الجمعة 19 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
لآخر بوصفه عكس صورته النمطية
مقاربة لانطباعات البعثة الدانماركية عن أهل تهامة -6 - علوان الجيلاني
الساعة 16:56 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)



أخطأء في وصف تهامة وتاريخها
 

أ‌- مملاحظات تتعلق بالمادة التاريخية.
من خلال المادة التي يقدمها كتاب (توركيل هانسن) من (كوبنهاجن إلى صنعاء) ترجمة الأستاذ/ محمد أحمد الرعدي إصدار مركز الدراسات والبحوث اليمني –صنعاء 1983م..
نلاحظ أولاً :أن هناك أخطاءً معرفية تتعلق باليمن، معظم تلك الأخطاء ليس مرجعها –كما فهمت أنا شخصياً - الرسائل والملاحظات التي كتبها أعضاء البعثه والكتابات التي أنجزها نيبور .. فيما بعد، وإنما سببها تعالم الكاتب (توركيل هانسن) الذي أعاد صياغة وترميم معالم رحلة تلك البعثة ولم يخلها خاصة في توطئاته للفصول من اتكاءات واسعة على خياله ومعايراته.
-ففي توطئته للفصل الثالث من القسم الخامس من الكتاب.
-يحدد تهامة بأنها تمتد من المخا إلى اللحية .. ويذكر أن اللحية هي الميناء الشمالي لليمن ص211.
كما يذكر ضمن استعراضه لتاريخ العربية السعيدة من بين ما يذكر (أن المحمد يين أرسلوا فرسانهم القساة إلى السهل التهامي الصحراوى)ص216.
وهذا يعني أن الكاتب الذي ألف كتابه في ستينيات القرن العشرين.. كان يظن أن الحدود الشمالية لليمن حين مجيء البعثة الدانمركية هي الحدود القائمة اليوم بين اليمن والسعودية .. ولم يخطر بباله أن نفوذ اليمن آنذاك كان يمتد في أصقاع الشام من تهامة إلى ما وراء حلي بن يعقوب أي أبعد من اللحية شمالاً بحوالي أربعمائة كيلو متر..
كما يعني أن الكاتب لم يكن يعرف أن النبي محمداً ومعظم أصحابه وخلفاءه الذين حكموا بعده كانوا كلهم من أبناء تهامه .. وأن المنطقة التهامية التي أرسلوا فرسانهم إليها هي منطقة الأعلاب من تهامة وهي تقع بين الطائف والبحر الأحمر جنوب مكة بقليل وكان ذلك أثناء حروب الردة.
ب-ملاحظات تتعلق بالمناخ:
كان وصول أعضاء البعثة إلى تهامة في الشتاء (29/ديسمبر). وغادروها عند نهاية الربيع( 24إبريل) .. وهي فترة لا ينزل فيها المطر بتهامة إلا في السنوات التي يكثر فيها المطر بشكل استثنائي لأن أمطار تهامة تسقط في أغلب مواسمها بين( 18يوليو و30 نوفمبر سواء كثرت الأمطار أو قلت ولعل الفترة التي قضتها البعثة في تهامة كانت خالية تماماً من المطر كما هو طبيعي في معظم السنوات وقد سجل أعضاء البعثة أو بعضهم انطباعه عن ذلك وجعله حكماً عاماً لجميع أيام السنة أو لعل الكاتب (توركيل هانسن) قرأ تلك الملاحظات وبنى عليها حكماً من خياله فجاء النص كما يلي (وتمر القافلة في طريقها في الصحراء بمدينة بيت الفقيه حيث تهب الرياح الشمالية على الرمال دون أن تلتقي في سيرها بورقة واحدة من العشب ، فخلال هبوط الأمطار في فصل الصيف على المناطق الجبلية ، لا تنزل قطرة واحدة على تهامة حيث تشتد الحرارة لدرجة أن السيول التي تسببها الأمطار في الجبال والتي تنحدر نحو تهامة تلتهمها الرمال كلية، قبل أن تصل إلى أي مكان بالقرب من البحر . وفي الشتاء نجد أن الهواء في تهامة جاف وخفيف ولكنه في الصيف رغم انعدام الأمطار يصبح رطباً وغير صحي ، ويحس الناس أثناءه أنهم في حمام بخار ويشعرون بالفتور أكثر وأكثر من شهر لآخر مع عدم القدرة على تناول الطعام ، ودون وجود ما يطفئون به عطشهم من ماء الشرب ص217-218 .
ج- ملاحظات تتعلق بالأخطاء المعرفية
