الجمعة 19 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
توحش الانتهاكات ضد الأطفال في عدن
الساعة 19:17 (الرأي برس _ المشاهد)

كان والد قصي الحاجبي، يجهش بالبكاء، وهو يحمل جثة ابنه ذي العام و8 أشهر، إلى مثواه الأخير، وسط جمع غفير من الناس تملأ عيونهم دموع الغضب. قصي لقي حتفه مخنوقاً بطريقة بشعة داخل غسالة ثياب مكتوف اليدين، بعد أن ظل يصارع الموت، وقد كان مصاباً بمرض الربو.


قصي كان ضحية عنف أسري، إذ قامت خالته شقيقة والدته، بوضعه داخل غسالة الثياب لمدة طويلة، وتوفي مختنقاً، وتشير المعلومات إلى استسلامها للمخدرات التي كانت السبب في ارتكابها تلك الجريمة الشنيعة، وبدأت تتصاعد العديد من الجرائم المشابهة مؤخراً، في عدن، نتيجة انفلات الوضع الأمني، وانتشار عمليات العنف والمخدرات وحمل السلام بصورة منفلتة.


شعر المواطنون في عدن بالذهول وهم يودعون قصي، وارتسمت على ملامحهم حالة من الخوف على أولادهم، لاسيما مع زيادة عدد جرائم الاختطاف والاعتداء على الأطفال في مدينة كانت تتسم بالسلام والتعايش.  


خلال العام الحالي، تزايدت حالة الاختطاف والاغتصاب لأطفال في عدن، وكان معظم الجناة من الأقارب، نتيجة تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات وأنواع عديدة من الكحول، بعضها ينتج محلياً، وظهرت إلى الرأي العام العديد من حالات الاغتصاب والقتل والاعتداءات بأنواعها المختلفة.


يتذكر الآباء والأمهات في عدن، الجريمة التي كان ضحيتها الطفل محمد سعد مسعود (١٢ عاماً)، في رمضان الماضي، وقد عثر على جثته مقسومة نصفين بداخل كيس بلاستيكي في أحد مقالب القمامة بمديرية دار سعد شمال مدينة عدن، وكان المتهمون عصابة مكونة من 4 رجال وامرأة، قاموا باغتصاب الطفل، ومن ثم قاموا بفصل رأسه عن جسده باستخدام سكين حادة، للتخلص من الجثة. ومقتل الطفل معتز ماجد الذي توفي داخل سيارة قديمة، ولم تعرف ملابسات الجريمة حتى الآن، بالإضافة إلى قصة طفلة المعلا البالغة من العمر 10 أعوام، والتي تعرضت للاغتصاب من قبل جندي يعمل في أحد أقسام الشرطة، وهو أحد أقربائها.


قضايا أخرى هزت الرأي العام في عدن واليمن، منها قصة طفل المعلا “س.ع” الذي تعرض للاغتصاب من قبل 4 متهمين، على مدى 3 أشهر، وكانوا يهددون الطفل من خلال تصوير الاعتداء. ومقتل حفيدة عميدة كلية العلوم بجامعة عدن الدكتورة نجاة، الطفلة ليان (4 أعوام)، وإنقاذ طفل نازح من أبناء الحديدة (١٥ عاماً) تمكنت الأجهزة الأمنية في حي دار سعد من إنقاذه بعد الإبلاغ عن اختفائه مع أحد سائقي الحافلات الصغيرة، الذي حاول استدراجه واختطافه. والعشرات من قصص العنف ضد الأطفال، لم تصل إلى أجهزة الشرطة والإعلام.

غياب الردع

الناشطة الحقوقية هبة العيدروس، تحمل الأجهزة الأمنية والقضائية في عدن، مسؤولية ارتفاع عدد الجرائم في مدينة عدن، خاصة ضد الأطفال، وقالت: “أطفال عدن يتساقطون الواحد تلو الآخر، بينما الجناة لا يعاقبون”.


وأشارت في صفحتها على “فيسبوك”، إلى أن المسؤولية في ارتفاع الجريمة تتمثل في عدم تحقيق الردع من كل الأجهزة الضبطية والقضائية، وأوضحت: “أرواحنا وأطفالنا في ذمة كل مسؤول”. ويعبر الناشطون والحقوقيون عن استنكارهم للجرائم البشعة التي تحدث في مدينة عدن، مشيرين إلى أن انتشار هذه الظاهرة يثير الاستغراب والخوف والقلق، لاسيما أن ضحاياها من الأطفال في عمر الزهور، وهي جرائم غريبة عن المجتمع العدني.

الأطفال ضحايا العنف

تعرف الدراسات العلمية العنف ضد الأطفال بأنه ”كل سلوك أو تصرف يرتبط بالقوة أو الشدة أو الإساءة والعدوان موجه نحو الطفل، وينطوي على أشكال من الإيذاء البدني واللفظي أو النفسي، بما في ذلك الإهمال واللامبالاه”. وإذا ما نظرنا إلى التعريف، يتبين لنا حجم العنف الذي يتعرض له الأطفال في الأسرة والمدرسة والشارع، وفي أماكن مختلفة من المجتمع المحلي.


وتوضح الأخصائية النفسية والاجتماعية الأستاذة فتحية السروري، أنه “مع تفاقم ضغوط الأزمة الاقتصادية والأمنية في اليمن، يتعرض الأطفال بشكل عام إلى أبشع أنواع الانتهاك والعنف، تتمثل في الاختطاف والاعتداء والانتهاك، وأبشعها القتل، وهناك مجموعات تنتهك الطفولة في جرهم إلى جبهات القتال، وتسهم في قتل براءتهم وزرع لغة العنف في عقولهم”.


