الخميس 18 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
الحقول الدلالية في ديوان" أجرب أن أعترف" - علي أحمدعبده قاسم
الساعة 14:30 (الرأي برس - أدب وثقافة)


من المتعارف عليه والذي لايخفي على أحد أن الشعر النسوي مر بمراحل كثيرة عبر العصور الأدبية من الخنساء في العصر الجاهلي إلى ليلى الأخيلية وكانت المرأة في العصر العباسي تمدحه وترثيه فجعل ابن سلام الجحمي المرأة في كتابه الطبقات في طبقة المراثي وجاء العصر الأندلسي نتيجة للتطور والتلاقح الحضاري فنتج التحضر والانفتاح والنضج فأصبحت المرأة تتغزل بالرجل كما يتغزل الرجل بالمرأة ومما جاء في ذلك قول الشاعرة الأندلسية 
"أغار عليك من عيني ومني 
ومنك ومن زمانك والمكاني 
ولو أني خبأتك في عيوني 
إلى يوم القيامة ماكفاني"
وجاءت في العصر الحديث نازك الملائكة وعائشة التيمورية وكثير من الشواعر العربيات بخطاب شعري جديد يواكب العصر ويتناغم مع أحلام المرأة وتطلعاتها وقضاياها وعوالمها الداخلية وصراعاتها مع المجتمع والرجل والمحيط المادي ليأتي نص صادم وجرئ ومدهش بلغة وخطاب ليس فيه سوى المرأة الأنثى التي تذوب رقة وتحاول أن تخلق فاعلية وتأثير وكينونة وسط هيمنة الذكورة. 
وديوان" أجرب أن أعترف" للشاعرة مسيرة سنان والذي عن دار الأفق للطباعة والنشر وتضمن ستة وعشرين نصا شعريا في مائة وست صفحات من القطع الصغير 
وقبل الخوض في دراسة الديوان تعرج القراءة على العنوان بوصفه علامة ملفته وشفرة تحتاج للتفكيك " أجرب أن أعترف" 
جاء الفعل " أجرب " من الجذر اللغوي "جرب" أي اختبر نفسه وأختبر الشئ وبذلك تحول الإختبار إلى مقياس يحتمل النجاح والفشل لاسيما والتجريب هو الامتحان ليعكس الفعل جهدا مسبقا خاصة وللإختبار والامتحان مستوى من النجاح سواء القبول أو التوسط أو التفوق أو العبقرية ولكل مستوى أثر في النفس والذات فإذا كان بالقبول والتوسط فإن التجربة لم تأت بالمتوقع منها وإذا كان الفشل فإن ذلك سيعود بالصدمة وإعادة التجربة وبذل. جهد أكبر 
ويأتي الفعل" جرب" بمعنى خاطر وغامر ليحيل الفعل إلى خوض التجربة مع احتمال الوقوع بنهاية مؤلمة قد تودي بمصير الحياة إلى نهاية قاضية وأيضا المغامرة قد نوع الجرأة والشجاعة وخوض المجهول لكن بالتجربة والتعلم متها وتجريب الحظ هو يحتمل النجاح والإخفاق 
والتجريب يعني التدقيق والتحميص والخروج بنتائج بعد دراسات وعكوف لتوقع مخرجات التجربة عند المخاطرة والمغامرة واختبار الذات. 
وبذلك أحال الفعل " جرب" إلى:
- اختبار الذات في عرض النص الشعري على المتلقي وهو امتحان لقوة النص أو ضعفه فهي مغامرة أدبية ذاتية 
- يحيل الفعل للذات الشاعرة ولقضايا وهموم المرأة وقضاياها عموما.
- كان الديوان والنص الشعري محل التجريب والإمتحان فهو محل خوض التجربة وانعكاس نتائجها.
وجاء الفعل" أعترف" من الفعل " عرف" 
وإذا كان الإعتراف هو "الإقرار" بما في النفس فإن ذلك يحيل إلى أن النص الشعري هو جملة من الاعترافات أمام المتلقي وأمام محكمة النقد خاصة والاعتراف لايكون إلا أمام القاضي ليصدر حكمه. 
والاعتراف هو البوح بمكنون النفس والمخبوء فيها وبأسرارها ليتحول ذلك المكنون إلى دعوة جهرية لمعاينة مستواه الفني والنفسي ومكاشفة المتلقي والحلم والحبيب بكل مكنوز دون جدران وأستار ليففضي النص للجرأة ليحطم النص الأسوار ويكسر العادات المقدسة ويتجاوز الحدود ليكون النص والذات صادقة بحروف إنسانية 
وأذا تأمل المتلقي تركيب العنوان وبنيته فقد من فعلين " أجرب أن أعترف" فسيطر عليه ضمير الأنا ليحيل ألى الذات الشاعرة ويحيل للنص و"أن أعترف" مصدر مؤول بتاويل مصدر تصريح تقديره "أجرب الاعتراف" وهو مفعول به فكان التجريب يساوي الذات والاعتراف يساوي النص فالعلاقة مترابطة بتكامل فالتجريب هو الاعتراف والاعتراف هو االنص والتجريب والذات العنوان متقن وفيه ترابط وذوبان يشكل ملفت وينم عن احتراف.

