الخميس 18 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
الصحافة الخطية في حضرموت - د. مسعود عمشوش
الساعة 18:41 (الرأي برس - أدب وثقافة)


 

كانت الصحافة، عند نشأتها، تهدف إلى تعميم الأخبار والأفكار والمواقف والإعلانات والنصوص المختلفة، وتوصيلها إلى أكبر عدد من القراء، وهذا يعني أن الصحيفة أو المجلة الناجحة هي التي توزع في أكبر عدد من النسخ. ومن المؤكد أن الطباعة هي التي ساعدت على نشر الكتاب والصحف والمجلات في آلاف النسخ. أما التوزيع عبر النسخ باليد فقد كان محدودا للغاية.
 

لهذا من الطبيعي أن يكون ظهور المطبعة أحد أهم عوامل ظهور الصحافة. وعند دراستنا لعوامل النهضة العربية في مطلع القرن التاسع عشر نربط بين ظهور الصحافة العربية -وتحديدا صحيفة (الوقائع المصرية)- وبين قيام محمد علي باشا بتأسيس مطبعة بولاق سنة 1826. وقبل ذلك كان نابليون بونابرت قد أحضر مطبعة إلى مصر استخدمها لطباعة نشرة باللغة العربية موجهة للمصريين.
 

ومع ذلك فقد ظهرت، في بعض الأقطار العربية، بعض المحاولات لإصدار صحف ومجلات منسوخة بخط اليد، وهي ما يمكن أن نسميها الصحافة الخطية. وسنتناول هنا تجربة الحضارم في هذا النوع من الصحافة، وذلك من خلال قراءة لكتاب الدكتور أحمد هادي باحارثة: (الصحافة الخطية في حضرموت ودورها النهضوي)، الذي صدر عن دار تريم للدراسات والنشر في مطلع هذا العام 2017.
 

يعود اهتمام الحضارم بالصحف والمجلات منذ نهاية القرن التاسع عشر؛ فحينها كانوا على اطلاع بحركة الصحافة العربية في مهجرهم الشرقي وفي حضرموت، فقد ذكر المستعرب الهولندي فان در بيرخ في كتابه (حضرموت والمستعمرات العربية في الأرخبيل الهندي) أن عددا من الحضارم في جاوة كانت لديهم مكتبات خاصة تحتوي على أعداد من بعض الصحف والمجلات المصرية. وذكر محمد هاشم بن يحيى، رائد الصحافة الحضرمية، الذي مارس الكتابة الصحفية بشكل كبير في جاوة والصحف المصرية قبل أن يسهم بشكل كبير في تأسيس صحيفة (الإخاء) الخطية في تريم عام 1938، أن شيخ الكاف كان لديه اشتراك في مجلة الرسالة المصرية وتصله بانتظام إلى حضرموت منذ عام 1905. 
 

ومن المعلوم أن عددا كبيرا من المهاجرين الحضارم في جزر الأرخبيل الهندي (جاوة وسنغافورة) كانت لديهم ميول وحب للكتابة والتأليف، فقاموا بإنشاء مطابع بحروف عربية وملايوية متطورة هناك منذ القرن التاسع عشر. وفي مطلع القرن العشرين رأى بعضهم أن يصدروا صحفية أو مجلة للتعبير عن مواقفهم أو لتوظيفها في صراعاتهم المتنوعة. وقد لجأت مختلف فئات المهاجرين الحضارم إلى إصدار الصحف والمجلات للتعبير عن آرائها ومهاجمة الفئات الأخرى. ومن أبرز تلك الصحف والمجلات التي أصدرها المهاجرون الحضارم في الأرخبيل الهندي: (الإمام 1907)، و(الإصلاح 1908)، و(الوطن) و(البشير 1913) و(الإقبال 1915)، و(الرابطة العلوية 1927)، و(الإرشاد 1929) و(الترجمان).
 

