الجمعة 19 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
أحذية ورمال قراءة في العنونة والنهايات - علي أحمد عبده قاسم
الساعة 12:56 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

العنونة علامة سيميائية أولتها الدراسات مؤخرا أهمية كبرى لأنها تعد عتبة أولى لدخول النص وهي انعكاس لفهم الكاتب لمضمون خطابه وتكشف قدرات المبدع النقدية فضلا عن القدرات الكتابية والرسالة التي يريد إرسالها وأهميتها تأتي بوصفها لافتة إشهارية النص وتختزل المضمون والعنوان لاسيما والعنوان شفرة ملغزة أو صورة تأثيرية أو لغوية مؤثرة أو إشارات بعلامات للمضامين والخطاب العام النص العنونة تنير المتلقي لمضامين النص والنسيج الداخلي وتخلق حوارامابين المتلقي والنص.
وبالنظر لعنوان المجموعة القصصية القصيرة جدا " أحذية ورمال" للقاص مروان الشريفي يلحظ المتلقي أن العنوان جاء متعاطفا وتكون من نكرتين" أحذية" وهي تلك الوسيلة التي.تقي الأقدام من الأذى وتحميها من البرد وتستخدم للحماية والزينة معا ومن وظائفها حماية القدمين الأوساخ وتترك أثرا في الأرض وجاء نكرة للعموم وعدم التحديد وهي معادل رمزي لحقيقة يريد الخطاب نقلها للمتلقي والتحقير أهم دلالة فالحذاء مهما ارتفع ثمنه يظل حذاء وعطف عليه الرمال ليشير للأثر الذي تتركه على الأرض وتمحي سريعا خاصة والرمل متحرك وغير مستقر ومابين الحذاء والرمل أثر يحتاج لمقتف للأثر والأحذية أحقر وأسفل المقتنيات بوصفها تقي الأذى سواء كان نجسا أو قاذورات مؤذية للإنسان وتقع في الأرض وقد لاتدركه العين.ليشير العنوان إلى صراع مابين الأرض والإنسان لاسيما والرمال لاترسم من الإنسان سوى أقدامه وهي عقيمه فالرمال رمز للعقم والجدب والضياع وعدم العطاء 

 

وجاء كلمة " حذاء" باللون الأسود لتشير للون الحذاء ورمز للزمن وللحقيقة التي يعكسها النص وجاء كلمة الرمال باللون الأصفر ليعكس لون للموت والعقم والضياع وعدم العطاء واللون الأسود رمز لليل والظلام والوحشة والاستبداد ومن صورة الغلاف ولون الكلمات يعكس دلالة الصراع مابين الحياة والإنسان فالأحذية معادلات موضوعية لحقائق حياتية ومن دلالة العنوان أيضا طرفي صراع كما أظن لاسيما ومحور خطاب النصوص في المجموعة الحرب والمآسي. 
ففي نص " انتظار " يعكس النص صورة المجاعة جراء الحرب حين تسلي الأم أطفالها بقدر فارغة على النار" أمام خيمتها المهترئة على قدر فارغة ، تنظر بعينين غائرتين نحو أطفالها ، اندهشت وقد امتلأ المكان بضحكاتهم ،همس أحدهم لقد تأخر علينا عمر" 

 

ساعود لدراسة النص في المحور الذي يخصه بوصف ملفت كثيرا ومثيرا جدا ويتناول قضية وطن هي مجاعة الطفولة 
والذي أود الإشارة إليه وتكون الدراسة فنية للنصوص من البدايات للنهايات والخصائص فإن الجدبد واللافت في هذه المجموعة عنونة نصوصها حيث جاءت محترفة وملتزمة بالعنونة الحديثة التي تختزل نسيج وتثير المتلقي للدخول لعالم النص الداخلي فلم تكن مفضوحة مكشوفة مباشرة كما جرت العادة في المجموعات التي جرت قلبها في المشهد اليمني فلم تكن عنونة المجموعة كلمة من النص أو جزءا من بل كانت أيقونات تختزل خطاب النص بوصف خصائص العنوان.التلغيز والإثارة والجذب فتوفر معظم ذلك في عنونة المجموعة الداخلية فلم يرشد القاص المتلقي لمضمون النص وخطابه مما يؤكد قدرات قصصية وإبداعية نقدية لدى الكاتب فعلى سبيل المثال لا الحصر" نص هدف آخر " والذي جاء كما يلي" كل يوم أتسلل إلى بستان منزلهم ، نتبادل الحديث، تحكي عن شوقها إلى مجئ الصباح وإنها صارت تحبني كثيرا؛ كالعادة أنظر نحو تلك الفاكهة التي قارب موعد حصادها"ص53