 

ومن خلال قراءتي للديوان وجدت حقول دلالية منها:
 

1-الصمت
يتكرر الصمت والوحدة والانفراد والوحشة في المص النسوي عموما بوصف ذلك علامة مشتركة لهموم المرأة وهي بذلك تحاول أن تخرج من الصمت بروءاها وهمومها وأشجانها وخيباتها فالنص يبحث عن المغايرة والتجدد والميلاد 
"تشبهني هذه
الجدران 
وهي تلتهمني 
عبر الأزمنة 
يشبهني عيد 
ميلادك حين 
باغتني" 
مابين الجدران والذات جمود وصمت ومابين الميلاد والمباغتة تجدد وخروج عن المألوف لتتحقق الذات فالجدران رمز الرتابة والاعتيادية فالبحث عن التغير هو اجتياز لأ زمنة الموت 
لذلك يتضح من النص الخطاب مابين الأنا والحلم بخطاب مباشر دون حواجز لخلق نوعا من الضجيج ولم يكن للذات غير ترديد الحلم للحروف والقصائد
"حين تناديني 
بمايليق من الحب 
أناسيدة الصمت 
على فمك 
قصائد وحروفا"ص8 
الصمت هنا صمت الروح بصدق الحب حين تصرخ الروح دهشة وذهولا بماتتلقى من مناجاة فهي معركة سجال صامتة بذهول الذات بما ينداح فيها حبا وتتحول الذات كلمات وقصائد مرسومة 
ويتحول الصمت إلى صمت يشبه الموت
فلم يعد الصمت في جدران الغرفة خرج للمدن والأمكنة
" أيتها المدينة 
التي غادرت الأماكن 
مالذي جعلك شاحبة 
كمرايا صمتي" ص14
واذا كانت المدينة هي معادل رمزي للذات فإن الذات تشعر بلا الاستقرار والحياة الرتيبة خاصة والأماكن غير متواجدة فإن وجدت فمجازافالشحوب هو شحوب الذات والمرايا تعكس حقيقة الأشياء وحقييقة الذات 
فالنص باحث عن الحياة. والربيع. والمكان والزمان المستقر
والصمت احتراق والصمت بعد ومسافات وحنين ولواعج وخلجات
" أتعلم أن الصمت
يورق مابيننا
تتساقط مابين عيني 
وعيني 
واشتعال الحروف 
يرتدي وسني 
"بردت قهوتنا" ص21
صورة الصمت موجعة بالانتظار من خلال " تتساقط مابين عيني وعيني" شعور عميق بلغ حد لبكاء. وانتظار بلغ حد النعاس والحرمان من النوم وبرود القهوة تبدد للدفء أنه صمت بلغ الغفلة .

