السبت 20 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
قراءة نقدية في ديوان "أبجدية امرأة" تهجي الأحلام ورؤى الذات - علي أحمد عبده قاسم
الساعة 18:25 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

شكل النص النسوي ظاهرة ملفتة منذ الستينيات من القرن المنصرم وخاض جدلا واسعا هذا المصطلح في الوسط النقدي والكتابي حتى فرض نفسه كجنس أدبي له خصوصياته وله خطابه وقضاياه وسط الإبداع عموما خاصة عندما اعتنقه الشباب وبدأوا يكتبون فيه وأسلوبه ونهحه يشكل للمرأة ويتيح التعبير عن مشاعرها وأحلامها بطريقة تلائمها وبلا قيود 
وفي اليمن برزت المرأة االمبدعة بشكل ملفت في شتى الأجناس الأدبية منافسة ترسم قضاياها وكينوتها وصورتها وصوتها من خلال الإبداع والحرف وبين أيدينا ديوان " أبجدية امرأة ... إلى رجل يقرأني" للشاعرة اليمنية / أحلام الدميني.
الديوان انقسم إلى قسمين: 
- ومضات شعرية واشتمل على أربع وسبعين ومضة شعرية

- احتوى الديوان على مائة وخمس وعشرين قصيدة بمائتين وخمس وعشرين صفحة من القطع المتوسط.

-أولا العنوان: العنوان ثريا الهداية للنص وللديوان وهو اللافتة الجاذبة التي تعتبر لوحة إشهارية للديوان وللمضامين والخطاب عموما وبالنظر للعنوان فإن الأبجدية هي: بدايات التهجي وبدايات النطق للحروف وهي الأحرف للغة ورموز اللغة والتواصل الأبجدية التفاهم وتشكل سلسلة الخطاب بل الأبجدية هي وعاء الفكر وعاء المعاني ولكن الأبجدية هنا بدايات الشعرية وهي معادل رمزي للكتابة وللشعر وللظهور وهي أبجدية الإصدار وبدايات الخروج للنور وتكون الأبجدية معادل رمزي للحب بوصف أن العنوان محدد إلى فهو رسالة للرجل وليس الذي يجيد القراءة والاستيعاب للمرأة فثمة تحديد وقصر للرسالة فهي أبجدية لرجل وليس ذكر فكل الرجال وليس كل الذكور رجال فالعنوان محدد ويرغب بتوصيل الرسالة للرجل الذي يجيد قراءة المرأة للرجل فقط،
فحين تقول:

" الأبجدية أمراة 
والحياة امرأة 
والحب أمرأة"
وبذلك لم تبق للآخر شيئا فقد حصرت الحياة والعلم والحب في المرأة فقط على سبيل الاعتزاز بالذات وربما الغرور وذلك لإثبات فاعليتها وتأثيرها في الحياة والمجتمع فثمة مبالغة كبيرة في النص حين حصرت الأبجدية في المرأة والحياة والحب فلم تبق للرجل شيئا فالنص متمرد يرغب بالخروج من القوانين الإجتماعية والعادات للحرية فإذا كانت الحياة امراة ففيه نوع من التخصيص المستفز فكان يجب تسويغ الخطاب الأبجدية أنثى والحياة أنثى والحب امرأة بينما الحب ذكر 
وبالعودة للعنوان يلحظ المتلقي أنه مكون من جملتين" أبجدية امرأة في الحب" فالأبجدية هي مرآة لصورة الحب والذي هو الديوان والشعر والكتابة والعنوان لافت كثيرا ولكن ولو كان العنوان " أبجدية امرأة" فقط لكان العنوان أكثر إثارة لأن التخصيص الذي يفهم المتلقي يقلل من إثارة العنوان فهل الديوان خطاب للرجل فقط؟ بالتأكيد لا وتخصيص الأبجدية للرجل فيه أمران 
- تحديد الرجل دون فيه،نوع من السخرية من بقية الرجال والذي اعتبرهم خطاب العنوان ذكور وفيه نوع من الغرور والاعتداد بالنفس وفيه تعالٍ فكل الذكور في أمية حب غير قادرين على قراءة هذه المرأة أو النساء عموما.