- الأخطاء المعرفية أيضاً نجدها في التوطئة للفصل الرابع حين كان المؤلف يصف رحلة أعضاء البعثة من اللحية إلى بيت الفقيه – فقد رجع الكاتب إلى ما كتبه الرحالة الأوروبيون خلال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين عن بدو الصحراء في نجد وشمال الجزيرة العربية من مثل الرحالة الإنجليزي (تشالس دوتي) الذي اخترق تلك الصحاري ونشر سنة 1888م كتاباً دون فيه ملاحظاته عن الظواهر الجوية وتغيرات الجو وطبائع البدو وحياتهم الاجتماعية وطرق تفكيرهم).. ومن مثل المغامر (فلبي) فأنت حين تقرأ ما دبجه في التوطئة لذلك الفصل .. عن العربي ابن الصحراء الذي يستيقظ قبل شروق الشمس ليشعل النار ويجلس القرفصاء بجانبها يدخن غليونه وينتظر أن تغلي قهوته التي وضعها على النار وحين تصبح القهوة جاهزة يصبها ويقدمها إلى الآخرين في أقداح صغيرة لا يسمح كل منها إلا بجرعة واحدة.. وتعاد الأقداح بعد الانتهاء من شرب ما فيها لتملأ من جديد.. وهكذا مرات عديدة وفي هذا يتجلى أحد معاني التقاليد العربية في الضيافة ذلك أن تقديم قدح كبير مفعم قد لا يكون لائقاً وقد يكون في هذا ما معناه إليك هذا أيها الضيف اشربه وارحل .. ويمر وقتٌ ليس بالقصير والضيف لا يزال ممسكاً بكأسه الفارغ قبل إعادته ليملأ من جديد وقرص الشمس يرتفع في عنان السماء ، ثم ينعطف إلى الغرب ليلحق بالأفق المنخفض، ثم يغيب في رعشة هذه هي حياة الصحراء، لا جديد فيها غير هذا لا طيور تغني لطلوع الشمس، ولا شجر يتحرك مع هبوب الرياح ، ولا يقطع السكون المخيم إلا صوت الإنسان، وكأن كل الأشياء الخاصة . لا شيء هنا إلا صوت الإنسان في الصمت المطبق، وآثار أقدامه على الرمال الدافئة ، وحتى هذه الأشياء حين نمعن التفكير فيها، سرعان ما تختفي ويصبح الإنسان هنا لا شيء. لكن الإنسان العربي غير مفتون بالأشياء الصغيرة والعرب يعيشون حياتهم كما يشربون القهوة، قانعين بمصة منها بين الفينة والأخرى إنهم ضيوف القدر، ومن العدل أن لا ينتظرون منه أن يصب الكثير من الثروات في الأواني التي يرفعونها إليه . فلو أعطاهم الكثير من الثروات، وأمرهم بعدئذ أن يتركوه وشأنها فإن هذا لا يتناسب مع تقاليد الضيافة العربية إن التعريف الوحيد لحياة الصحراء، هو أنها حياة الفاقة)ص231-232.
فهي كما نرى تصورات خاطئة تناقض ما ذكره قبلاً حين وصف رحلة فورسكال إلى وادي مور عن وفرة النباتات وتناقض ما نعرفه نحن عن بلادنا (تهامة) من وفرة نباتات وهياج (غابات).
مرةً أخرى ستواجهنا تصورات هانسن الخاطئة عن تهامة عندما يصف أن الإطمئان دفع نيبور وبورنفاليد في اللحية إلى عزف بعض الألحان الأوروبية على الكمنجة فهو يعقب على ذلك بقوله: يا ترى ماذا كانت تلك الألحان التي كانا يعزفانها في تلك الساحة المحاطة بالحيطان الطينية المنخفظة بتلك المدينة العربية السعيدة الرابضة في الصحراء ؟ص224.أي صحراء هذه؟!!!!!
لقد جاءت تلك البعثة إلى اليمن في زحمة الاهتمام بالتاريخ القديم ورغم أن جزءً من اهتماماتها.. كان اقتناء المخطوطات ووصف حالة السكان الاجتماعية مثل حالة تعدد الزوجات واحتمالية علاقة ذلك باللا توازن إحصائياً بين الجنسين) داراسموندن(الرحلة العربية)
إلا أن هذا الجانب لم يظهر كثيراً في هذا الكتاب .. وربما أن هذا مطروق بشكل واسع في المذكرات والرسائل والملاحظات التي سجلها أعضاء البعثة .. ولم يتم نشرها هناك وقد تكون نشرت أو نشر بعضها خاصة لنيبور وفورسكال ولكننا لم نبذل جهداً في ترجمتها كما أننا لم نحاول التعرف على قائمة النباتات التي أُخِذَ جزء كبير منها من اليمن يقول دارسموندن في مقاله الرحلة العربية أن هناك مجاميع ( تظم نباتات، حيوانات ، مشاهدات، خرائط، رسومات، ومخطوطات شرقية، جزءٌ كبيرة منها، لا يزال موجوداً حتى الآن، في المتحف النباتي، (معشبة فورسكال) التي تضم حوالي ألف وثمانمائة عينة (لا شك أن جزءً كبيراً منها أخذ من اليمن من تهامة وجبال ريمة وما جاورها) فروسكال يقول إنه حصل من وادي مور فقط على (أكثر من مائة نموذج جديد من النبات) الكتاب ص223 ناهيك عما جمعوه من جبال ريمة وما جاورها وحواز تهامة وهي أكثر تنوعاً نباتياً بكل تأكيد.
كما توجد أشياء مما جمعته الرحلة في المتحف الوطني في قسم الأنتيك والأثنوغرافيا والعملات والميداليات كما يوجد في المكتبة الملكية في قسم الدراسات الشرقية واليهودية (مقالة راسمونسن الرحلة العربية)

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24