السبت 20 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
قراءات في أعمال الأديبة أسماء المصري - ثابت المرامي
الساعة 16:17 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


نحتفي بظهور المرأة – الكاتبة في وطننا , هذا الاحتفاء مبعثه ( ندرة الأفكار , ندرة التفكير, ندرة تحليل مجتمع يحكمه زيف الإنسانية,) وسط مشهد ثقافي ومجتمعي لازال يحترم لغة الرصاص والعنف بكل وضوح وواقع , و في هذه المناسبة , أود الشكر و التنويه بالجرأة والشجاعة للمرأة المبدعة كونها تجتاز عدة حواجز معا وبنفس الوقت لكي تسمع صوتها مبعث إحتفائها . ومبعث إحتفاءنا أيضاً,هو قراءات في أعمال القاصة أسماء المصري ..
 

و كتعريف بالكاتبة موضوع هذا الإحتفاء حيث يتوجب الإشارة إلى كونها  من مدينة  ذمار  المعروفة بكونها منطقة قبلية من الطراز الريفي الشائع , والمعروف بنظرته المتحفظة بشدة حيال ظهور المرأة وعملها بل اختلاطها بالرجال والكتابة والنشر .
المجموعه القصصية يحكى أن سيكون صدرت عام 2010 عن مكتبة البردوني العامة ونادي القصة و هو الإصدار الأول للكاتبة .
 رسمت فيه ملامح إبداعية خاصة تميزها عن المبدعات السابقات لها في العمر والتجربة ,  وفي التقنية والبناء السردي سنلاحظ نزوعا واضحا إلى النمط الحديث . تقف الكاتبة فيه – بشيء من تحفظ خجول - على مسافة واحدة من التجريب . بإستعمال الراوي العليم الأكثر شيوعا ويليه الشخص الأول ( المتكلم ) . وسنلاحظ ثانيا – إلى جانب سلامة اللغة و سلاستها - ابتعاد الكاتبة عن الإسهاب وميلها إلى العبارة الشعرية الخفيفة التي تسكب صورها في صلب موضوع ما تريد القاصة إيصاله إلى القارئ , فكانت النصوص محكمه البناء و الحجم .
تبدأ المجموعة بقصص تمتد على مدى عدة صفحات وتنتهي بمجموعة قصص قصيرة جدا عنونتها أسماء بــ ثرثرة مختصرة , تغلب عليها المفردة الشعرية الموجزة مع تغليب (الومضة ) فيما يشبه نصوص قصيدة النثر الحديثة وبهذا يتراجع السردي فيها بل يغيب لصالح الشعري كما في المثال التالي : 
الوردة الذكية 
 " كلما رأت أحداهن تقطف بسهولة , تلقى جانبا أو تسحب بعد استفراغ عبيرها .... أنبتت أشواكا أطول واستعدت ... لكي تبقى "
 وفي بعض الاقصوصات , تمتلك مقومات القصة القصيرة جدا وتتميز عن غيرها من النصوص بأن العبارة – رغم إيجازها - تدل على حدث وحبكة شديدة التركيز والعمق في الوقت ذاته , تقتنص لقطة واحدة فقط لأن عدستها تعمل في ( زوم ) يقترب كثيرا وعميقا ليلج في أغوار سايكولوجية المجتمع .

 لقد حسم الجدل الدائر حول مصطلح الأدب النسوي وأصبحنا نصنف الكثير مما يكتبه الأدباء ( الذكور ) ضمن مفرزات النسوية الحديثة بمقدار اقترابه من طرح قضية المرأة وهمها الاجتماعي و وعيها بالذات  وهنا , لا بد من العودة إلى موضوعة ( النشأة ) أو حياة القاصة كونها تعيش في وسط اجتماعي تسوده القبلية – كما نوهنا في المقدمة - التي تفرض من الحواجز على حضور المرأة أكثر من الأردية التي تلف جسمها بالكامل . يتجلى حضور المجتمع كسلطة متحكمة بوضوح من مجموع القصة المعنونة صاحب الدرهم هي التي تحاول الاقتراب من الهم النسوي وتمظهراته الاجتماعية المتكررة على أرض الواقع . ترصد أسماء ظاهرة بغيضة تشكو منها بنات جنسها كثيرا وتدعى
 ( الزواج السياحي ) . أسماء تذكر أبطالها بالاسم ( زياد وذكرى ) لتضفي على قصتها مرجعية واقعية مثلما تصور لنا الحارة الشعبية ببيوتها المزدحمة المتهالكة و تلجأ  بذكاء  إلى العامية لتعزيز رسم الشخصية المحلية : ( يا جماعة الخير ... ذكرى عتضيع مني .... ذيه جاهي بين أرجلكم ...اتصرفوا .. اعملوا أي حاجة ) . ذكرى , ضحية الأب الجشع تزوج لثري من الخليج متزوج من ثلاث قبلها ويريد الرابعة ( بيضا ومزيونة ) بمساعدة أحد سماسرة الزواج . يتوسط عاقل الحارة وأعيانها وساطة تبوء بالفشل الذريع لأن ( كازانوفا الحارة ) جيوبه خاوية متدلية الى الخارج أما الثري ( أبو ناصر ) فجيوبه – مثل كرشه – منتفخة بالنقود . 
