الجمعة 29 مارس 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
الدكتور سلطان - ‏محمد عبد الوهاب الشيباني‏
الساعة 19:07 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)



مع تباشير العام 1990 تعرفت علية ،وجها لوجه، في منزل العزيز ابراهيم سعيد الشيباني في شارع هائل بصنعاء ، كان ذلك قبل الوحدة بقليل. لم ازل اذكر حضوره للمقيل حاملا جزئيين من رواية "مدن الملح" للراحل الكبير عبد الرحمن منيف ،التي كانت حينها حديث المثقفين والادباء، وكانت مناسبة لي لفتح حديث معه في اول لقاء، متسلحا بجملة افكار "ساذجة" كونتها من قراءتي العجولة للعمل الروائي في تلك الفترة الباكرة .
 

قبل ذلك كنت اعرفه جيدا كمبدع كبير وشخصية وطنية عالية القيمة والدرجة، وقصائده التي غناها كبار الفنانين اليمنيين لم ازل اعتبرها ،حتى الان، حصيلة مهمة في سنوات التكوين الاولى، فمع قصيدة "نشوان" التي لحنها وغناها الراحل الكبير محمد مرشد ناجي كنا نتماهى مع الحلم السياسي القادر على تغيير الواقع ، وغدت الاغنية ايقونة للفن المقاوم للاستبداد، ومع قصائده الكثيرة التي غناها الفنان عبد الباسط عبسي ، والتي بدأت مع" عمتي " التي اعادت تلخيص موضوع الهجرة بوصفه موضوع اجتماعي واقتصادي خالص بحساسية شعرية رائدة، وتواصلت على مدى اربعة عقود مع عشرات النصوص الخلاقة مثل "عروق الورد" و"باكر ذري" و " خضبان" و " ورود نيسان" و"وراعية" وغيرها من القصائد المغناة الجميلة ، صرنا نعي ماذا تعني المتلازمة الحية بين الانسان والارض . ومع قصيدة " تَلِيم الحب في قلبي" التي لحنها وغناها الفنان ايوب طارش صرنا نبصر العاطفة وهي تتقطر شجناً شاهقاً.
 

عن تجربته الرائدة في كتابة النص الغنائي التي التمت في وقت مبكر من سنوات الثمانينيات في مجموعة اولى اسماها "هموم ايقاعية" كتبت بعد اكثر من عقد ونصف من لقائي الاول به ، اي عام 2006، عن الشيء الكثير الذي اضافته هذه التجربة لكتابة الشعر العامي في اليمن والتجديدات التي اقترحتها ، واعتبرت في القراءة التي حملت عنوان ( الصورة انزياحات لغوية وفنية) ان الصورة الشعرية في هذه التجربة تلقائية عفوية تتولد من احشاء النص ولا تُقسر عليه، وان القصيدة بشكل عام تجاوزت في بعض مراحلها حضور النص المكتوب خصيصا ليغنى ، الى تلك النصوص التي قدمها كخلاصة لتجربة ورؤية وموقف ،ومع ذلك لم تعدم مثل هذه النصوص بصورها الباذخة من الوصول الى نوتات الملحنين وحناجر المغنيين ، وكنت اعني قصيدته الطويلة " ابجدية البحر والثورة" التي صدرت هي الاخرى في كتاب ، والتي ادتها فرقة الطريق اللبنانية بعدن.
 

واذا طرقنا جزء سيروي آخر ومهم في مسيرته الرائدة ونعني الجزء النقابي ،الذي اعرفه شخصيا وتلازمت به ، وعلى وجه الخصوص عمله النقابي في اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين، سنرى كيف انه حين انتخب امينا عاما للاتحاد في المؤتمر العام الخامس ، الذي انعقد في عدن عام 1990، وكان الاتحاد يمر بلحظة مفصلية، بعد دخول البلاد مرحلة تاريخية جديدة بالوحدة، فحضر شاخصا وقويا اللاتوازن وإرث السياسة الثقيل في نشاط الاتحاد فغدا عنوانا للاحتقان الاول الذي عاشته اول مؤسسة وحدوية ، فلم يكن امام استاذنا من مفر سوى تقديم استقالته من موقعه ،حفاظا على تماسك الاتحاد واستقلاليته ، ليتفرغ للعمل السياسي ، الذي شحنته سنوات الوحدة الاولى بزخم غير معهود ، فترشح وفاز في اول انتخابات برلمانية عام 1993عن احدى دوائر مديرية الشمايتين في محافظة تعز ممثلا للحزب الاشتراكي اليمني، وظل ممثلا له عن هذه الدائرة في مجلس النواب حتى العام 1997 حين قاطع الحزب الانتخابات التالية، ولم يترشح امتثالا لقرار الحزب، الذي كان يشغل فيه موقعا قياديا متقدما . 
 