وفي حضرموت نفسها كان الناس يهتمون بالقراءة ويحرصون على اقتناء الكتب المخطوطة التي امتلأت بها المكاتب الخاصة في شتى مدن حضرموت، وكانت حركة التأليف منتشرة، لاسيما في الوادي حيث كان النسخ مهنة تدر المال الوفير. مثلا، كان شيخ بن عبد الرحمن الكاف، في شبابه وقبل أن يهاجر إلى الأرخبيل الهندي ويؤسس سنغافورة، يمارس مهنة النسخ. وإلى اليوم هناك عدد كبير من المؤلفات الحضرمية لا توجد إلا في شكل نسخ خطية، ويتم تصويرها بالأوفست وتغليفها مثل الكتب المطبوعة. 
 

وبالنسبة للصحافة الخطية، فقد بدأ الحضارم يمارسونها في حضرموت نفسها مع عودة بعض المهاجرين مثل محمد بن هاشم، أو وصول أولادهم (المولدين) إلى وادي حضرموت منذ مطلع القرن العشرين، أي في الوقت الذي لم تكن لديهم مطابع. ففي سنة 1913 ظهرت أول صحيفة خطية في حضرموت: (السيل)، التي حررها المولد محمد عقيل بن يحيى الذي وصل إلى الوادي عام 1912. وفي سنة 1917 أصدر شيخ بن عبد الرحمن بن هاشم صحيفة (حضرموت) الخطية، في مدينة تريم، واختفت بعد صدور العدد الرابع. ويقول د. أحمد باحارثة: "يمكن القول بأن صحيفتي (السيل) و(حضرموت) تمثلان أحد الملامح البارزة لبدايات الصحافة في حضرموت، وفي اليمن عموما من ثلاث نواح، أولها التاريخ المبكر لصدورهما في العقد الثاني من القرن العشرين، وثانيهما صدورهما على أيد وطنية حضرمية، ومن ثم شكلتا تطورا ثقافيا ووعيا صحافيا محليا ويمنيا، وثالثها صدورهما بصورة خطية، وهو الأمر الذي يؤكد مجيئهما من الواقع المحلي المتسم بقصور الإمكانيات ومحدودية القدرات، واعتماد الرواد على الدوافع الذاتية والإرادة العالية والطموحة". ص14
 

وفي العقود الثلاثة التالية شهدت حضرموت صدور عدد آخر من الصحف والمجلات الخطية؛ مثل (التهذيب) و(عكاظ) و(الإخاء) و(التلميذ) و(زهرة الشباب) والاتحاد) و(الكفاح) و(النهضة) و(حضرموت). وقد اختار د. أحمد هادي باحارثة أن يقوم، في كتابه (الصحافة الخطية في حضرموت)، بقراءة مركزة لمحتويات ثلاث منها، هي: 1- صحيفة (التهذيب) التي أصدرها في سيؤن الشيخ محمد بن حسن بارجاء وحررها الشاب علي أحمد باكثير بين سنة 1929 وسنة 1931، وهي "صحيفة دينية علمية أخلاقية شهرية أنشئت لتهذيب العقول وتنوير الأفكار وقد حددت هدفها الثقافي في خدمة الشعب الحضرمي". 
 

2- مجلة (الإخاء) التي بدأت جمعية الأخوة والمعاونة بتريم في إصدارها سنة 1938، وتولى تحريرها عدد من أعضاء الجمعية، وكان مديرها المسؤول محمد بن حسن الكاف، وقد تضمنت كثيرا من الكتابات الاجتماعية والأدبية والنقدية وكذلك بعض الترجمات عن اللغة الإنجليزية قام بها محمد بن هاشم. وبدءاً من عددها الرابع اتبعت (الإخاء) تقليدا عرفته المجلات العربية في تلك الفترة: نشر رواية مسلسلة في حلقات، وقد حملت الرواية التي نشرتها (الإخاء) عنوان (الغناء)، ولا يزال مؤلفها مجهول. وقد انتقلت مجلة (الإخاء) من النسخ باليد إلى الطباعة من مجلدها السابع، بعد أن استقدمت إدارة المجلة مطبعة بسيطة من سنغافورة، وتبرع لها عبد الرحمن بن شيخ الكاف بمطبعة أخرى.
 

