الجمعة 19 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
"تراتيل أمازيغية" لمصطفى لغتيري رواية من وحي التاريخ - حليمة حموگة
الساعة 13:26 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


تتنوع إبداعاتات الكاتب المغربي مصطفى لغتيري، وتتوزع ما بين الفن القصصي والروائي، وقد صدر له مؤخرا كتاب في شعر الهايكو بعنوان "مالهايكو ياابي "، وان المطلع على أعماله لا يخفى عليه ملاحظة الطابع التاريخي الذي غالبا ما يكون حاضرا في رواياته، كما هو الشأن في رائعته "اسلاك شائكة"،و يطغى هذا الطابع على  روايته "تراتيل أمازيغية "أيضا الصادرة عن دار النايا بسوريا في طبيعتها الأولى وفي الدار البيضاء في طبيعتها الثانية، وقد اتخذت هذه الرواية من الأمازيغ محورا أساسيا لها ، ليقدم لنا الكاتب مزيجا من التاريخ والخيال، يأخذك الى عالم شيق، مليء بالمغامرات والمفاجآت.  
تدور أحداث هذه الرواية حول ابن ملك امازيغي يدعى "غيلاس"،كان تلميذا مواظبا لدى الحكيم "يفاو" فكان يرتشف من بحر المعرفة من لدن هذا الحكيم ،الذي كان هو الاخر يجود عليه بكل ما يعرف، فكان دائما يحدثه عن شعوب الأمازيغ المنتشرة في جميع بقاع العالم ، لكنهم متفرقون فيصبح توحيدهم حلم يداعب "غيلاس"من آن لأخر ، وقد جاء على  لسانه في الرواية "حين يحكي الحكيم كل ذلك يداعب خيالي حلم يصر علي أحيانا "
بالرغم من مرافقة "غيلاس " الدائمة "ليفاو"وفرسه "اودجاك" إلا ان حنينه لرفقة إنسانية ظل يؤرقه،  حتى تعرف على الأمير النيجيري المختطف من طرف النخاسين، فيشتريه الأمير "غيلاس"، ليس كعبد وانما كصديق  يتقاسم معه مجموعة من الصفات والخصال الحميدة، نذكر منها الشجاعة وحب الفروسية ،فقد وجد فيه  "غيلاس" الرفيق المنتظر الذي لم يجده في ابناء مملكته الذي كانوا ينافقونه الشيء الذي كان يمقته "غيلاس"، فتتوطد أواصر الصداقة بينهما، وقد دأبوا على زيارة الحكيم "يفاو" طلبا لمعرفة المزيد عن شعوب الأمازيغ، فيقرران القيام برحلة طويلة لإيمانهما القوي بأن السفر مدرسة الحياة، ولكن الناس كانوا دائما يسافرون الى الشرق  لكنهما قررا الخروج عن المألوف ويسافران الى الغرب، الذي يزعمون ان له بحر لا يعرف له احدا قرارا او حدودا ،وخلال رحلتهما ومغامرتهما هذه يهدي "اوسمان" صدفة" ل  "غيلاس" التي ستمنحه الحظ فيما بعد ، ويهيديه "غيلاس" نجمة في السماء، فيعيشان تجربة فريدة يكتشفان خلالها أشياء عجيبة ومدينة النحاس المنسية، فيعودان وقد أتقنا درس الاعتماد على الذات،  وعند عودتهما يفاجآن بموت والد"غيلاس" ،ليحين دوره لقيادة المملكة فيتوج ملكا ويتخذ من "اوسمان" وزيرا له .
وذات يوم تقترح عليه اخته" توزين"، استضافة الأميرة ابنة الملك" شيش نق"، وفي طريقها اليهم يتم اختطافها من طرف الرومان الذين اقتحموا بلاد الامازيغ من الثغور الشمالية، وأقاموا معسكرات متأهبين  للسيطرة على باقي البلاد، فيتخذ "غيلاس"مهمة استرجاع الاميرة "توسمان" فيتمكن من تحريرها وزلزلة ثقة الرومان بانفسهم، بعدما كانوا يظنون  أن الامازيغ شعب رعاة، ولا شأن له بالحنكة السياسية والتدبير العسكري .
أقام غيلاس زفاف مزدوج فتزوج هو الاميرة "توسمان "،ووزيره "اوسمان " من اخته "توزين"، ولكنهم لم ينسوا الرومان لأنهم كانوا متأكدين من أنهم لن يمروا على هذه الإهانة مرور الكرام ،فقرروا ان لا يفسحوا لهم مجالا للتأهب للحرب، فقد تسللوا الى قلعتهم مجددا فقتلوا قائدهم، وحرقوا سفنهم الشيء الذي جعل المماليك الامازيغ يرسلون اليه يهنئونه، ويعرضون عليه مساعدتهم ان احتاج لذلك، ولكنه كان يعلم بان أكثرهم يتكلمون اكثر مما يفعلون، فحلمه الدفين بتوحيد الأمازيغ لن يتحقق، فعندما أرسل الرومان رسولا لعقد الهدنة مع مملكته يفاجأ بعقد جميع المماليك الأمازيغ اتفاقات سرية مع الرومان، مفادها عدم الدخول في حرب او مناوشات عسكرية، ورغم كل هذا فان "غيلاس" رفض رفضا قطعا السلم، ومما لا ريب فيه أن قيادة الرومان لن تقف مكتوفة الايدي فحاولت اغتياله، لكن الاسلاف اختارت صديقه الذي رمي بنفسه أمامه فمات صديقه ووزيره" اوسمان "  ،فيتخذ "غيلاس"  امر الثأر من الرومان امرا شخصيا سيسعى لتحقيقه بقية حياته .
وصفوة القول، إن هذه الرواية مسعاها هو رد الاعتبار للأمازيغ، مع دعوتهم الى الاتحاد من أجل ردع أطماع العدو، وقد نال هذا العمل الابداعي اعجابي من حيث الحبكة التي كان يشوبها بعض الغموض، احيانا كما أن الكاتب اعتمد مستوى لغويا واحدا  يسود فيها من بدايتها الى نهايتها، فكانت لغة فصيحة متقنة وبسيطة، كما زودنا الكاتب بمعارف كثيرة عن الرومان وطرق تعاملهم ،كما اقرت هذه الرواية على ان الامازيغ ليس بشعب ضعيف خاضع بل شجاع وشهم، وأن تفرقهم وتشتتهم هو الذي جعل الأطماع تصوب سهامها حولهم،
 وفي الختام فان هذا العمل الروائي الذي يستقي من التاريخ وحيه، جدير بالقراءة وادعوا كل شغوف بالقراءة  للدخول غمار هذه الرحلة والاستفادة منها.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24