- أن العنوان كشف النص وفضحه ولم يترك للمتلقي آفاقا للتأويل فالأبجدية في الحب فقط ومرسلة إلى رجل متعلم مستنير في عواطف مشاعر المرأة فكان يجب أن يكون العنوان " أبجدية امرأة" ففي هذا العنوان تواضع وتكثيف واختزال خاصة وخطاب المرأة عموما هو رسالة للرجل بالأساس فلا توجد ضرورة لتحديد الرجل لاسيما والأبجدية ستتعدد من خلال في خطاب الديوان المتعدد بين صفحات والنصوص داخل الديوان ولأني أتحدث عن العنونة ففي عنونة كل نصوص الديوان الداخلية فقد كانت مكشوفة مفضوحة وجاءت كلمات من النصوص والعنوان ليس جزءا من النص وليس كلمة من النص العنونة تلغيز وتشفير وأثارة وجذب ودعوة للمتلقي لأن يتأمل النص ويخوض عوالمه الداخلية دون فضح أو كشف أو إرشاد للمتلقي.

ثانيا الومضات الشعرية: الومضة تنقسم إلى عدة أقسام منها الشعرية والسردية والأخيرة منها الققج والومضة القصصية التي لاتزبد عن ثمان كلمات.
أما الومضة الشعرية فهي تلك التوقيعة أو االقفشة لمشهد وتأتي بإسلوب سريع مكثف ومختزل ومنها الومضات الشعرية الهايكو والذي هو عبارة عن مقاطع صوتية لاتزيد من ثلاثة لسبعة مترابطة مدهشة تتصل بالطبيعة.
ولأننا في الومضات الشعرية فأنها تلك اللقطات والمشاهد والتي تأتي كقفشات وتوقيعات مكثفة جاءت عند رواد قصيدة النثر وترسم موقفا ذاتيا أو مشهدا حياتيا.جاءت الومضات عند أدونيس والماغوط وغيرهم وربمالا تختلف الومضات الشعرية عن الهايكو غير أن للهايكو له شكل لايخرج عنه ومن الضرورة بمكان أن يكون الهايكو مشهدا لكن المجازية هي قد خاصية الومضة الشعرية وكذلك الهايكو.
مما جاء في الديوان من ومضات

" احتسوا نبيذ الصباح 
المتساقط 
من أشعة الشمس
لأثمل من همس الشوق
وحدي" ص21

هذه الومضة لمشهد الشروق بصورة مكثفة وبمفارقة فالاحتساء للجميع لكن السكر والثمل لأشواق الذات وحدها 
تميزت الومضة بحسن اللقطة للمشهد وصدق المشاعر.
العيب التعليل لأن الومضة نص قصير لايحتمل التعليل ولايحتمل الحشو فقد تكرر الجر والمجرور مرتين.
جاءت الومضة الثانية بمفارقات نفسية حركية حركية مابين التنفس والاختتاق والجهل بالحب والمعرفة للعشق ليكون النص جدلية وتكثيفا ويفتح آفاقا للتأويل غير محدودة ومفتوحة على كل القراءات

"لم أعرف الإملاء في العشق 
فكتبت " الهوى" هواء"
وتنفسك" ص22
النص ذاتي أكثر من عميق أعاقه التعليل والعطف في " فكتبت،و تنفسك"

تأتي ومضة شعرية ترسم الصراع بين الرجل والأنثى والاستغلال للمشاعر بمشهد ذاتي ساخر

"كما يوهمني أن حبه قدري 
كما توهم القزمة للآخرين 
إنها طويلة بارتدائها الكعب العالي" ص 23
النص ساخر جدا لممارسة استغلال المشاعر فالنص يعكس دلالة أن المرأة شبت عن الطوق وأصبحت طويلة الفكر عميقة الإدراك رغم ارتدائها الكعب العالي.وهذا متمرد ثائر خارج عن العادات وعن،الضعف والعجز 
النص في كثير من الحشو وهذا لايليق أبدا بالومضة الشعرية لإنها سرعة وتكثيف واختزال وقفلة مباغتة " يوهمني، توهم ، أن ، إنها ،كما"
والمفترض يكون كالتالي:
"يوهمني أن حبه قدري
رسم القزمة للآخرين 
بارتدائها الكعب العالي 
طويلة."
ليكون خال من أي تكرار أو حشو يمكن الاستغناء عنه.