3- مجلة (النهضة) التي تأسست عام 1942 في سيؤن تحت إدارة عوض محمد باجبير وإشراف (نادي نهضة الشباب) بمدينة سيؤن. وقد شارك في الكتابة فيها عدد من مثقفي سيؤن وتريم، مثل عوض باجبير، ومحمد بن هاشم، وزين بن سالم باحميد، وعبد الرحمن باكثير، وعبد الرحمن بن عبيد اللاه السقاف الذي نشر فيها مقالا بعنوان (النقد الذوقي)، وقيدان عبد الله باكثير الذي نشر مقالا بعنوان (الجمع بين الثقافة العربية والثقافة الأجنبية)، وشيخ المساوى الذي نشر في عددها الأول مقالا بعنوان (علم الأدب).
 

وبعد أن قدم د. أحمد باحارثة، في الفصل الأول من كتابه، عرضا شاملا للصحافة الخطية في حضرموت، وتعريفا مفصلا لكل من (التهذيب) و(الإخاء) و(النهضة)، قام في الفصل الثاني من الكتاب باستعراض أبرز القضايا والاتجاهات التي تناولتها تلك الإصدارات الخطية، مركزا على القضايا الثقافية والعلمية، والقضايا القومية والعالمية، والاتجاهين الوطني والديني. وتناول في الفصل الثالث الطرق التي قدمت (التهذيب) و(الإخاء) و(النهضة) الأخبار والإعلانات والمختارات.
 

كما ضمن المؤلف كتابه ملحقا يحتوي على قائمة بالموضوعات الرئيسة التي نشرتها كل من (التهذيب) و(الإخاء) و(النهضة). ويبين لنا ذلك الملحق أن المواد المنشورة في تلك الإصدارات الخطية قد تنوعت ما بين المقال والقصيدة والخبر والتقرير وتغطية الفعاليات والزيارات، ورسائل القراء، والقراءات النقدية. ويتبيّن لنا كذلك أن عددا كبيرا من أدباء حضرموت ومثقفيها قد شاركوا في الكتابة في تلك الإصدارات، التي يمكن أن نعتبرها مدرستهم الأولى في مجال الإبداع والعطاء. ومنهم من أصبح من أبرز الأدباء والكتاب في بلادنا، بل وفي البلاد العربية قاطبة مثل الأديب علي أحمد باكثير ومحمد بن هاشم وصالح بن علي الحامد. 
 

لكن من المؤكد أن ما كتبه أولئك الكتاب في تلك الصحافة الخطية لم يُقرأ إلا في نطاق ضيق للغاية؛ وقد تبين للمشرفين على تلك الصحف الخطية أنه من الصعب تلبية حاجة العدد الكبير من القراء، وهو ما اضطر معظمها إلى التوقف أو التحول إلى الطباعة. وقد أشار د. أحمد باحارثة، في الفصل الأول من كتابه، إلى أن المجلة التهذيب "لم تستطع استيعاب طلبات المشتركين الذين تزايدوا عليها، معتذرة بصعوبة الكتابة أو النسخ باليد. وقال مسؤول المجلة: لا ننسى ما للمشتركين في التهذيب والطالبين للاشتراك الذين لم أجبهم إلى طلبهم لصعوبة النسخ باليد، وهم عدد جم" (المجلة التهذيب العدد الثامن، ص159). كما يذكر د. أحمد باحارثة أن من أسباب توقف صدور المجلة بعد عددها العاشر "صعوبة الاستمرار في الاعتماد على النسخ اليدوي، على أمل توفر مطبعة للمجلة تعاود بها الصدور". ص42 ومن المؤكد أن من قرأوا الأعداد العشرة من مجلة (التهذيب) في المجلد الذي تم طباعته في مصر عام 1964، أكثر من القراء الذين اطلعوا عليها في فترة صدورها بين سنة 1929 وسنة 1931. ففي تلك الفترة لا تتجاوز نسخ العدد الواحد في الغالب الثلاثين نسخة وأحيانا أقل، وقد قال أحد المساهمين في العدد الثاني منها "إنها صحيفة قلمية لا تتجاوز أعدادها العشرة، يطلع عليها أفراد معدودون، ولا يبلغ صوتها إلى مسامع الشعب".

 

منقول من صحيفة الأيام ...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24