الجمعة 19 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
منصور هايل وأطياف عدن هذيان الحطب 1-2 - عبد الباري طاهر
الساعة 11:20 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

الصحفي المبدع السارد المتألق منصور هايل صحفي لامع يمتلك موهبة صحفية رائعة. يمزج بين الإبداع في الموقف وفي التعبير الرائع. كثيراً ما قرأت لمنصور، وهو ابن الثورتين اليمنيتين: سبتمبر، وأكتوبر .وهو أيضاً شاهد صادق وأمين على المالآت البائسة للثورة. شهادته السياسية عن أحداث يناير 86 من أصدق وأعمق ما كتب عن المآساة الإنسانية التي تذابح فيها الأخوة الأعداء بدون قضية أو هدف، ودمروا تجربة يسارية زاهية. استشهد في مقدمة شهادته السياسية الروعة والرائعة بمقولتين للدكتور أبو بكر السقاف، وعبد الرحمن بن خلدون،كمدخل للنص المائز والذكي.

يجمع منصور بين المقدرة على سرد يمزج بين مهارة الجملة الشعرية، وبلاغة الرؤية العميقة والشجاعة. يشخص القلم الرفيع المحنة التي شهدتها عدن في الـ 13 من يناير86. وبالمناسبة يوم الـ13 من يناير هو بداية الربيع في اليمن، لكن الإخوة الأعداء في قيادة الحزب الاشتراكي وسلطة ج. ي . د جعلوا من هذا اليوم الربيعي بداية ربيع يمطر دماً، وينبت أشلاء وجثثاً ومآسٍ تمتد في حياتنا حتى الآن، وتشوه مشاعرنا، وتدمي الضمائر. صاحب الأطياف لا رئيس له غير رأسه كما يقول. عاش قعر المآساة منذ البدء، وعايش تفاصيلها الدامية، ولم يكن مع أحد ضد الآخر. فهو قلم يقظ حي الضمير والمشاعر، دون فصول المأساة حتى لحظة الانفجار.

يشير بأصابع ضوئية إلى قصة الحسم العسكري يومها. بعد 32 عاماً ولا زالت كل اليمن تعيش مأزق الحسم؛ فهو وبال كل أطراف الحرب المعرقة.

شهوة السلطة المجنونة المهووسة بالغلبة هي فيروس العنف، والحروب المستدامة والمتناسلة. مشاهد قيامة صراع الدبابات وآلات الدمار الجهنمية اختصرت عمره، وأصابته بالشيخوخة المبكرة. وهو في ربيع العشرين يشاهد بقلبه وأم عينيه آلاف القتلى والجرحى والدمار لمدينة أحبها وتربى فيها.

الكتاب الإبداعي الصغير حجماً الواسع بمدى الرؤية وعمق المأساة يتتبع تفاصيل الحدث الكارثي الذي يطال زملاء ورفاق وأحبة يود لو يخبئهم في حدقات عينيه.

القتلة دعوا إلى وليمة يناير، وكان الهدف الأثير رقم 1 هو رأس المثقف الأديب والكاتب كتشخيص منصور.

يشيد بالنافذة التي جاء منها وفد حزب التجمع حسين عبد الرازق، وسؤاله عن الرفيق فاروق علي أحمد المعتقل والمقدم لمحاكمة ممهورة بالإعدام سلفاً. عاد حسين عبد الرازق بعد عام وزوجه فريدة النقاش، وزار فاروق الشجاع الذي عكف على كتابة رسائل لم تر النور.

كقراء يا بن هائل لست بحاجة لإقناعنا بأن رأسك رئيسك. نعرف ذلك جيداً، ولست بحاجة إلى التملق أو التزويق؛ فأنت في قلوبنا وعقولنا أكبر من ذلك كله، ونعرفك جيداً. اليمنيون مولعون بقتل رؤسائهم؛ فقد رأي مصرع ثلاثة منهم في زمن قياسي.

كتابك يا منصور روعة الصدق، وعنوان الدقة والأمانة. فيه التطهر الحقيقي، وهي التوبة الصادقة من وزر المشاهدة المسكونة بالخطر حد الموت.

يربط بين القوة والبداوة؛ فالقوة الغاشمة سلاح البدوي الوحيد الذي به يعيش ويحكم. بطل السرد الزاكي هو الشهيد فاروق على أحمد عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي التلميذ النجيب للمفكر التقدمي عبد الله عبد الرزاق باذيب

يأتي على دراما الفتح السجن الوبيل المحشو بالمئات ممن نجوا من الهلاد المبين من قيادات الحزب المتقاتلين على سلطة لا تستحق أن يقتتل في سبيلها.

يتذكر بحزن ممض رفاق دربه أحمد سالم الحنكي، وزكي بركات، وأحمد عبد الرحمن بشر، وجمال الخطيب، وعبد الله شرف سعيد، وعبد الرحمن بلجون، وإسماعيل شيباني، وفاروق رفعت، وكلهم مثقفون وأدباء وصحفيون، وهم من كوادر الدولة والحزب الذي أكل أبر وأجمل أبنائه، وتلكم بداية فصول مآساة اليوم.

كتب الشهيد فاروق أكثر من عشرين صفحة. إنها شهادته الأخيرة، بل هي وثيقة وفاة سلطة الاشتراكي حلم التطور والتقدم.

يشيد صادقاً بتجربة اتحاد الشعب الديمقراطي، ودور الوسطاء من الأحزاب الشيوعية العربية، وقادة الحركة القومية الشعبية والديمقراطية لتجنب الانزلاق إلى الهاوية التي يتسابق إليها «الطغمة»، و«الزمرة» المصطلح الذي ساد عقب كارثة يناير .
يربط بين ميلاد الفاروق وازدهار المدينة عدن ونشأة مصفاتها النفطية وعمرانها، وتكون الوعي الحداثي والاتجاهات الفكرية والسياسية والحركة النقابية العمالية، ويشير- وهو محق- أن شعار (لا صوت يعلو فوق صوت الحزب) قد حل محله (لا صوت يعلو فوق صوت الحرب).
من طرف خفي وذكي يقارن بين رواية (الجبل) لبانكرازي عن الأطفال الستة قتلى الجبل، وبين مشاهدته لقتلى 13 يناير.
يتناول رواية (الحارس في حقل الشوفان) التي ترجمها الروائي والناقد غالب هلسا، واستضافته في عدن إلى جانب سعدي يوسف الشاعر العراقي الكبير وعشرات من الشيوعيين واليساريين الهاربين من الأنظمة الفاشية في بلدانهم.
منصور قارئ جيد، وكاتب أجود. الرواية نبهته ابنته الصغيرة مريم لقراءتها. يشير إلى الشهيد أحمد سالم الحنكي الذي كان المستضيف الدائم لهؤلاء المبدعين.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24