الثلاثاء 23 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
الرواية في حضرموت في تسعين عاما - أ.د. مسعود عمشوش
الساعة 15:24 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


مقدمة 
حضرموت أرضُ علمٍ وعلماء. والحضارم، قبل أن يهتموا بخزائن المال أهتموا أولا بخزائن الكتب، فملأوها بالمخطوطات، ليس في الفقه واللغة فقط، بل كذلك في العلوم والطب والأدب. وقبل أن يمارس الحضارم التجارة مارسوا التأليف والكتابة، في أرضهم وفي المهاجر الكثيرة التي استقروا بها؛ فكتبوا الشعر والمقامات والتراجم والسيرة الذاتية وأدب الرحلات، وألفوا في الفقه واللغة. 
 

ومنذ مطلع القرن العشرين تمكن عددٌ من الأدباء الحضارم، لاسيما من بين الذين اختاروا الاستقرار في الأرخبيل الهندي، من الجمع بين قراءة كتب التراث العربي والإسلامي والاطلاع على بعض إرهاصات الحداثة العربية التي تحتويها الصحف والمجلات والكتب التي تصلهم من مصر والشام. وتفاعل هؤلاء الأدباء بشكل إيجابي مع تلك الإرهاصات وسعوا، كغيرهم من الأدباء العرب، للخروج من أسر القوالب الأدبية التقليدية وتجريب بعض الأجناس الأدبية الحديثة. ومن المعلوم أن علي أحمد باكثير- وهو ابنٌ لأحد المهاجرين الحضارم في جاوه- قد حاول أن يقترب من الجنس المسرحي في (همام أو في عاصمة الأحقاف) قبل أن تطأ قدمه أرض الكنانة. وفي باتافيا (جاكرتا الحالية)، عاصمة جزيرة جاوه التي كانت تخضع للاستعمار الهولندي، قام الأديب أحمد عبد الله السقاف بنشر روايتين عربيتين: (فتاة قاروت) سنة 1927، و(الصبر والثبات) سنة 1929. وقد ضمّنا هذا الكتاب دراسةً لرواية (فتاة قاروت) الرائدة، ركزنا فيها على تصويرها لحياة المهاجرين الحضارم في الأرخبيل الهندي.
 

ومنذ مطلع القرن العشرين أسهم عدد كبير من الحضارم في الكتابة في الصحف والمجلات العربية والمحلية، المطبوعة والخطية. ومن تلك الإصدارات مجلة (الإخاء) التي بدأت جمعية الأخوة والمعاونة بتريم في إصدارها في شهر مارس سنة 1938، بشكل خطي ثم مطبوعةً من العدد السادس. وتضمنت تلك المجلة الخطية كثيرا من الكتابات الاجتماعية والأدبية والنقدية، وكذلك بعض الترجمات عن اللغة الإنجليزية قام بها محمد بن هاشم. وبدءاً من عددها الأول اتبعت (الإخاء) تقليدا عرفته المجلات العربية منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر: نشر رواية مسلسلة في حلقات. وقد حملت الرواية، التي شرعت مجلة (الإخاء) في نشرها في حلقات بدءا من عددها الأول، عنوان (الغناء، رواية أخلاقية غرامية تحكي صورة للعادات والتقاليد الحضرمية بتريم). ويتضمن هذا الكتاب أول قراءة لهذه الرواية التي لم تنشر بعد في كتاب. 
 

ووفق ما كتبه الأستاذ عمر بن أحمد الشاطري قام المؤرخ محمد بن أحمد الشاطري، في أربعينيات القرن الماضي، بتأليف رواية تحمل اسم (الحبّانية)، يتناول فيها ما تعانيه المرأة من تهميش وظلم في المجتمعات المتخلفة، وقد استوحى المؤلف أحداثها من حكاية امرأة من مدينة حبّان بمحافظة شبوة قتلت ضرتها خنقًا، وحُكم عليها بالإعدام عندما كان المؤرخ يعمل في سلـك القضاء بالمجلس العالي بالمكلا. 
 

