذا الحال؟ النعمان: الشرعية ليست يافطة تعلق في متجر خاو من البضاعة
لا أحد من الموجودين في صدارة المشهد السياسي يستطيع أن يتنصل من مسؤوليته عما حدث. صحيح أن الأمور نسبية، ولكن الجميع كان حاضراً بقوة في المشهد، بل كان أغلبهم أكثر من ساند الرئيس السابق وحماه طيلة سنوات حكمه وكان أدوات قمع لمعارضيه، وتخلوا عنه لأسباب أغلبها ذاتي وأندرها موضوعي. كما أن السنوات الأخيرة لحكم صالح شكلت بيئة خصبة نمت فيها حركة الحوثيين بحرية، وكانت كل القوى السياسية تعقد معها الصفقات الثنائية، بينما كان الحوثيون يخططون للانقضاض على الجميع دون استثناء.


لماذا تعز نالها كل هذا القتل والدمار؟ وأين موقف كبارها ونخبها؟
للأسف الشديد، فإن تعز دخلت المشهد الدامي عنوة، واضطرت لنزع ردائها المدني الذي ميزها عن بقية المناطق في الشمال. لقد كان اقتحام المدينة بتلك الصورة الهمجية غير ضروري، فبعث ذاكرة جمعية عن سنوات من التهميش والشعور بالضعف. ولعل الكثيرين يتذكرون أن أول أمير للواء تعز أرسله الإمام يحيى حميد الدين رحمه الله، تم وصف وصوله إلى المدينة بأنه "فتح"، وتداول أبناء تعز قصصاً كثيرة عن أسلوب الحكم الذي مورس فيها منذ ذلك الحين، وجاءت مليشيات الحوثيين لإعادة تاريخ "فتح" المدينة، فأنعشوا الذاكرة التعزية بأحزان قديمة كان الزمن قد ألقى بها بعيداً عن الضوء. هنا تضافرت عوامل كثيرة حولت تعز إلى ساحة قتال هي الأبشع في الحرب اليمنية، وصارت مسرحاً مفتوحاً للانتقام والتمزق الداخلي، ولم تتمكن قيادات تعز من تشكيل موقف واحد لمواجهة الحوثيين، وزاد من رداءة المشهد أن تعز لم تجتمع على موقف واحد إزاء ما يجري. يجب أيضاً الإلتفات إلى أن الحروب تتحول إلى مصدر إثراء للبعض عبر أبواب مختلفة، مثل التسليح والمساعدات الغذائية، وحتى علاج الجرحى يصبح هو الآخر مصدراً للإثراء.


هل الفيدرالية أو الكونفدرالية حل؟
هذه الحرب الكارثية أدت إلى حالة من الهلامية، بحيث يصبح من الصعب الحديث عن حل واحد سحري، وما هو مؤكد أن صنعاء لم تعد قادرة على النهوض بمسؤولياتها الوطنية والأخلاقية، وأنا هنا أتحدث عن صنعاء السياسية، كما لم تعد مقبولة كمقر وحيد لصنع القرار ولا باستطاعتها حتى الحديث عن كونها عاصمة سياسية جامعة. في المقابل، فإن أي نظام اتحادي يحتاج إلى عاصمة متفق عليها بين أبناء البلد؛ إذ من غير المعقول أن تقوم دولة بأي صيغة كانت دون مركز يضبط إيقاع عمل الأقاليم المرتبطة بها، ولا يمكن تركها تدير أعمالها ونشاطاتها بعيداً عن رعاية – حتى أتفادى لفظة الرقابة – حكومة اتحادية. هذه المعضلة نفسية في المقام الأول ونتيجة مباشرة للحرب الأهلية، ومن هنا كنت وما زلت أؤكد أن الأنسب هو عودة اليمن إلى إقليمين شمالي وجنوبي، مع منح بقية المحافظات حكماً محلياً كامل الصلاحيات، بحيث يكون ارتباطها مؤقتاً بالعاصمة التي أصبحت مركز إزعاج حتى تستقر الأمور، ويبحث الناس عن صيغ مقبولة ومستدامة. إنني أخشى أن العناد واعتقاد البعض وربما الكثيرين بأن التقسيم الذي تم فرضه في نهاية لقاءات "الموفنمبيك" دون اتفاق هو المخرج السحري، بل إنني على العكس أرى فيه مدخلاً لتقسيمات مذهبية ستكون نتائجها أكثر تدميراً للبلد.


تنامي الإرهاب في المناطق "المحررة" خطر حقيقي أم فزاعة؟
الإرهاب ليس فزاعة بل مصدر قلق حقيقي، والدليل هو استمرار اقتناص عناصر من تنظيم "القاعدة" تنشط بعيداً عن أعين الجميع، ولكن الولايات المتحدة تتابعهم عبر طائراتها وعملياتها السرية. الحديث عن عدم وجود قواعد للإرهاب في اليمن فيه تسطيح وإنكار لمشكلة حقيقية يريد المتصارعون اليمنيون إلقاء مسؤوليتها على الطرف الآخر، لكن الثابت أنه خطر يهدد اليمن والإقليم، بل ان الأخطر من ذلك أن عناصر جهادية شاركت في الحرب الدائرة تحت شعارات مذهبية صرفة، وصارت الآن مصدر خطر على المجتمع، ولا بد أنها تنتظر حصتها من غنائم الحرب.


