الثلاثاء 23 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
لمحة موجزة عن الصورة الفنية - طارق السكري
الساعة 12:48 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

اسمحوا لي أن أقف معكم حول موضوع هو في الحقيقة محل اشتغالي ألا وهو موضوع الصورة الفنية .

• ماهي الصورة الفنية ؟
• لماذا الحديث عن الصورة الفنية ؟

الصورة الفنية هي طريقة من طرق التعبير الجمالي الفني .. أن تنقل المعاني المجردة إلى معانٍ محسَّة ، أن تعبّر عن رأيك بأسلوب لغوي غير عادي ، يدخل فيه عنصر الخيال كعنصر أساسي ، فتكون الكلمة أو السياق على غير المعهود الذي تواطئ الناس وتعارفوا عليه . فنحن لدينا عناصر الطبيعة في هذا الكون المترامي الأطراف لها وظائف تقوم بعملها وفق السنن التي خلقت بها : الشمس تشرق في الصباح ، في الليل يعم الظلام ، الزهرة لها عطر فواح ، الجبال من الجمادات التي لاتتحرك وليس لها مدركات حسية أو عقلية ... الخ كل هذا له وجود عينيَّ لها وجود ذهنيّ لها وجود لفظيّ لها وجود كتابيّ . لكنّ هذه العناصر في العمل الشعري أو الإبداعي تأخذ طبائع جديدة
فالرياح تصبح شاخصة على هيئة خيّاط كما في معلقة امرئ القيس :
فتُوضِحَ فالمِقْراةِ لمْ يَعفُ رسمها .. لِمَا نَسَجَتها مِن جنوبٍ وشمألِ
والخيل يصبح شاخصا في صوة صديق حميم كما في معلقة عنترة :
هَلاّ سألتِ الخيل يابنةَ مالكٍ .. إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
يخْبركِ مَن شَهِد الوقيعةَ أنني .. أغشى الوغى وأعفُّ عند المغنمِ
والمركب يصبح شخاصا في هيئة إنسان صاحب خلق كما عند المتنبي في مدح أمير :
طَرِبتْ مراكبنا فخِلْنا أنها .. لولا حياء شاقها رقصت بنا
والألفاظ والأنهار تصبح مجسَّمةً في هيئة أوراق أو قطع قماش كما في أثر الفراشة لمحمود درويش : ستقول لا ، وتمزق الألفاظ والنهر البطيء.
والأرض تصبح شاخصة في هيئة أم حنون كما عند عبد الله عبد الوهاب نعمان :
هيَ أرضي زرعت لي في فمي
بسمةَ الخيرِ ونابَ الضيغمِ
والبحر يصبح متمثلا في هيئة إنسان يستمع شكاوى الناس كما عند مطران :
شاكٍ إلى البحر اضطرابَ خواطري .. فيجيبني برياحهِ الهوجاءِ
كل هذا وغيره من الصور في النص الشعري أو الأدبي يحدث اهتزازا في المشاعر ويتسبب في إحداث لذة عقلية نتيجة هذا الكون الخياليّ الغرائبيّ مما يشي بقدرة الشاعر على الانتباه لخصائص الأشياء من حولنا ، ولاندماجه في واقعه ولإحساسه النفسي العالي وذوقه الجمالي اللغويّ الراقي وقدرته على الرسم ولكن ليس بالألوان وإنما بالكلمات ، فيعرض للعيان لوحة زاهية بديعة ، تتنفس وتعج بالحركة .. الهدف منها التأثير والإقناع إضافة إلى التزيين والمتعة .

 

• من أين جاء مصطلح الصورة الفنية ؟
برز مصطلح الصورة الفنية في القرن التاسع عشر كما تفيد الكثير من الدراسات رغم أن طبيعة الصورة الفنية من حيث الدلالة مركوزة في طبيعة الإنسان وفي أصل اللغة فصور الأحداث وردود الأفعال ، تنعكس على ذاتك من خلال الرموز التي تهجم عليه في مناماتك .
 

• نتحدث عن الصورة الفنية لعدة أسباب :
• أننا كائنات شوق .. نعشق الجمال .. ونحب أن نعبر عن مشاعرنا وأفكارنا بطريقة جميلة كالموسيقى والرسم والغناء والكتابة .. يدفعنا إلى ذلك طبع غالب ، خلقنا به وفطرنا عليه ، فالإنسان حيوان مجازي كما قيل ولأن المجاز نشاط ذهني قبل أن يكون نشاطا لغويا .
• أننا نحب أن نعيش أجواء هذا النص الجماليّ ، وأن نتملّاه جيداً ونقف عند مفرداته ، وأن نتفهم حالة الشاعر ، وأن نتفهم أسرار الرموز التي تركها الشاعر لنا في نصه كما لو أنه ترك كنزا فأخفاه من خلال مجازاته واستعاراته وأساطيره وعلينا أن نبحث عنه . فالشاعر عرّاف كل الأزمنة كما يقول الدكتور عبدالاله الصائغ .
• أن نتفهم سر وجودنا من خلال ما تثيره قراءة النص من أفكار ورؤى ، فالحقائق تظل خامدة بلا حياة هامدة بلا حركة لاتكشف عن نفسها ولايبرز ما تنطوي عليه من أسرار مالم يتم التنقيب الجاد عنها والبحث والدراسة الجادة وحتى يكون ذلك كذلك ، فلابد أن تتيقظ ملكات الشعور والخيال أولاً التي تتلخص في : القناعة . إن توجيه السلوك ينبع من تلك القوى والطاقات الجمالية التي تقبع في منطقة الخيال لذا كانت دراسة الصورة الفنية مهمة للغاية .

 

• محاذير الصورة :
• ليست عدسة خيال الشاعر كعدسة الكاميرا الفوتوغرافية وإن كانت خاصية : الالتقاط خاصية مشتركة بينهما يتجلى ذلك في :
• عدسة الكاميرا تنظر المشهد الطبيعي كما هو وتلتقطه كما هو ، فهو نقل حسي بلا إضافات ولا زيادات .
• عدسة خيال الشاعر تنظر إلى المشهد الطبيعي نظرة مختلفة ، وتقوم بتخزينه بطريقة مختلفة ، وتعرضه بطريقة مختلفة .
• وهنا يكمن الفرق بين الشاعر التقليدي والشاعر المعاصر ! الشاعر التقليدي ينظر إلى الصورة الفنية من أجل الزينة والمتعة الجمالية .. يستخدمها من أجل توكيد المعنى وزيادة الإيضاح كما هو تعريف الصورة ( البيان ) في كتب البلاغة ، أما الشاعر المعاصر فهو ينظر إلى الصورة كأداة بناء ووسيلة تعبير يهدف من ورائها إلى الإقناع والتأثير كما أشار الدكتور نعيم اليافي ( تطور الصورة الفنية ) .
• القصيدة التقليدية تعمد إلى الصور القريبة من الذاكرة فتنقلها على الورق لذلك فصورها : جزئية .
• القصيدة الحديثة تنقل الصور القريبة إلى الذاكرة البعيدة ، فتختلط بالأفكار والرؤى والوشائج والأعصاب ، فلا تخرج للأوراق مفككة أو غلافا كماليّاً بل تخرج والفكرة معاً بناء معماريا شعريا متيناً واحدا وهو ما عرف بالوحدة العضوية أو الصورة الكلية فخصائصها أقوى وأنضج بالطبع .

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24