صادف في تلك الفترة انعقاد المؤتمر العام السابع للاتحاد ، الذي عاد اليه في موقع الامين المالي، دون اي غضاضة في تراتبية الموقع الادنى الذي شغله بعد ان شغل قبله بسنوات سبع موقع الامين العام، وظل في موقعه الجديد هذا حتى المؤتمر العام الثامن ، الذي انعقد في ابريل 2001، حيث عاد وتبوأ موقعا جديدا وهو نائبا للأمين العام ،وقبل تلك الفترة كان قد اسس "مركز الكناري للدراسات" واصدر مجلة "دروب" الثقافية ،التي استقطبت الى منبرها عشرات الكتاب والادباء، الذين وجدوا فيها سقفا مرتفعا لما يريدون قوله.
 

منذ الايام الاولى للتحضير للمؤتمر العام الثامن مطلع العام 2001صرت زميلا له في العمل، وتاليا في عضوية المجلس التنفيذي فصار بالنسبة لي المعلم والصديق النبيل. سافرنا كثيرا وعملنا سوية في لجان الاتحاد ، فكان يمدني بالطاقة والثبات ويفتح امامي كل درب انسد، فخبراته السياسية الكبيرة، ووعيه الثقافي والمعرفي الاصيل اضافت اليه نباهة في قراءة الاشياء بعمق ، فاكتسبت شخصيته هذا البعد البسيط المحبب، القادرة على التأثير بكل من اقترب منها.
تعلمنا منه نحن اصدقاؤه كيف نتعامل مع صروف الوقت البائس وتفاهته بشيء من التعالي والنسيان، وحتى لا يكسرنا كان يقول جابهوه بسلاح السخرية الفتاك، فكان ولم يزل يرى في السخرية انعاشا للقلب والروح. 

 

تكالبت عليه ضباع السياسة شمالا وجنوبا في مؤتمري الاتحاد التاسع 2005 والعاشر2010، لكنه ظل يحث الجميع على الحفاظ على هذه المؤسسة قوية ومستقلة، والنأي بها من استكلابات الساسة واهواء صغارها البائسين، وحين غادر للعمل كمستشار اعلامي في سفارة اليمن في القاهرة في 2012 حمل معه ايضاً هم الاتحاد ، فكان كلما سنحت لنا فرصة للتواصل كان اول سؤال يبادرني به كيف الاتحاد وكيف زملائنا في الامانة والمجلس؟! فحِمْلهُ لِهَمِ الاتحاد هو في الاصل جزء من حمولته الثقيلة لِهَمِ الوطن الذي اقام تحت جلده منذ طفولته.
 

الوطن الذي كتَبَ له وعنه اجمل القصائد ،التي تغنت بها حناجر الفنانين شمالا وجنوبا، اغرقه تجار السياسة والحروب بالدم والهتك ، فمن غير سلطان وامثاله من سيحمل عنه في تعبه الان القليل من حمولته الثقيلة، وكم سننتظر من الوقت حتى نَردَ القليل من الدَّيِن الذي علينا كيمنيين لشخص باسم وحجم الدكتور سلطان الصريمي الشاعر والرمز الاستثنائي.
سلاما عليك ايها الكبير.

 

(*)

الصور من ارشيقي للدكتور سلطان الصريمي 2007 ومعه في لقطة ثانية برفقة عبد الباري طاهر في ريف دمشق 2004 ومع الراحل هشام باشراحيل والفربي عمران في منزله بعدن 2010ومع الراحل عبد الكافي الرحبي وعدنان السقاف ومنصور هائل ومصطفي عبد الجليل في مركز الدراسات 2009

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24