وفي أربعينيات القرن الماضي بدأ علي أحمد باكثير، بعد أن استقر في القاهرة، في ممارسة الكتابة الروائية، ولم يتوقف إلا في مطلع الستينيات بعد أن أنهى كتابة روايته السادسة (الفارس الجميل). وبعكس نصوص الروائيين الحضارم الآخرين حظيت روايات علي أحمد باكثير باهتمام كبير من قبل النقاد العرب. لهذا أكتفينا، في هذا الكتاب، بتقديم دراسة عن (روايات باكثير التاريخية في النقد العربي).
 

وفي سبعينيات القرن الماضي نشر حسين سالم باصديق روايته الأولى (طريق الغيوم) التي تحكي الملابسات والأحداث التي رافقت افتتاح مدرسة القرن الأهلية في سيؤن في مطلع الستينيات. وقد برز في هذه الرواية عدد من السلبيات بسبب توظيفها المبتسر لبعض مفاهيم مذهب الواقعية الاشتراكية الذي كان سائدا حينذاك في كتابات كثير من الأدباء العرب. 
 

ومع بدايات القرن الحادي والعشرين نشر صالح سعيد باعامر رواياته الثلاث: (الصمصام) و(المكلا) و(إنه البحر). ويحتوي هذا الكتاب على دراسة مكرسة لأثر البحر في روايات باعامر، تناولنا فيها أيضا الأبعاد الجنسية وطريقة توظيف الراوي لتيار الواقعية السحرية. وفي بداية هذا العقد نشر سالم العبد الحمومي روايته (هذيان المرافئ). ويتضمن هذا الكتاب دراسة موجزة تناولنا فيها كيفية تقديم الراوي لحياة أحد طلاب العلم الحضارم في بلاد الجرمان. وخصصنا دراسة أخرى لتناول الطريقة التي صوّر بها عمار باطويل انتقال عددٍ كبير من المهاجرين الحضارم من المهجر الشرقي إلى المهجر السعودي في منتصف القرن العشرين، وذلك في روايته الأولى (سالمين). وفي دراسة أخرى تناولنا التقنيات التي استخدمها خالد لحمدي ليرتقي بلغته في رواية (صمت الأشرعة) إلى مستوى اللغة الشعرية. 
 

ونؤكد أيضا أننا في هذا الكتاب لم نستعرض كل ما أنجزه الحضارم من نصوص روائية، فنحن لم نتناول رواية (الصبر والثبات) لأحمد السقاف، ولا رواية (عقرون) التي يتناول فيها عمار باطويل حرب 1994، ولا رواية (العنين) التي ينتقل فيها خالد لحمدي من تصويره الجميل للحياة في مدينة المكلا وبيئتها البحرية إلى تصوير الحياة في إحدى قرى وادي حضرموت، ولم نتناول كذلك روايات حسين حسن السقاف التي يتناول فيها ظاهرة الإرهاب، ولا الجهود الطيبة التي يبذلها القاص صالح بحرق لدخول عالم الرواية. ونتمنّى أن يسعفنا الوقت لنتدارك هذا التقصير قريبا. وفي انتظار ذلك، أتمنى أن يُسهِم هذا الجهد المتواضع في إنصاف بعض الكتاب الحضارم الذين لم يهتم بهم النقاد حتى اليوم، وتقديمهم إلى القارئ المحلي والعربي.
والله ولي التوفيق.


محتويات الكتاب
المقدمة
المهاجرون الحضارم في فتاة قاروت
قراءة أولى في رواية (الغناء)
باعامر وسرد البحر
الحضارم من المهجر الشرقي إلى المهجر السعودي في رواية (سالمين)
حضرمي في بلاد الجرمان، قراءة في رواية (هذيان المرافئ)
شعرية النثر في رواية (صمت الأشرعة) لخالد لحمدي
الواقعية الاشتراكية في (طريق الغيوم) لحسين باصديق
روايات باكثير التاريخية في النقد العربي

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24