 

 

-2الغياب 
كان خطاب الصمت مترافقا والغياب ليشير النص اغتراب روحي مابين غزلة صامته وغياب جعل من الروح في حالة من المجاهدة للبحث عن عالم مشتعل بحضور واكتمال لذلك كان خطاب الغياب موجع بحوار فالغياب ظلام وهو وهو تبدد للضوء والإمان والاستقرار
في لحظة وداع فيها التمزق الذي يشتت الحلم
" يبدو إنك تنتظر 
شيئا آخر يشبه 
ملامح السفر 
أتريد الغياب؟
وأنا لمن أصفصف ملامح الضوء؟ص11 
ملامح السفر هي الشتات وهي العزلة وهي موت للحلم فجاء النقيض 
في بالاستفهام الذي غرضه الانكار في "وأنا لمن أصفصف ملامح الضوء" 
كان الغياب استنكارا لهجر الحلم وهو صورة للعذاب والوحشة وهو انفرادوهو فراغ ونوع من المعاناة التي تحيل الحياة موتا ويعتبر حقل يرفض الموت والذبول فهو موت بالحياة 
" سأذبل الورد على 
نافذتي 
ويتحعد عمري 
سأذبل حد الغياب 
وتذوي تفاصيلي"13
صور الخطاب الغياب موتا" سأذبل ،يتجعد ،سأذبل حد الغياب ، تذوي تفاصيلي" فالذبول والتجعد والذواء موتا بوصف كل غياب هحر للحب والجمال وتفتيت لتفاصيل العمر الجميلة والمزهرة فالغياب خريف والانثى ترفضه باعتباره مناقض لأحلام حياتها وهو يمثل خيبة وإخفاقا

 

 

