الاربعاء 24 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
في عيد ميلادي الثاني والخمسين - مصطفى لغتيري
الساعة 14:05 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

وأنا أزحف تدريجيا نحو السن الذهبي، أشعر برضى تام عن حياتي.. أحلام تحققت وأخرى كانت وقودا لأحلام أخرى منحتها الطاقة لكي تولد وتمنو وتجد طريقها سالكا نحو البزوغ، فرح متواصل، أخلقه بنفسي من أشيائي البسيطة من حولي، ونكسات صغيرة، غالبا ما يتسببها فيها غيري، أرادها أصحابها قاضية، فمرت بسلام.. وجوه أثثت الذاكرة، ببذخها الإنساني الأثير، خلقت رفقتها لحظات فرح لا تنسى، وحلقنا معا في سماء رحبة لا حدود لها، ثم حين تعبنا من التحليق آوى كل منا إلى عشه، قانعا من الغنيمة بقبس من ذكرى أوفرح لا يمكن أن يندثر مع الزمن، ويكفينا فخرا أننا كنا أبطلا في رواية الحياة التي كتبها كل منا بطريقته.. أقصد وجوها في الأدب وفي الحياة، والحياة أقوى وأبقى وأشد، بل وألذ طبعا.
 

كلما تقدمت في السن فهمت أكثر لعبة الحياة. إنها بكل بساطة البحث عن الفرح واقتناص لحظات السعادة، وعدم الصراع مع البعض من أجل امتلاك المكاسب الصغيرة التي يحسبونها كبيرة وهي- في حقيقة الأمر- والوهم سواء..
 أقوم بما أعتبره واجبا لكنني أمارسه بشغف واقتناع، أكاد أقول بحب كذلك، وحين يتبين لي عكس ما كنت أومن بعد أبتعد مسافة معقولة، وأظفر بهدوء نفسي، لا أفرط فيه أبدا. لإنه سلاحي الفتاك الذي أواجه به تقلبات الزمن وصروفه.

 

بعد هذا العمر أشعر بنفسي محظوظا لأنني عشت الحياة التي أردتها، وبالطريقة التي أعشقها، لم أولد غنيا ولا في أسرة ذات مكانة اجتماعية، لكنني أخذت منها أعز ما يطلب، النضال بحب من أجل ترسيخ الأقدام في الحياة، وأحسب نفسي نجحت في ذلك. ونقلته لأحبتي باعتراف أكثرهم.
 

أبدا لم تقهرني الصعاب، بل زادتني قوتها عنادا وصلابة من أجل أن أكون ما أحب أن أكون.. لم تغرني مطامح كثيرة كانت في متناول اليد، أشحت عنها بوجهي ومضيت في طريقي، أعض بالنواجذ على شخصيتي وكرامتي، وحياتي البسيطة التي أعتبرها أكبر غنيمة.
 

ها هي الحياة تمضي، وهأنذا أتدحرج في موجها الهادئ حينا،  الهادر أحيانا، أشق طريقي بسلاسة نحو ذاتي لكي أملك قرارها أكثر فأكثر، لأن في ذلك- حسب رأيي المتواضع- قمة النصر والتمكين. ففي امتلاكها سعادتي، لأنني بذلك أمضي بها في الطريق الذي أرغبه، ولن يمنعني من ذلك مانع مهما بدا قويا وصلبا.
 

في خضم الحياة وشعابها المتشابكة اكتسبت ذهنا مرنا، يتعامل مع الوقائع ولا يغتر بالأوهام، وتعلمت أن المطلق خدعة كبيرة، وأن التعصب للرأي ليس سوى عرض من أعراض القصور الفكري، لذا أجد نفسي مستعدا لتغيير أفكاري كلما بدت لي غير صلبة ولا متينة، لا تصمد أمام منطق العلم والمعرفة والحياة.
 

هأنذا أستقبل عامي الثاني والخمسين ومع ذلك ما زلت أعشق الحياة، وأستقبلها كل يوم بنفس جديد وشهية مفتوحة.
أطارد فكرة تائهة كي أحاصرها في الزاوية الضيقة، فأتملكها جملة وتفصيلا وأسعد بها أيما سعادة.
 أرتشف قطرات ماء عذب، وأنعم باستطابتها وتدحرجها في الذات المحتفية بالحلول فيها.

 

أستطعم قهوة شبه مرة فتغدو في اللسان بحلاوة العسل، وكأن الرضاب من صنيع نحلة خرافية.
أتملى عن بعد فراشة ترقص رقصة الحياة في حضرة أزهار الأمل المتهادية كنسيم الصباح. وكلما دنت مني ابتسمت لها بلطف وفتحت لها حضني كي تزهر فيه.
أستقبل ذاك الدفء المتسلل إلى القلب، فأصنع منه سراجا لا يخبو ضوؤه أبدا.
أستنشق دفقات الهواء العليل، أستلذ انتعاشها المتجدد، فتعيد للنفس بلسمها الأثير.
يا اه كم أعشقك يا أنت.. يا أيتها الحياة. وأنا في الثانية والخمسين.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24