 و سنجد في مجموعة يحكى أن سيكون أكثر من قصة تدور حول محور الهم النسوي , تجعل القارئ يبتسم ابتسامة عريضة – بل يضحك - عدة مرات بتأثير من المعالجة الكوميدية الهادفة 
مثلا من ثرثره مختصره – إتجاهات
ضبطت اتجاهاتي ..
فعندما سرت شرقاً .. وجدت رجلاً يقود حميراً
وعندما سرت غرباً ..    وجدت حماراً يقود شعباً !!

 تواصل أسماء كتابتها الإبداعية متجاوزة تلك العوائق التي عادة ما تتكاثر أمامها وأمام بنات جنسها ... وأكثرها عوائق اجتماعية ما يجعلنا نشهد ميلاد أديبه أعدت وجهزت إصدارها الثاني في نصوص ساخرة معنونه
بـــــــــ مجرور بالحسرة 
النص الساخر بيان سريً بين الكاتب والقارئ ، بين الهمّ والضحكة ، بين الوجع وصاحبه، بين القلم والممحاة , كرسائل العشّاق سرية وخجولة وبينية ، يكون البوح الهادئ فيها بين حمرة الجرح وحمرة الشفاه، بين الحرف والحرف بين الكلمة ومعناها  .. فالسخرية أدب يعبر عن حالة رفض للواقع ولكن بشكل قادر على التعبير دون الاصطدام أو خلق حالة مواجهة مباشرة مع حالة سلطه أو فكره,  هو تعبير يعني التمرد على الواقع.. وثورة فكرية ضد البديهيات التقليدية.. كانت سياسية أم اجتماعية وهي العكاز الذي يتكئ عليه الكاتب الحر المتمكن من أدوات القص والبوح الكتابي .. ليقّوم اعوجاجا في أعماق نفسه وفيمن حوله 
ومجرور بالحسرة هي  نصوص قصيرة جدا تميزت برصانة أفكارها، ومتانة بنائها وأحداثها التي جمعت بين الحبك المتين والعصف الذهني عند المتلقي. فهي لم تتمرد على تقاليد النثر الفني والقصصي بأشكاله التعبيرية المختلفة بشكل مطلق، بقدر ما التفت عليه ، باعتماد السخرية وتأثيرها  فسلطت الضوء على القيمة الأخلاقية والرسم بالكلمات لتصبح ضرب من النقد . وهذا النوع من الكتابة الساخرة هو الأصعب لكونه يتطلب لياقة نفسية عالية تفوق جلد الذات إلى التهكم  بها ، أي أن كل كاتب ساخر هو ناقد بالطبع له حضوره ورؤاه الخاصة , فمثلت نصوص المجموعة  (صفر , حرية , تضاءل , أبواب , تقديره هو , نيران صديقه , تشكيل ). ضربا من السخرية الاذعه و الذي يمكنني أن أصفها بالتنفيسي ثم العلاجي لهذه الظواهر ، بخلاف الكتاب الآخرين الذين يضعون مبضعهم على الجرح بجدية أكثر , ووصلت أعلى مراتب السخرية في المجموعة في نص (مغترب) إذ يقول 
غادرها عروساً قبل أربع سنوات 
ظل يبعث إليها بأحدث الجوالات
ليطمئنها بقرب عودته وتخفف عنها الم فراقه 
كل ليلة تنام محتضنة جوالاته الثمينة ..
واثني عشر ألف صديق !
فسخرية الكتابة تنتقل إلى تكسير جميع الحواجز اللغوية والأدبية لتكون الرسالة أقوى في نصوص أخرى تطرقت إلى العديد من المواضيع الاجتماعية العامة والخاصة التي أضحت غير ذا قيمة ، وظفت فيها العديد من التقنيات، مستلهمة طريقة الكتابة العجائبية الساخرة واللعب على التهكم، وأساليب خطاب ضمتها رحابة اللغة والصور التي كانت تتراص، جاعلة من المعنى مقصدا وهدفا من خلال التلاعب بالمصطلح وتنويع أغراضه. كما تم توظيف السخرية بنزعة انتقاديه تذهب إلى الأشياء بطريقة المواربة وفيها كثير من الفن اللاذع الذي يحاولاً بكل ما يملكه من براعة وقوة محاربة الظواهر السلبية والأخطاء المعششة في المجتمع . 