 

فلم يكن العنوان فاكهة ليكون مشكوفا مفضوحا وسيكون النص واقعيا خبريا وليس قصة لكن الغاية والهدف من اللقاء هو الزواج رغم الانتظار فالفاكهة التي حان حصادها معادل رمزي لنضج الحبيبة التي حان قطافها ولقد قرأت أكثر من مجموعة يمنية صدرت قبل لم أجد عنونة راقت لي كمثل عنونة هذه المجموعة إلا مايكاد يشار له بأصبع واحد.
 

ولأن الققج تتكون من البداية والجسد والنهاية فالدراسة ستعرج على النهاية والقفلة بوصفها خاصية فنية تعكس قدرات القاص وثقافته أو تعكس إخفاقه في كتابة النص القصير جدا والقفلة هي المباغتة التي تهز المتلقي وتخرج النص عن الواقعية والخبرية إلى السردية الفنية والقفلة عملية فنية قد يعجز عن خلقها القاص وفي بعض الأحيان تأتي من البعض تعسفية حين يخضعها النص بشكل قسري النص فمن الضروري أن تكون النهاية جزءا لايتجزأ من من بنية النص بوصفها مناط السرد وهي مرتكز التأويل وبالنظر لنص " حرب" يلحظ المتلقي النهاية الساخرة التي تعكس دلالات التوبيخ والاستهزاء.
 

" ناديت رجلا عجوزا تابط ذراعيه صحيفة إخبارية ،طلبت من النسخة المتبقية، توقف فجأة، جال ببصره في أرجاء المكان ، نظر ساخرا؛ ألا يكفيك ماتشاهده أمامك"ص21

جاء المفارقة ساخرة مابين الرغبة في متابعة الأخبار وواقع الراوي الذي هو أصل الخبر بما فيه من يكفي للصمت.
والذي أعيبه على النص الحشو في قوله" نظر" ساخرا فقد أضعف النص كثيرا وقلل من آفاق التأويل.

 

ومن النهايات في المجموعة نهاية مشهدية مأساوية ترسم الواقع المؤلم الذي اعتاد الوحشية وتحولت الصورة تلك إلى أمور اعتيادية لاتختلف عن الطبيعي المتواجد في الحياة وبالنظر للنص الذي جاء بعنوان حياة. والذي يقول:" أصوات الباعة ترتفع ، روائح القهوة تعانق الجدران، أطفال على جانبي الرصيف يلعبون، رجل المرور ينظم حركة السير وسط الشارع عامل يجمع بقايا أشلاء متفحمة بلا إكتراث" 
 

من الملاحظ أن القاص أسهب في الوصف وهذا لايتناسب كثيرا مع النص القصير جدا فذلك يعد من خصائص القصة القصيرة جدا إلا أن النهاية مشهدية مفتوحة ترسم حياة الناس والمجتمع ليعكس صورة لحياة الناس المتعبة والمأساوية حيث أصبح الموت جزءا من حياتهم اليومية بل اعتادوا عليه فتحول اللامألوف مألوفا وتحول السوق لصورة للموت وفوضت الحياة اللاطبيعية نفسها في واقع الناس المعاش ليأتي بدلالة المعاناة وصراع الخير والشر والموت والحياة وتلك هي قضية وطن محترب يحيا وسط الأشلاء والتفحم فكانت جملة" بلا اكتراث " صورة لنهاية صادمة حيث أصبح الناس يعتادون الموت وتحولت الأشلاء لنفايات يجمعها عامل النظافة.بلا التفات للموت أو التفات فقد تحول لأمر طبيعي في حياة الناس اليومية. 
 

