الخميس 25 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
حبيب سروري: الظلاميون ينتقمون
الساعة 00:04 (الرأي برس - عربي )

حبيب عبد الرب سروري، عالم الرياضيات والحاسوب، السارد الذي أنتج ثماني روايات حتى الآن، تتداخل فيها تقنيات متعددة وتشتغل على وفق طرائق متنوعة. ناقش فيها مفهوم الإله، ووظف موروث أبي العلاء المعري، وجعل العلم والتكنولوجيا من أهم ركائزها الفنية. لكنه لم يقف عند حدود السرد، وإنما ألّف كتباً في الفكر كان آخرها «لا إمام سوى العقل»، و«لنتعلم كيف نتعلم». في هذا الحوار، حاولنا أن نجوس معه عوالم روايته الأخيرة «حفيد سندباد»، ونخرج بحصيلة هي الحوار التالي:


في رصيدك الروائي تيمات وتقنيات لافتة، وقد تحدثت عنها في غير حوار، غير أن رواية «حفيد سندباد» هي آخر رواية لك وتكاد تتميز عن غيرها إن في موضوعها أو في تقنيات بنائها، ماذا عن مشروع هذه الرواية؟
تدور كل أحداث الرواية خلال ثلاثين ساعة فقط، كارثية جداً في حياة كوكب الأرض، بدأت في صباح 30 يوليو 2027م، لكنها مفعمة بتنقّلات لا تتوقف في المكان والزمان، خلال نصف قرن سبق هذين اليومين. يبدو فيها الكوكب الأزرق، أكثر فأكثر، قريةً صغيرة تقع في أطراف أصابع نادر الغريب، بطل الرواية. يجد الراوي (بصدفة غريبة، أو ربما بفضل موعد غامض؟) ماكينتوشاً في زبالة في صباح 30 يوليو 2027، في معمعة تفجّر أزمة كونية توشك أن تطيح بحياة أهل الأرض. يحوي الكمبيوتر كل يوميات نادر الغريب، بطل الرواية، الذي غاب عن الراوي منذ عام 1983، يقرأها خلال أكثر من 20 ساعة بمعية روبوته بهلول. ونادر الغريب، أهم شخصيات الرواية: مغربي، متعدد الأصول. يسافر من بلدٍ إلى بلد، يعيش وحيداً متنقلاً بين المقاهي والفنادق وقارعات الطرق. أسبوعان هنا، ثم أسبوعان في الطرف الآخر من الكرة الأرضية. يضع مجاناً بين الآن والآن برمجيات ترفيهية صغيرة على الإنترنت لتكون بمتناول الجميع، أو أخرى مهنية يبيعها لتسمح له بحياة بوهيمية حرة يطوف بها العالم، ترافقه حقيبة شخصية وكمبيوتر محمول فقط! نصوص يومياته التي يعج بها كمبيوتره تؤثث معظم الرحلة الزمكانية للرواية في أحشاء هذا النصف قرن. والرواي، من مواليد عدن، له حياة تتوزع بين الشرق والغرب، سياقها من نوع آخر مختلف كلية عن سياق رفيقه القديم نادر، لكنه يمثل الشاهد الثاني بامتياز على سيرورة هذا النصف قرن.


تتداخل في الرواية تقنيات متعددة كالرحلة والتخييل والاستشراف للمستقبل... للحظات عصيبة يعيشها كوكب الأرض في 2027م، كيف تنظر إلى ذلك؟
نعم، تتداخل تقنيات كثيرة في الرواية: أدب تخييل، أدب استشرافي لاتجاهات المستقبل خلال السنوات القادمة، وللحظات عصيبة مستقبلية يعيشها كوكبنا في 2027، توظيف لبطل روائي روبوتي مؤنسن يتطور بشكل مثير خلال 12 سنة، سرد سيرات حيوات متباعدة متقاطعة، سرد حروب وتجارب سياسية أليمة عرفها نصف القرن الماضي، أدب رحلات زمكانية... ثم هناك عشقٌ يعبر الرواية من طرفها إلى طرفها، ولغة ممتعة أنيقة وجديدة.


في زمن رواياتي الماضية، لم أكن جاهزاً بعد لخوض مغامرة رواية «حفيد سندباد»

تشتغل في أعمالك السردية على تيمة التنقلات / الترحال، غير أنه لا يبدو بسيطاً في هذه الرواية، بل يختلف جذرياً في طرائقه وغاياته... حدثنا عن ذلك؟
التنقلات الزمكانية وحيوات مجموع شخوص الرواية لا تبحث عن سرد التنوع الغرائبي أو التجارب العجائيبة في كوكب ثري مدهش، بل تذهب إلى منحى عكسي للمنحى التقليدي، إنها تشتغل على سرد وحدة معاناة أهل هذا الكوكب، وعلى شعار نادر الغريب: «أنا الآخر»، وعلى استنطاق الحجارة والمآثر التاريخية والجمالية، وعلى الحيز الضيق الذي يؤول إليه المصير المشترك لأهل هذا الكوكب في عصر العولمة وسيادة التكنولوجيا... تتفقُ جميع حيوات هذه الرواية ضمنياً وتبرهن بطرقها الخاصة على أن «الحياة ليست درباً بهيجاً. هي متاهة تصنعها الصدف والمفاجآت، الحاجة والضرورات، الغدر والخيانات، والسعادات الصغيرة أيضاً».