ثالثا السردية: حفلت القصيدة العربية عموما والقصيدة الحديثة بالسردية والوقائع والأحداث والشحوص بصورة درامية مشهدية ملفتة واختفت النص النسوي بذلك سواء من حلال الرمز أو استخدام عناصر القص وفي ثنايا الديوان شكلت السردية علامة مميزة في بعض النصوص رغم مباشرتها لاسيما والسردية تحتاج للعمق والترميز والانتقالات والمشاهد ليكون النص أكثر عمقا وجذبا وتشويقا من تلك النصوص التالي:

" خبأت أصابعها بالفرح 
زينت جسدها بنقشات الحناء 
مليئة بملامح الزفاف 
رحل عنها 
قبل أن يرحل ويغادر أصابعها"ص54

النص أشبه أو أقرب للقصة القصيرة جدا بوصفه امتلك الحبكة السريعة والقفلة المباغتة والحدث والفكرة. وهو نص يتناول من خلال المفارقة بين الفرح والخديعة استغلال المرأة وهو مضمون يرسم المرأة بصورة الوفاء والضحية أو البطل المعطي مقابل الجحود والنكران 
هذه السرية بالوحدة الموضوعية عكست سردية أكثر من الشعرية وهذا لايمنع في النص الحديث بوصف ذلك تعبيرا عن التحديث في الجديد 
ويأتي نص سردي آخر أكثر شاعرية وأكثر حوارا وصراعا في ضمن نصوص الديوان والذي يقول:

"يتبادلان الحوار 
بالصمت المبين 
ويمتلئ الصدى بالنغمات 
حتى لمحو مايحفظه أحدهم 
من سورة الغضب 
يكفي أن يستخدم الطرف الآخر 
القبلات"ص210

من خلال عنوان النص يلحظ المتلقي الدرامية " مونولوج"
والذي يعني الصورة أو اللقطة الراحلة في ذاكرة الماضي والعودة للحاضر بصورة متجركة يلحظها المتلقي" يتبادلان الحوار" بصمت مبين في الملامح والإشارات ومشهد الصورة فيه صورة الغضب أو ملامح الغضب وهذه ذروة الأحداث ليخلص المشهد بنهاية سعيدة تبادل القبلات 
فالنص تميز بالغموض والرمزية والمشهدية والأحداث المتصاعدة وحوارية وخلا النص من المباشرة وهذه خصائص ينبغي أن يمتيز بها النص الشعري ليكون عميفا ملفتا

- رابعا الحب والجسد.
شكل الجسد في النص النسوي المرتكز الأساس الذي انطلقت منه كتابة المرأة ولم يعد الجسد ذلك الوعاء الذي يستغله الرجل بل هو كينونة لها فاعليتها وتأثيرها في جميع المجالات فهو المكان الخصب الثري الذي يعطي ويبدع وينافس ويتمرد ويثور وينتج وله الحق أن يواكب الحياة بندية مع الطرف الآخر الرجل ولم تعد في هامش الذكورية التي وضعتها بها وحددتها فخرجت منها المرأة وكسرت المحرم في المؤسسات الإجتماعية وغيرها وكتبت بجرأة منطلقة من أحلامها وطموحاتها يترافق هذا مع الحب والحلم بحياة مستقرة هانئة.وكل تلك المضامين جاءت في خطاب الديوان.

" لم يكتف بما أكله قلبه من وجهي وجسدي 
في اللوحة 
قام وقال: ألهذا الحد ياسيدتي 
أثناء الكتابة ظلك جميل؟ والتفت لأرى ظلي 
سرق قلبي"ص94

المنجز النسوي ملفت وجذاب فالمرأة تكتب ذاتها وتكتب بمصداقية مؤثرة فيتفاعل المتلقي مع النص لعذوبته خاصة والمرأة ترتكز على مشاعر جسدها الرقيق برمزية ووتشفير وغموض لتصل بنا لحالة من التصالح معها لاسيما وهي تؤسس لحلمها بالتصالح مع ذاتها والمجتمع كما تريد هي لا كما يراد لها وفي النص عكس مضمون ورؤية أن المرأة مخلصة للحب وأن كان الرجل يميل للعلاقة الجنسية وهي تميل للعلاقة الخلاقة والعلاقة الصادقة بحب رومانسي صادق ويتضح ذلك من خلال النص وهذه جدلية وتناقض أن المرأة تميل للحب الصادق المخلص والرجل يميل للرغبات فقط لكن في هذا النص رسمت المرأة علاقة متوازنة وإن سرق قلبها وظلها.