ويأتي نص جيل جديد بذات النهاية حيث حيث أن الأطفال يتلاعبون بجمجمة آدمية كرة قدم بين أقدامهم 
فتلك النهاية تعكس صورة للتحدي وفي الوقت نفسه ترسم أن الأطفال أصابتهم الوحشية بمقتل فالجيل الجديد سيشب على الوحشية ويحيا متأثرا.بها وقد تتحول سلوكا في حياتهم المستقبلية وفي الوقت نفسه هو محروم من اللعب في المتنزهات المخصصة لممارسة تلك اللعبة بفعل الحرب ولعل الوحشية واستلاب شيئا من آدميتهم سيفضي لجيل متوحش بلا رحمة متأثرا بكثافة الموت التي تحيط به.
وجاء بعض النهايات رمزية مضمرة تشكل مع البداية والنهاية خطابا سرديا رحبا فيه الكثبر من آفاق التأويل التي ليست محدودة فضلا عن مناقشة قضايا عميقة في المجتمع" الجزار الوسيم أكل إناث الحارة، وجدته غاضبا بعد أن تقدم لخطبة إحداهن فرفضه أبوها، حين سألته: هل تحبك؟ 
- نعم: وكنت أهديها كل صباح قطعة لحم" ص54
النهاية ساخرة جدا فهي تستهجن الرفض من قبل الأب وتستهحن السؤال نفسه 
والرمزية ترسم خصوصية العلاقة بين المحب والحبيبة بإسلوب فقطعة اللحم تسخر من العادات والتقاليد وتسخر من الفوارق الطبقية والحرفية ومن المجتمع فقطعة اللحم ترسم وتشير لمستويات العلاقة السرية بين المحب والحبيبة وإلى أين وصلت فضلا عن مناقشة العادات والمستويات الطبقية والاحتقار على أساس الحرفة.
فالنهاية ساخرة رمزية عميقة والنص مكثف جدا 

 

وجاءت المجموعة بالنهاية التناصية وهي تلك النهاية التي تتضمن معنى قرآنيا أو دلالة مناقضة لنص ما تأخذه بمعنى جديد ففي نص" حكومة" تحلت تلك النهاية باقتدار 
" في اجتماع طارئ للحكومة نظر في الوجوه متسائلا: كم لبث؟
- رد الحضور يوما أوبعض يوم ، اصطحبه أحدهم للشرفة مبددا شكه هامسا في أذنه.انظر لم يتسنه.
النهاية تناصية ترسم غباء الشعوب واستمرارية استغلالها من قبل الحكام 
ويحيل النص لقصة حمار عزير والطعام الذي لم يتغير رغم مرور قرن من الزمان ليشير أن الشعوب رغم استمرارية استبدادها لم تتغير ولم تتغيير مازالت تهتف بالروح بالدم للحاكم على الرغم أن الحاكم لم يعد يعرف أو يميز المدة التي حكم فيها فالحمار يحيل لغباء الشعوب والطعام الذي يحيل لفكر الشعوب التي لم تتغير رغم الاستبداد. 

 