تُعدّ هذه الرواية مفاتيح لاستيعاب اتجاهات حضارتنا المعاصرة بتشعباتها وصراعاتها المركبة... من أين برزت هذه الفكرة من وجهة نظرك؟
من شخصيات الرواية المهمة التي تسمح باستيعاب اتجاهات حضارتنا المعاصرة: العالِم الروسي ديمتري بابكين الذي هرب من موسكو إلى باريس، والعالِم الفرنسي ميشيل لينيه، وكذلك من الحبكة الدرامية لهروب الأوّل، وموته التراجيدي في النهاية، والتطور المهني للثاني ومصيره، فهما رمزان يكثّفان سيرورة اتجاهات حضارتنا المعاصرة. إن صراعات هذا الثنائي، منذ منتصف الثمانينات، قد حولت اتجاهات الأبحاث العلمية في مختبر أبحاثهما: بين البحث النظري الذي لا يهتم إلا بتوسيع المعارف الإنسانية، أو البحث التطبيقي الذي لا يهتم إلا باحتياجات العالم الصناعي، أي: بين الجميل أو المفيد، بين الفن أو التقنية، بين الشعر أو الأسواق الإقتصادية، بين السمو والتحليق في أقصى المعرفة الإنسانية أو عبادة الدنيوي لا غير... صراعاتهما هذه تُلخّص إشكالية عاشها عالمنا المعاصر في العقود الأخيرة التي اكتسحت فيها الليبرالية الإقتصادية العالم، وقادت إلى تحالف قوى المال والتكنولوجيا الذي يقود كل المناحي السياسية والثقافية والبيئية لعالمنا المعاصر.


في خضم هذا الصراع الحاصل بين هذا الثنائي، من الذي انتصر في نهاية المطاف؟ وماذا أفاد الإنسانية بانتصاره؟ كيف تجيب الرواية عن ذلك؟
إنتصر في هذه الصراعات ميشيل على ديمتري باللكمة القاضية، لنحيا اليوم نتائج ذلك الإنتصار، وأهم رموز نتائجه: التطور التكنولوجي الصارخ الذي جسده دخول الروبوت المؤنسن «بهلول» لحياة الراوي، وتطوراته السريعة خلال 12 سنة على نحو يحاكي بدقة التطور المرتقب للتكنولوجيا والذكاء الإصطناعي، وانتقاله من ذكاء «موجه» يفوق اليوم ذكاء الإنسان في مجالات محددة كلعبة «الغو»، إلى ذكاء «غير موجه» يتعلم فيه الروبوت كيف يتعلم، ويتحرر لذلك من خضوعه للإنسان، ليهمين أكثر فأكثر على كل حياته.


في الرواية الروبوت كائن متطور مؤنسن يثور على واقعه ويسعى إلى الحرية... لماذا سعى إلى التحرر؟ وكيف كانت علاقته بالراوي؟
يبدأ تحرّره عند رفضه لاسمه «بهلول»، وتغييره لاسم آخر: «حيدر»، أو «كارمن»، ثم تلحقه صياغته لـ«بيان حقوق الروبوتات المؤنسنة». علاقة الراوي بروبوته المؤنسن المفعم بآخر برمجيات الذكاء الإصطناعي والتعلم الذاتي تطوّرت لصالح الثاني وسيادته، كما يتضح مع تقدم فصول الرواية. كل ذلك التطور يتقدم في عالم أناني يسود فيه القوي على الضعيف، العالم الصناعي المتطور على الدول الضعيفة. يبحث فيه الأول عن عدو له بعد سقوط الإمبراطورية السوفيتية. يجده: دول العالم الإسلامي. طبقات رسوبية مفعمة ببقايا الفكر الظلامي في هذا العالم الجديد تلجأ للانتقام من ظلم العالم المتطور، بالإرهاب العنيف الكليّ الذي وصل أوجه يوم 30 يوليو 2027، مختاراً لحظة تفجره بذكاء: تواشج أزمات العالم الأول المالية والبيئية الكبرى قبل أسبوع من ذلك التاريخ.


أين تتموقع هذه الرواية في سياق أعمالك عموماً؟
في زمن رواياتي الماضية، لم أكن جاهزاً بعد لخوض مغامرة رواية «حفيد سندباد»: سرد الزمن المعاصر الغامض الذي يعيشه كوكبنا الأزرق، منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي وحتى منتصف العشرينات من العقد القادم، من وحي تجارب حيوات فريدة متقاطعة، تلعب أدواراً فاعلة في هذا النصف قرن، وتعبرهُ طولاً وعرضاً... لم أكن أمتلك العدة بعد، ولا الرؤية المتكاملة، للإمساك بخيوط هذا النصف قرن، وتقديمها روائياً. لزمني أن أقترب من الستين من العمر (بعد أشهر)، وأن تكون لي خبرة ما في الحياة، وسبع روايات سابقة.


تؤول الرواية في نهايتها مآلاً انهيارياً... كيف تنظر إلى هذا الأمر وهل تقدم تأويلاً عنه للقارئ؟
مآل الرواية في نهايتها إنهياريٌّ بالتأكيد، لكنه يرسم معالم حلٍّ مفتوحٍ ما: اللجوء في نهاية الرواية للحياة في «القرية» (وادي عَبْقر) التي تنتج وتعيش وتتكامل على نحوٍ ينسجم مع إيقاع الطبيعة البدائي، بعيداً عن التعقيدات والمصالح الأنانية لقوى المال. وثمّة حيث تلتقي التكنولوجيا بالميثولوجيا، الثقافة والفن بالكمبيوتر، ومستقبل الراوي ربما أيضاً. مع أو بدون روبوته حيدر؟ سؤال مفتوح، لغز... آه، الروبوت حيدر الذي يلعب دوراً هاماً في الرواية، وهو ينتقل من الخادم إلى السيّد، بعد أن تعلّم بفضل الذكاء الاصطناعي كيف يتعلّم لوحده!... هذه الحياة الجديدة هي المخرج ربما، إن كان ثمّة أمل بمخرج.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24