وأشارت السروري إلى أن “العنف ضد الأطفال أسلوب منبوذ اجتماعياً، ومجرم قانونياً، حيث إن معظم حالات الانتهاك التي تمارس ضد الأطفال، تأتي من خلال معاملة الوالدين والأهل بقسوة مع أطفالهم، من خلال استخدام الضرب والسلوك المعنف الذي ينتج عنه سلوك معاكس في حياته يؤثر على تعامله بطريقة غير مستقرة مع رفاقه في الشارع والمدرسة والمجتمع”.
وقالت: “ما نراه الآن، وما يصل إلى أسماعنا كل يوم أن الأطفال يتعرضون لوحشية يذهل لها الآباء والمجتمع، وهم يسمعون عن أطفالهم أنه تم قتلهم أو اختطافهم أو اغتصابهم، وتعرضهم إلى جرائم تنتهك حياتهم بصورة بشعة من أشخاص فاقدين لكل معاني الإنسانية في قلوبهم”.
وأشارت إلى أهمية معرفة أسباب العنف والإساءة التي يتعرض لها الأطفال، والمتمثلة في انتشار المخدرات وحمل السلاح وضعف الوازع الديني لدى بعض الأشخاص، وأن أنواع العنف التي تمارس ضد الطفل في المجتمع اليمني، تتمثل في الإهمال والإساءة الجسدية والعاطفية والجنسية، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية والأمنية الصعبة التي تمر بها البلاد. داعية “المؤسسات الاجتماعية إلى استقطاب الأطفال الذين تعرضوا للعنف في برامج تنشيطية ضمن إرشادات موجهة توعوية وثقافية، من خلال تشجيعهم في مسابقات لاكتشاف إبداعاتهم ومهاراتهم وقدراتهم العقلية، وتحريك النبوغ والذكاء فيهم للنهوض بهم لمواجهة الحياة”.

إقرأ أيضاً  قصة صحفي اضطرته الحرب لعرض كليته للبيع
قانون غير منصف

يرى الكثير من المختصين في القانون اليمني بأن ما يتضمنه قانون الجرائم والعقوبات من نصوص العقوبات في جريمة الاغتصاب للأطفال، غير منصف للضحية، ولا يسهم في ردع من تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجريمة التي تنتهك الطفولة، وتسبب شرخاً كبيراً في المنظومة الاجتماعية، والذي يكون سببها الأساسي عنفاً أسرياً واجتماعياً واقتصادياً، وأن العقوبات لم تأخذ في الاعتبار النتائج الكارثية لتلك الجرائم، وأثرها على صحة الأطفال الجسدية والنفسية الذين تعرضوا للعنف الجسدي على المدى القصير والطويل، مما يضعف قدرتهم على التعلم والاندماج في المجتمع، ويؤثر على انتقالهم إلى مرحلة البلوغ مع آثار سلبية لاحقاً في الحياة.


رئيسة مؤسسة أنصار تنمية وحماية المجتمع، الناشطة الحقوقية المحامية أقدار مختار، تقول بأن “الحروب عادة تؤثر على الواقع المعيشي الذي تعيشه البلاد في مختلف المجالات والجوانب، والمتمثلة بالجوانب الأخلاقية والاجتماعية والقانونية، حيث زادت جرائم النوع الاجتماعي كاغتصاب الأطفال في المجتمع اليمني، وذلك في ظل استمرار الفوضى الأمنية التي تعيشها البلاد، والتي أصبحت مفزعة في مجتمعنا”.


وتقول: “هناك مواد قانونية نرى من الضروري تعديل النص القانوني بصيغة قانونية أكثر إحكاماً، واستبدالها بعقوبة الإعدام والصلب لكل من يرتكب جريمة اغتصاب لشخص بالغ، والتشديد في حالة ارتكابها من قبل جانٍِ متزوج على أنثى أو ذكر لم يصل لسن البلوغ”.


وأوضحت أقدار أن القانون اليمني ينص على “متى سقط الحد الشرعي لسبب من الأسباب المقررة، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سبع سنين كل من اعتدى بالاغتصاب على أي شخص ذكراً كان أو أنثى، دون رضاه، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد عن عشر سنين، إذا ارتكب الجريمة شخصان فأكثر، أو كان الجاني من المتولين الإشراف على المجني عليه أو حمايته أو تربيته أو حراسته أو معالجته، كما تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تتجاوز خمس عشرة سنة، إذا كان سن المجني عليها لم تبلغ الرابعة عشرة، أو تسبب عن الفعل انتحار المجني عليها، ويعد اغتصاباً كل إيلاج جنسي جرى ارتكابه على شخص الغير، ذكراً كان أو أنثى، دون رضاه”.


وتعتبر المحامية أقدار أن “هذا النص القانوني فيه إجحاف كبير لحق الطفل الضحية لمثل هذه الجرائم، وتشجيع لمرتكبيها من المجرمين”.


وفي ظل انفلات أمني، ونصوص قانونية غير كافية، وغياب للوعي لدى الآباء والأمهات بأسس التربية السليمة البعيدة عن أي عنف قائم على النوع الاجتماعي، نجد العشرات من الأطفال كأرقام جديدة في قائمة الضحايا.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24