ومن خلال تصفح المجموعة وجدت النهاية الإشارية الملغزة والتي تسخر من الزيف واستغلال أحلام وتطلعات الناس ففي نص " مأساة" جاءت النهاية تتصادم مع مضمون النص ورسالته حتى يتمكن من فك شفرة النص" وقغت وحيدة بعد أن رحل الجميع لاشئ حولها سوى أطلال أشارت بيدها المشوهة نحو عدسة الكاميرا. من هنا مر الربيع" ص25
من خلال النهاية وبنى النص يلحظ أن النص يرسم استغلال الناس بالتطلعات والأحلام فثمة من يمني الشعوب والصادقين بالتغيير والتحول ومن ثم يأتي الخذلان " وقفت وحيدة ، حولها أطلال" لتشير الجملتان للخذلان والدمار الذي لحق بكل شئ جراء استغلال الناس والصادقين خصوصا " أشارت بيدها لعدسة الكامير" أن الأعلام هو من روج للتغيير والتحول فقط والواقع غير فاستغلال البسطاء والثورات لم إلا في عدسات الكاميرات والواقع دمار والصادق،مشوه أو مقتول فهناك متاجرة بإحلام وتطلعاتهم والذي روج لذلك عدسة الكاميرات فعدسة رمز للزيف والفتنة فلم يكن الربيع سوى ربيع إعلامي فقط.

 

ولأن التكثيف من أهم الخصائص النص القصير جدا بحيث تكون الجملة والكلمة مفتوحة متعددة التأويل مشحونة بكثير من الدلالات فالكلمة والجملة توجز دلالات لامحدودة والنص القصير غير قابل للزيادة والنقصان أو الحذف من كلماته أو التكرار وهو نص غير قابل للسرد والوصف المسهب فذلك في القصة القصيرة جدا وحين تأملت المجموعة لاحظت أنها تتفاوت في هذه الخاصية فهناك نصوص مكثفة كثيرا ومحترفة أكثر مماينبغي وهناك نصوص تحتاج للتكثيف أو يعوزها التكثيف وهنا لا أقلل من أهمية من المجموعة ولا أقلل من اقتدار القاص ولكني أبحث عن الاكتمال وسأذكر بعض النصوص على سبيل المثال لا الحصر فمن النصوص التي كثر فيها التفاصيل والوصف هو " جيل جديد"
كنا أربعة تحت ضوء الشمس المتسرب من بين خلايا شفافة 
حلقة دائرية لوضعية جلوسنا تتوسطنا نار تأكل بقايا سقف دمرته الحرب.
- قال أحدهم: طالت الحرب 
- قال ثان: لم أعد أتذكر وجه مدينتي الجميل.

-ثالثنا: يصرخ من جانبي أي صديق ذكرى استشهاده غدا؟
لم أعرهم اهتمامي فماسمعته سخيفا مقابل ماأشاهد 
أطفال يلعبون بجمجمة آدمية."ص10
النهاية مدهشة جدا مباغتة لكن الوصف والتفاصيل للمكان والزمان والجلسة والشخوص كان بإمكان القاص تكثيفها فلو حذفت الحوارين الأخيرين ماتغير من القصة ومن مضمونها شيء ولو حذفنا من لم أعرهم اهتمامي 
أطفال يلعبون بجمجمة آدمية لم يتغير مضمون النص. 
وبالمقابل هناك نصوص مكثفة حد الاقتدار والسرعة كلمح البصر كنص " في شاطئ البحر"
" صادفت عجوزا على ملامحه الحزن 
- سألته ماسر دلك؟
أشار نحو شبكة علق بخيوطها حذاء طفل صغبر"
هذا النص مكثف سريع موجع لماح بعيد عن المباشرة بصعوبة أن تستغني عن كلمة وهو يناقش قضية التشرد والبحث عن الحياة داخل الموت والأنسانية واللاإنسانية أنه من أروع النصوص التي قرأت وهناك الكثير من النصوص المكثفة والتي تمتلك خصائص النص القصير جدا ومنها 
" زوجة، حارس المقبرة ، تغيير وغيرها.

 

المجموعة مجموعة تستحق الدراسة والتأمل والبحث والندوات فهي نص جديد في المشهد اليمني غير مدع للقص القصير جدا يضاف إلى جانبها منجز القليل من الشباب منهم انتصار السري في مجموعتها صلاة في حضن الماء وغيرهم ممن نلاقح مع المشهد العربي 
تعتبر المجموعة إضافة جديدة بل منجز نوعي للققح في المشهد اليمني السردي خاصة في القصة القصيرة جدا.

منقولة من مجلة أبجديات..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24