الجمعة 29 مارس 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
نزوة قابيل .. لبلقيس الكبسي .. صراع الحب والحرب ! - د. فارس البيل
الساعة 18:15 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

 

تخرج هذه الرواية من بين ركام الحرب، إذ تؤرخ بزمن حاضر للصراع الدائر في اليمن، وهي من أوائل الروايات اليمنية التي تخوض في هذه الأحداث، وربما كانت الصوت النسائي السردي الذي يتصدى لتوثيق هذه المرحلة وهي ماتزال قائمة بكل معاناة اليمن واليمني المغلوب على أمره.
تنثال الرواية من عنوانها الصارخ، من الخطيئة الأولى لابن آدم، من فعل قابيل وجرمه بقتل أخيه، وكأنما ترتكز الرواية على هذه الخطيئة باعتبارها ذنب مستمر في ذرية آدم تجلب الشرور ، وتهلك الحياة وقوائم السلام فيها.
الرواية التي تنحصر في خط زمني يبدأ من العام 2015م وينتهي في عام 2018م. وهو الفضاء الزمني للرواية .. متعاورا مع الفضاء المكاني اليمن ومدينتها صنعاء وأماكن ثانوية أخرى يختطها السرد لتغذية الحدث.
والحدث فيها يقف عند المعاناة التي تقاوم فيها بطلة الرواية جراء دخول اليمن في حرب لم تنتهي، متعالقا هذا الحدث بين الحرب والحب ، وكيف أن الحب والحرب ضدان ..يجني الأول على الثاني..وكأنما هما ثيمتان تتصارعان في الحياة،  وحينما تحل الحرب يضمر الحب أو يتحول لبارود، ولو أن الحب كان أقوى لما كانت الحرب ، لكن للسياسة التي لا تعرف الحب سطوة الحرب، فالسياسة غرامها الحرب، والحب غرام السلام.

و نزوة قابيل ، الرواية التي أبدعتها الروائية والشاعرة بلقيس الكبسي، مثلت صوت الكاتبة الحي، ونداءها الداخلي لفقدها وطنا في لظى الحرب، تسجل معاناة مكشوفة ، وأزيزاً فاقعا للرصاص ، إذ صوت الرصاص والدمار هو الذي يعلو في لغة الرواية، وألفاظ الألم والدماء والخراب والدمار هي المعجم المتسيد في السرد، مع حضور مهزوم لمعجم الحب والأمل والأمنيات بالخلاص.

والرواية بهذه اللغة التي تنطق بالبارود والضحايا، تحاول سبر معاناة اليمني ، ونقل أوجاعه ، وإن كانت الروائية تدير عبر رؤيتها حركة شخوص الرواية ، وتهيمن على أدائها حتى أنها تعتمد ضمير الأنا سارداً ومتحكما في خط الحدث، وموجها لمواقف سياسية تنبع من قناعة الروائية ووجهة نظرها في أسباب الصراع ونتائج الدمار ومصير الأزمة، وهي رؤى قد يختلف معها قارئ ويتفق آخر ، لكنها في غايتها تصبو إلى رسم معاناة اليمن الأرض والإنسان وإن كانت لم تتعمق في في نوازع الحرب، أو  غذت الحدث بأسباب الحرب و غاياتها، واكتفت بموقف الناقم على كل الأطرف، المقهور من سطوة الخطيئة.
إن هذه الرواية بما تحاول أن تومئ إليه بعنوانها وشخوصها وحدثها ولغتها والزمكان فيها؛ لهي صيحة وجع، لا تقف عند بُعد السياسة التي تبنت الدمار أو على الأقل أوصلت إليه، بل في خفاياها رغبة في الحب، وانتصار لقيمه وشكوله في مقابل مخالب الحرب وشظاياها.

كيف يكون الحب في زمن الحرب، هكذا يتوالد الحدث في السرد، ويغيب لصالح صوت الرواية الأعلى الذي يضج بالحرب وخسائر الناس المادية والنفسية. 
على أن الرواية بعتباتها كما لو كانت ناشدة سلام، تنظر لكل شيء هدم استقرار اليمن وماكانت عليه قبل 2011م كعدو جر اليمن إلى المهالك.

تضيء الرواية عتبات نصية؛ في مدخل كل جزء منها، تكاد تكون هذه العتبات مفاتيح للنص، أو خلاصات له .. وقيامها بالاعتماد على الوقت السردي البلاغي مثل : " الواحدة قهرا بعد منتصف الرعب" ، لهو مزج بلاغي بين مدخل تقليدي يوثق اللحظة، لكن بركائز الرواية الملغومة بالقهر والرعب والدمار.

تبدو الرواية بلغتها السهلة والدقيقة لحد كبير ميسورة الفهم ، بتسلسل حدثي مسترسل، يضج بالفزع مما حل بالناس، ويندب حظ البحث عن حب وسط الأشلاء ودخان الدمار .

يمكن لهذه الرواية أن تنتمي لأدب الحرب،  وهي تجربة نابعة عن إلحاح داخلي بالسلام، وصوت عانى الكثير، وكانت خسائره جسيمة في النفس والمادة. وهي دعوة ايضا إلى أن لانسمع سوى عقارب ساعة الحب، الحب الذي تخطفته القذائف والصواريخ.

وبأعطاف هذه الرواية، يلتحف الحب ، مصرا على البقاء ..داعيا للغرام ، ومحرضا عليه، وإن كانت أصوات الحرب أطغى ، لكنه الحب ، يقود كل شيء ..ويتمنطق بالدلال .

___________

أكاديمي وناقد يمني 
2019/2/12م

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24