ما الذي جلبه تدخل التحالف الذي تقوده السعودية للمملكة واليمن؟
لا شك أن التدخل العسكري لم يكن الخيار الأول، ولكنه جاء بعد فشل سياسي ودبلوماسي لم يمكن دول المنطقة من تفادي الحرب. القوة التي كان الحوثيون يمتلكونها تقلصت بشكل كبير جداً، وإن كان من الواضح أن لديهم مخزوناً من الصواريخ التي تهدد المملكة العربية السعودية والملاحة البحرية في البحر الأحمر، وهذا لاشك يعطي المملكة قدراً أكبر من الطمأنينة لسلامة حدودها ومدنها القريبة من حدود اليمن، وهنا يتوجب على الحوثيين تقديم الضمانات لتثبيت هذا الأمر لمصلحة علاقات مستقرة ودائمة. الحرب في مجملها كانت مدمرة للبنية التحتية المتهالكة أصلاً، ولكن الأخطر من هذا هو هذا المشهد الحزين الذي يخيم داخل كل بيت يمني من صعدة إلى المهرة، والذي تسببت فيه من ناحية قلة الخبرة السياسية للحوثيين، وعدم استيعابهم للعوامل الداخلية والإقليمية والدولية، وعدم إدراكهم للحدود التي لا يسمح العالم بتجاوزها، وهم للأسف ظلوا يعيشون تحت شعار السيادة الوطنية التي تغير مفهومها وصار مرتبطاً بأمن الجيران والعالم، وهو ما غاب عن ذهن صاحب القرار في جماعتهم. ومن ناحية أخرى يجب الإعتراف بضعف أداء الشرعية وتراخيها وانشغال ممثليها بقضاياهم الخاصة وعدم قدرتها على إقناع المواطن بأنها تفكر فيه وتعمل من أجله.


هل ترى في الجغرافيا الزيدية مستقبلاً "ضاحية شمالية" لـ"أنصار الله" كما يدعي البعض؟
الحوثيون لا يمثلون الزيدية، هذه نقطة الإنطلاق. هم أقلية داخل المجتمع الزيدي، ولهم خصوم داخله يمثلون النسبة الأكبر من الزيود اليمنيين، ومن الإجحاف والظلم ربط كل زيدي وهاشمي بهم. من هنا لا أتصور أنهم قادرون على تجاوز حجمهم الحقيقي الذي ستفضحه أي انتخابات قادمة، وهو ما يجعلهم يصرون على اقتسام للسلطة بعيداً عن العملية الديموقراطية التي لا يستطيعون السيطرة عليها بمفردهم.


هل لا تزال صنعاء العاصمة الأنسب لليمن؟
صنعاء صارت من سنوات طويلة مدينة لا تتحمل الضغط السكاني والبيئي الذي كتم أنفاسها وجعلها معرضة للموت عطشاً، ولكن البحث عن عاصمة جديدة الآن مأزق لا يجب الدخول في تفاصيله. علينا أن نعيد الهدوء النفسي لفترة تعود الأمور فيها إلى حالة شبه طبيعية، حتى لا يكون التفكير مبنياً على الإنفعالات والنفوس المحتقنة والكراهية، وبعدها سيكون الحديث عن دور صنعاء أو نقل المركز إلى منطقة أخرى يجري في أجواء مناسبة لا تثير حساسية أحد، أما إثارة هذه القضية الآن فليست أكثر من استفزاز.


هل تعاني اليمن من أزمة في القادة الوطنيين كالحمدي وسالمين؟
مؤكد أن غياب الشخصيات الوطنية التي يمكن أن تكون محل اتفاق الأغلبية معضلة أخرى. شاهد المستوى الفكري والأخلاقي لمن يتسيدون المشهد السياسي، فلن تجد بينهم من يمتلك القدرات الشخصية والنضج التاريخي والنزاهة الوطنية. ولعلك تتابع مدارات العبث الذي تسير به الأمور من قادة الحرب الأهلية، وهبوط المستوى الفكري والإداري الذي يجعل مجرد الظن بأحقيتهم لقيادة هذا البلد المنكوب غير مقبول، وانظر إلى عدد الأقارب الذين عينوا في كل السفارات والملحقيات ناهيك عن الوزارات والمصالح الحكومية. أنظر إلى الحمدي، سالمين، محمد النعمان، والجيل الذي سبقهم: الإرياني، النعمان الأب، محمد علي عثمان، حسن العمري، وغيرهم، وقارنهم بالوجوه التي تحكم اليمنيين اليوم، ويكفي هذا.


ما تصورك لمستقبل اليمن وإنهاء مأساته؟
اليمن يحتاج إلى فكر خلاق وتفكير خارج الأطر التقليدية، والأهم ابتعاد الوجوه التي استولت علـى المشهد وعبثت به وأثرت من دماء الشهداء واليتامى. يجب أن يبحث الشباب عن قيادات بينهم، وأن يستعيدوا زمام الأمور، وأن يدركوا أن ثورتهم نهبتها الأحزاب والعسكر، وحولوها إلى أزمة سياسية، وأفرغوا محتوى الثورة من أهدافها، وجاء الحوثيون ليضعوا مسمارهم الأخير في نعشها. عندما تحولت ساحات التغيير إلى ما يشبه نهر الغانغ الذي يتطهر فيه الهندوس من آثامهم، قفز إليها كل فاسد وقاتل وآثم ليهرب من الحساب، كانت هذه نقطة تلوث الساحات، وما نراه الآن ليس إلا إفرازات تلك الحقبة التي بدأت طاهرة بريئة ثم انتهت إلى من شوهها وأحالها صراعاً على السلطة وأوصل الأمر إلى حرب أهلية.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24