الخميس 25 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
قراءة في مجموعة “المحرقة” لانتصار السري - رياض حمادي
الساعة 14:19 (الرأي برس - أدب وثقافة)



أميز بين نوعين من الكتابة النقدية: الكتابة عن العمل والكتابة بالعمل. ولأن ما بين أيديكم قراءة أو كتابة عن العمل لذلك أعترف بأنها عامة ومختصرة مبنية على قراءة أولى تركز على الخطوط العريضة وهي بحاجة إلى قراءة أخرى للكشف عن الملامح الفنية والتفاصيل الدقيقة لكل قصة على حدة والعلاقات التي تربطها بغيرها من قصص المجموعة.

تبدأ انتصار السري “المحرقة” بنص يحمل نفس اسم المجموعة, تضع فيه الأنثى أشياءها وذكرياتها المريرة المؤلمة في المحرقة لتلتهمها النيران. لتستكمل الكاتبة حرق ما يستثير حنقها وحنقنا من هموم حياتية اجتماعية كثيرة, ولو بالكلمات. هي محرقة قد تبدو خاصة جداً بدلالة نصها الأول وألف لام التعريف في عنوان المجموعة, لكن حمولة نصوصها تشي بأن الإرث المراد حرقه ثقيل ويتجاوز الفردي والخاص إلى الجماعي العام.

 

تتضمن “المحرقة” صوراً متنوعة للحياة اليومية في إطار من الواقعية الاجتماعية يرسمها قلم الأنثى والأم والطفلة والمرأة في أدوارها المختلفة ما يؤكد أن المرأة حاضرة بقوة في العمل.. صور هاجسها هموم المرأة تسطرها بلغة بسيطة ومباشرة تعرف هدفها إلى المتلقي. تتنوع الأساليب بين الجدية وحس السخرية والفكاهة والمفارقة والنهاية المباغتة.
 

تشتغل المجموعة على الفكرة الومضة فتجبرها على هذا النوع من الفلاش السريع والجمل القصيرة. بعض بدايات القصص قد تبدو عادية, لكنها تشتغل على النهايات فتؤجل الدهشة حتى سطورها الأخيرة. أمثلة على ذلك يمكن أن نجدها في هذه العناوين:
(لقاء, الغريب, ذات نهار, على خشبة المسرح, تهيؤات).

 

ومثال توضيحي آخر من خارج المجموعة نجده في نص “حب”:
“ضمته إلى صدرها, أصابعها راقصت غابة شعره الفاحم, تنفست عطره, المعجون برائحة جسده, توسد ذراعها, همس في أذنها: أحبك..  يا.. أمي “.
نص يوحي بالكثير, ويمكن أن يحيلنا إلى فرويد والتحليل النفسي لنكشف بعض خباياه, لتضمينه مفردات ترد في سياق الحب الذي يجمع بين عاشقين لا الحب الذي يجمع ابناً بأمه.. لكن هذا الجمع بين المتناقضات وغير المألوف أو المتآلف هو ما جعل النص ينتهي بالدهشة والمباغتة المحببة للقارئ.

 

تتميز انتصار السري بميزة تحويل المشاهد الحياتية المألوفة إلى قصص مكثفة يتلاحق فيها إيقاع الأفعال الحاضرة  والماضية, لتقول لنا من خلال أفعالها الحاضرة أن هذه المشاهد تحدث الآن وهي بانتظار، أو على أمل، أن تصبح أفعالاً ماضية بعد أن تلتهمها النيران, وتشير في أفعالها الماضية الغالبة على المجموعة إلى الحلم بأن تصبح مجرد ماضٍ.
 

في المجموعة القصصية إصرار يؤكد بأن المشوار ما زال في بداياته وأنه حافل بقادم أجمل وأن ما قيل ليس هو كل ما في جعبة القاصة من حكايات سحرية قادمة لن تكتفي برصد الواقع وهمومه بل وتتعداه إلى ما هو أبعد حيث سحر اللغة وخيالها الشعري والسحري.
 

هذه المهمة تتطلب ولادة ثالثة, لأن السحرة يولدون على ثلاث مراحل: الأولى بيولوجية, والثانية بعد تعلم السحر, أما الثالثة وهي الأهم, فهي التميز بين المجموعة الكبيرة من السحرة. انتصار انتصرت على وجودين, ويبقى أن تسعى لإثبات وجودها الثالث.
 

وسواء أكان التميز هبة أو منحة لا دخل للمبدع فيها, أو كان حرفة لها أسرارها فطريق البدايات وإن كان وعراً, إلا أن كثيراً من العظماء مروا عليه ويتذكرونه بمحبة. هذه قاعدة السحر التي لها استثناءاتها القليلة التي تميزت بحرق المراحل, لكن الأسماء الكبيرة كان لها بداياتها إلى أن وجدت السر. ولكل ساحر سره الخاص, ولانتصار ثلاثة:
سر نشترك فيه جميعاً، وهو وجودنا في هذه الدنيا, وسر دخولها دنيا الكتابة, وسر ثالث مضمن في اسمها, وعليها أن تجد سرها الرابع, في أن تكون انتصار السري.

منقولة من الميدان نت / أدب وفن...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24