الخميس 28 مارس 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
(الذات المغايرة والانزياحات الاستبدالية في المجموعة القصصية القصيرة جدا (للفرح عمرٌ واحد)للقاص/زيد عبدالباري سفيان) - عبدالفتاح إسماعيل
الساعة 10:18 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

مقدمة:
ظهرت ال(ق.ق.ج)منذ تسعينات القرن الماضي استجابة لمجموعة من الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية المعقدة والمتشابكة،،والتي أقلقت الإنسان، وماتزال تقلقه وتزعجه ولاتترك له نعيم الاحساس بالتروّي والتأمل والاستقرار.
فـ (ق.ق.ج) هي نوع حديث من الأدب القصصي الذي انتشر في الفترة المعاصرة بشكل أوسع وأصبح نوعا سرديا قائما بحد ذاته ، يمتاز بقصر الحجم والإيحاء، والتكثيف ، والنزعة القصصية الموجزة ذات الرمزية المباشرة وغير المباشرة ،فضلا عن خاصية التلميح والاقتضاب والتجريب والنفَس الجمالي القصير المرسوم بالحركية والتوتر وتأزم المواقف ، بالإضافة إلى سمات الحذف والاختزال والإضمار.. .فهذا الخطاب الفني الجديد القائم على التصوير البلاغي الذي يتجاوز السرد المباشر الى ماهو بياني ومجازي ضمن بلاغة الانزياح، والخرق الجمالي، والمغايرة، فاليوم نسبر أغوار هذه المجموعة الـ(ق.ق.ج) (للفرح عمر واحد) للقاص/زيد سفيان. من خلال تناول أهم مقوماتها السّردية من أحداث وشخصيات وفضاءات وبنية تقنية ،وصيغ اسلوبية بمحمولات مرجعية انتقادية قوامها التهكم والأسلبة والتهجين والتكرار الساخر والإيجاز المكثف الذي يعبر عن ذات ساردة حذرة مغايرةتنزاح للجدل وللتوتر والاستبدال .

_ فقد بدأ القاص مجموعته بتعرية الواقع ونسفه من أول وهله ، ففي الـ(ق.ق.ج)رقم (1) المعنونة بـ(جدران) فالسجين يهرب من سجنه عبر نافذة رسمها سجين آخر بعد أن غافل السجان، لكن السجين يعود أدراجه عندماوجد نفسه في مجتمع الخيبات والظلم والقهر الاجتماعي، فعاد إلى سجنه ليرسم ظلا ومشنقة.

_ وفي الـ(ق.ق.ج)رقم(25) المعنونة ب (بعدم) فقد افاض الحلم بصيرورة جدلية متشبثة بالانزياحات، فمَن كان يوما مخلصا وآمل ، بات سببا للانهيار والخذلان عندما تنتظر عينان تلفك بالحنو والحب، فجأة تكون عدما وكابوسا يجبرك على الهرب من أي منفد للطوارئ للتو.

_ أما في الـ(ق.ق.ج) رقم (35)المعنونة بـ(مقايضة) يصور القاص العملية الديمقراطية في الوطن العربي بالصفقة ، فالصوت الانتخابي مقابل رغيف الخبز في حالة شديدة من التهكم والسخرية، ونقد هذا الواقع الديكوري بأسلوب كاركاتوري وبإيجاز مكثف ، وتوظيف المستويات اللغوية المختلفة من أجل خلق نص يفضح ويعري هذه الأنظمة الديناصورية التي تعبث بريفنا الجميل، وخبزنا اليومي، وماءنا الضروري..

_ أما في قصته رقم (100)المعنونة بـ(حلم عصفور) فقد تحولت هذه الـ(ق.ق.ج) إلى لوحة تشكيلية سريالية البوح، تجريدية التصوير، واقعية الحركة، فالخروج القسري من اللوحة عاريا هو تلذذ بالخيبةوالتردي وتآكل الذات ، بكل صورها تحاول استبدال حلم لاينزاح لخلاصها كونها تعيش في أرض الخراب الشاسعة وتحلم بضفة نهر آمنه للتأمل والتوحد مع كل ماهو جميل وبهي..
_وفي الـ(ق.ق.ج) المعنونة بـ(شرف) حالة شديدة من الإيحاء والتلميح لايدركه إلا العارفون بالنص ، ساندها اختيار دقيق للكلمات والجمل والنفَس الجمالي القصير المرسوم بالتوتر والتأزم والقدرة الهائلة على الاختزال والإضمار .

فالقاص عمل على تصوير الشرف(شرف المرأة)من خلال الرواسب الرثة في الوعي الجمعي للمجتمع الشرقي. فالمجتمع الذي يستفزه نهدا امرأة ، وملابسها الداخلية في حبل الغسيل ، هو مجتمع السطحية، والابتذال، والتقزز.

فالشرف أيقونة الحب ، وكل العدل ، وضمير الإنسان ، فعندما يتخلى مجتمع الخيبات عن زواج الصغيرات والزواج بأنواعه السياسي ،والسياحي ، *وفرند* . ويعطي المرأة حقها الطبيعي في الميراث والوجود والحياة. والأنسنه ، يكون بذلك قد حافظ على شرفهاوكيانها وكينونتها ، وروحها المشرقة بالخير والجمال والحب.

_ وعموما الكاتب استطاع أن يجد له مكان بين رواد القصة القصيرة جدا في اليمن ، حيث تعتبر هذه المجموعة تجربة يستلهمها كثير من كتاب هذا الجنس الأدبي الجديد .
فقد سعى القاص جاهدا إلى الإحاطة بأركان الـ(ق.ق.ج)
ومعاييرها الكيفية والكمية وخصائصها الدلالية.ولكن بالمقابل وحتى نكون أكثر موضوعية وجدية يجب أن نشير إلى إشكالات في طيات هذه المجموعة . فالقاص قد وقع في تطويل تشبيك الأحداث حد الإطناب والحشو في بعض قصصه .
كما أن هناك بعض العناوين لقصصه القصيرة جدا تفقد الخاتمة صدمتها وتوهجها الزاخر المحير.. .ناهيك عن انفلات زمام الوحدة الموضوعية للفكرة في بعض قصصه الـ(ق.ق.ج) بما يوحي بأفكار مبعثرة ورؤى مشتتة تغيب الفكرة الرئيسة للنص، حيث تفقده عناصر هامة كالديمومة والتجسيد الإحيائي والانزياح والتخييل..

================

صنعاء 13/11/2019.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24