شكل الحب في النص خطابا كثيفا في معظم النصوص وكان هذا الحب أو العلاقة العاطفية بالرجل هو حلمها وسبب الارتقاء بالمرأة لمستويات كبيرة من المشاعر وهو وسيلة رقيها وتهميشها وسبب تعاستها وغوايتها.

"حبك آيات الصمت
والبوح والنجوى 
أخذت كل الفكر 
ألا أرشدني 
لإتجاه القبلة" ص96

النص يرسم حالة من الغواية التي بلغت حد التيه والضلال وهنا لم يتناول النص التأثير بشكل مباشر وملموس بل بشكل التأثير النفسي الذي ترسب بالذات حد الضلال والجنون وعدم التمييز فتحولت المرأة رمزا للحب ورمزا للرقة ورمزا للاستسلام من قبل الرجل.
ففي الكتابة النسوية تحلم المرأة أن تجعل من الرجل امتلاكا وهي ذائبة فيه وفي كسر للعادات والمحرمات حين تكتب المرأة بجرأة لتصل لحلمها وهو حلم تحاول المرأة أن ترسم بتلك المرأة المثال القادرة على غواية الرجل ومتلاكه في آن واحد.

"بعضه لي 
والبعض منشغل بي 
وثلثه الأخير اختزاليتة 
في الأحلام
حتى إذا اشتغل الشوق 
نثرته بين السطور 
دون سابق إنذار" 98
فالرؤية في النص تعكس أنها المرأة المثال والمرأة الحلم والتي تريد الرجل المثال والوطن الذي يكون مملكتها حلما بكل التفاصيل وبكل الجهات امتلاكا لها وإن تعثر وجوده نثرته سطورا ليظل حلما جميلا في الخيال 
الكتابة بالجسد ثورة تمرد تحدث الصدمة في المتلقي وتكسر هيمنة الذكورية والانعتاق بتحقيق الأحلام.

" لم تعد هيبة الرجل 
ووسامته تغري 
امرأة ذات فكر وإحساس 
فالجمال قد تبدد" 
ثورة بكل وضوح بشعار الفكر وتحقيق الأحلام بطريقة ترسم المرأة لا الذكور والمجمتع 
فالنص يريد أن يبتعد أن تكون المرأة هي الضحية ولم تعلم أن المرأة والرجل ضحايا 
بعضهما.
وايضا أن المرأة تفر من الخيبات والصدمات محاولة تحقيق ذاتها بمنهج ترسمه هي فالكتابة بالجسد إيقونات وإشارات ثرية تحاول المرأة أن تتحرر الهميمنة الذكورية وتكرر فكر المجتمع بإعادة صياغة النظرة بطريقة حضارية وعصرية وتنبذ الفكر المتوارث 
" ليس ذنبي 
إن صارت أبجديتي بكماء وناديتك أشواق روحي 
لأنك أصم الحنين 
ليس ذنبي"ص195 
من قراءة الديوان يمكن استخلاص الآتي:
- نجحت الشاعرة في الومضات الشعرية لحد بعيد بوصفها فنا جديدا على النص الشعري اليمني وأن تميزت بالحشو فبالإمكان الحذف منها 
- العنوان موفق لكنه طويل جدا فضح مضامين الديوان حين خصص للرجل 
- تميزت النصوص بالسردية والتكثيف خاصة القصيرة بنهايات مدهشة ومشاهد مترابطة. 
- العنونة الداخلية للنصوص مكشوفة ومفضوحة ولم يجد المتلقي عنوانا مثيرا يتضمن نسيج. الداخلي فليس العنوان كلمة من النص أو جزءا وهذا ليس عندها فقط بل في الغالب والأعم في نصوص المبدعين اليمنيين.
- جاءت النصوص الشعرية متواكبة مع النص النسوي العربي من حيث الرؤى والمضامين فهي تخرج معها من مشكاة واحدة 
- سيطرة الأنا في الخطاب الشعري سيطرة تامة وهذا شئ سائد في النص النسوي العربي عموما بوصف المرأة ترغب بإثبات ذاتها وتحقيق أحلامها بوضوح ودون مواربة ليتناسب الأنا مع خطاب المرأة الذي يتضمنها النص النسوي وإن كان الاستتار وراء الغائب أفضل ويتعدد فيه التأويل لكن المرأة من خلال ضمير الأنا تتبرز ذاتها وكينونتها و ايضا الخطاب بضمير يحيل النص لخاطرة وبوح.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24