-3 حقل الحب
وهو الحقل الذي ترسم فيه المرأة خصائصها وهو الحقل الذي يعبر عن القوة والضعف والرقة.والحنين والاكتمال بالحلم والعذوبة بحيااة تورق حبا ويرسم الاغتراب والعقم والخصوبة الروحي وهو يحول صورة المرأة لغزا لايمكن فك طلاسمه بسهولة 
" أنا طفلة حائرة 
بلامأوى
أعاقر هذا المداد 
وأتكئ على وجع المد" ص44 
الخطاب يكرر خطاب الضياع من السفر في البحث عن الحلم والخصوبة فكانت صورة الطفلة هي البراءة والجهل بالعالم لتعبر عن نقاء روح وكان المداد هو سكر وضيااع وكان المد معادل للحلم وبعد عن العقم ولكن مترع بالنقاء والعذوبة "طفلة ، مداد ،مد" واجتمع في النص الحيرة والسكر والوجع وسط النقاء فهو صراع النقاء وسط الألم وصراع الضياع وسط العقم للوصول للخصوبة.
وفي هذا الحقل رسم صورة المرأة بأنها متمردة علي واقعها وتعشق الاحتراق والألم والمخاطرة والمغامرة ولاتبالي بالنهايات والنتائج وكل ذلك لترضي حلمها وآمالها
" ويالي من إمرأة تعشق النار 
ولاتبالي بالنهايات 
هاأنا واقفة كنخلة
كما تحبني أن أكون"46
وهي امرأة بل أنثى تبحث في مجاهيل الحياة وتخوض السراديب لتصل للحقيقية لتخلق عالما مغايرا متجددا متمردا وإن ترافق ذلك مع مع الجراحات والغياب و الإلم والخيبات فيكفي أنها صفاء الصدق
"ولاأنا لحقت بغباره 
الشارد 
ربما أنا في مطلع التنهيدة 
أرتب سراديب السنين 
وأغتسل بحمى صدقي"
كان الديوان عبارة عن آمال ومطامح وصراعات والركض وراء اكتمال الحياة بالحلم الرجل المثال لتتحقق القوة وثمة اعترافات واضحة ودون مواربة 
" اعترف لك 
بأنني هشة بدونك 
ويداي أرجوحتان 
حين أصلي" 
تحول الحلم معبدا واتصالا بالسماء ليتحقق فالاعتراف بالضعف حول اليدين والروح تجأر بالدعاء ليم الكمال بوصف الحلم اكتمال للحياة وهذه هي قضية المرأة المركزية.
ويعتبر الحب والحنين حالة من الصراع مابين اللذة والألم والتحليق في شجون التلاقي والتمتع بلذة الوصل والاحتراق بالغياب والاكتمال والنقص وهذا خطاب يتردد في،النص التسوي كنوع من الهموم والبوح للوصول للأنس وهو ذوبان شفيف معطر بروح نقية تفيض حبا وهي بذلك تحارب الخيبات لبلوغ انتصار الروخ وفرار من الهزيمة والاستسلام فكان للحب معظم خطاب الديوان وصورة المد والبحر ماهي إلا إحلام خصوبة وخلق عالم خاص واقعي بعيدا عن اليوتوبيا والأو هام
" أى حب سوف يكللنني بالعطر 
مابين اليحر الذي 
أخذك 
ومابين المكان الذي 
تركتني فيه" 
فالبحر رمز التدفق والضياع وهو رمز للحلم ولمكان رمز للضييق والعقم والضحر فالتدوال في مضامين النص الخوف من المجهول الذي ينهي مصير الحلم في شتات بعيد 
فالماء والابتلال خاصية للنص النسوي وجاء بصور تنم عن شاعرية فذة ومقتدرة
"تلك النظرات
التي تنبت عشب غواية 
مبتل"
فعشب الغواية صورة غاية في الجمال وهي نوع الصورة النفسية التي رسمت حالة من الدموع بطريقة مغايرة لما يبتل في الأهداب وهذا نوع الذوبان و قدرة على رسم مشهذ الذوبان 
فالنص استطاع أن يرسم الغواية ليرسم حياة كلها هدير وعطر ومطر وأمواج ممايفضي إلى القرب ونفي المسافات وتمازج روح المحبة لتتحرك الحياة وتتوهج بالحرف والشعر وبمن يليق بهاحبا وإخلاصا 
" يا شاعرا سكن 
ارتباكاتي 
واعترافاتي 
واشتعال اتطفاءتي"
والحب وحده لايفي بالغرض فالحب حياة 
اكتمال استقرار والحب هو بيت وأمومة وتلاقي أرواح فالحب في نظر النص ممارسة الحياة
" إن الحب ياسيدي 
أمراة ترسم العالم 
من عينيك 
الحب وحده قد لايفي بالغرض" ص55 
ربما أن هذه السطور هي رسالة كل النساء فالحب مايحقق للمرأة الخصوصية والحياة الكريمة والا ستقرار وممارسة عالمها من خلال الرجل وهذه غاية كل امراة فالحب وحده عبارة عن تسلية وربما انحراف وميل عن حقيقة الحياة التي لهامواصفاتها.
وآخرا نحن أمام شاعرة متمكنة وقديرة ونص شعري متقن صورة ولغة وبناء ينم عن شاعرة بحجم الكبار فالصورة واللغة والمضامين مدهشة واستطاعت أن تكتب النص الحداثي والعمودي بتفرد ولم ألم في هذه القراءة ببحقول المعجم مايزال هناك حقل اليل وحقل أشياء المرأة والذي يتكررفي النص النسوي عموما .
أعيب على النص ضمير الأنا الذي ضيق القراءة في البوح وكان من المفترض أن يتعدد الضمير للغائب والجمع ليتيح فرصا متعددة للتأويل .

منقولة من صحيفة اليمن اليوم...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24