وبهذه النصوص أتاحت القاصة أسماء المصري بمجموعتها القصصية مجرور بالحسرة الفرصة لمعالجة قضية الاتصال الفني  بين الكاتب والمتلقي , بفن مائي يتسرب إلى فنون القول والتهكم على الواقع بشكل مميز ومحبب لدى المتلقي بكوميديا سوداء تعكس أوجاع المواطن السياسية والاجتماعية وتقدمها بقالب ساخر ترسم الدهشة على الوجه وتضع خنجرا في القلب حول ما يجري . والكاتب الساخر هو من يحول الألم إلى إبداع. يوظف قلمه بشكل جيد وساخر دون أن يقع في المحظور الاجتماعي والسياسي والديني مكوناً خلطة سرية بين اللغة والمفردة والحكاية  واصطياد المفارقة في المشهد الأدبي كنكتة شفوية ، أو كاريكاتير ناقداً، أو نصاً ساخراً يوصل المعنى كما أراده مؤلفه ..
يقول جبران خليل جبران  في هذا الصدد: "هذا العالم..صعب وخائن ولا يطاق.يجب أن يمتلك الإنسان سلاح السخرية وبقوة لكي يستطيع أن يحاربه حتى الموت".
تقاصي
الكتابة عبودية جميلة وحسب تعبير (ماريوس فارغاس يوسا) هي “نفخ وهم في حياة حقيقية ضمن القصص التي يرويها” الكاتب. ولملاحقة هذا الوهم اللعين اللذيذ وهذه العبودية الجميلة انتظمنا نلاحق  العديد من التجارب الأدبية في المشهد الثقافي اليمني، ونجاح هذه التجارب  في تكوين مريدين وعشاق أدب وكتاب,  ومن هؤلاء الكتاب الشباب القاصة أسماء المصري والتي  دخلت موسمها الأدبي الثالث بمجموعتها القصصية الجديدة (تقاصي ) 
وتضم تسعة نصوص مختارة بعناية  (الطاولة , رؤيا , لا أشبهني , أحمد المحظوظ , عبث , تذكرتان , كلمات , الأخرس , ارحل)  
 تم اختيار السرد في نصوصها بين السرد الواقعي والبسيط الذي يحمل في طياته معاني كثيرة تتنوع ثيمها حسب توجه الكاتبة وإيصالها المعنى للقارئ ، ورغم اختلاف الأسلوب في إصدارات القاصة السابقة , إلا أن  القصص تتماهى في السرد البسيط الجميل واللغة الجدلى وتنبئ عن مواهبه روائيه أصيلة قادمة 
لذلك نصوص تقاصي تتميز بالتنوّع والأصالة وتعطي فكرة عن لونها السردي والأدبي المتفرد والخاص الذي يميّزها عن غيرها .
قصص متنوعة الفكره تنتقل بنا إلى عالم السرمدية ثمّ الواقعية، وتطوحنا في أفق الخيال الواسع فنحلق بجناح الأدب إلى مناخات ومساحات وسماوات فكر ، وننفتح بلغة قص جميلة بسيطة على عذابات الكائن البشري وأفراحه وخياناته وشره وخيره وصراعه وكفاحه، من أجل إثباث جدارته بهذه الحياة المتناقضة. الكائن البشري هو إذن مركز الكتابة والكون مهما اختلفت التعبيرات والأساليب.
تدخل بنا الكاتبة عبر عالم القص الجميل إلى تفاصيل الحياة اليومية بلغه بسيطة و تفاصيل موحية تنبع من نهر الفكر الراقي وتصب في بحر الحياة الواسع فتتحول الـ”صورة” إلى صور مجازية كثيرة تتوسّد التخييل وتتوسّل بحركات وصفية وأسلوب السهل الممتنع  وتنساب الحكاية جميلة على بساطتها.
تمتدّ حكايات أسماء في المجموعة من قصه إلى آخرى لتنحت لنا مادة لغوية أدبية فنية تستبطن حياتنا وصورنا المرسومة في القاع عبر الإبداع، فيحس القارئ أنه أمام حياته وتفاصيله وأشيائه وذكرياته وعذاباته وأفراحه دونما أدنى إحساس بالملل. إنها لذة القص والكتابة التي تهبنا حيوات كثيرة، وتبعثنا من جديد كلما قتلنا الواقع المتكلس والبالي , إنها لذة الإبداع التي تزرع فينا سنابل المحبة وبذور التفاؤل، و كان ذلك عبر قراءات في كتابات أسماء المصري ..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24