الجمعة 19 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
الآخر بوصفه عكس صورته النمطية
مقاربة لانطباعات البعثة الدانماركية عن أهل تهامة -8 - علوان الجيلاني
الساعة 13:53 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)



مجتمع اللحية
البعثة التي زود أعضاؤها بمجموعة كبيرة من المعلومات المتعلقة بتزمت المسلمين وتحفظهم وانغلاقهم ومجموعة كبيرة موازية من التعليمات الصارمة المتعلقة بضرورة احترام خصوصية السكان المسلمين في اليمن وعدم الإساءة إلى مشاعرهم الدينية أو خصوصياتهم الاجتماعية أو إثارة حفائظهم، وجدت نفسها تغرق منذهلة في بحر من الودِ والانفتاح والطيبة بمجرد أن وصل أعضاؤها إلى اللحية.
لقد فؤجئوا منذ البداية أن حاكم المدينةالامير فرحان يرسل اليهم ترحيبه مع ربان السفينه ثم وجدوا احد التجار يتولى استقبالهم ويقدم لهم أحد منازله بعد أن سهل لهم كل إجراءات الدخوال ..ثم فاجأهم الأمير مرة أخرى حين أرسل لهم كبشاً مع رجاء حار أن يكونوا ضيوفه.مع إخبارهم بأن في استطاعتهم أن يظلوا في اللحية إلى حين يشاؤن في أمان وسلام.
ولكن الذي فاجأهم أكثر تنافس حاكم المدينة والتاجر الذي استقبلهم على دفع أجرة السفينة التي ركبوها من جدة إلى اللحية.. وقد دفع كل ذلك نيبور إلى أن يتساءل في مذكراته: ( إن كان يمكن أن يفعل الأوروبيون لمسافرين عرب في أي مكان من أوروبا مثل هذا) ص229.
ولم تكن أوروبا وحدها حاضرة في المقارنة بل كانت البلدان الأخرى التي مروا بها فهذه الحفاوة لم يجدوا شيئاً منها في مصر مثلاً ..ص219.
في اليوم الثاني قد م لهم الحاكم فرحان مفاجأة أخرى حين أمر بدخول كل صناديقهم دون تفتيش أو فتح لأي صندوق..ويصور نيبور .. دهشة المواطنين وإعجابهم بالآلات التي أحضرتها البعثة معها.. المنظار المكبر، والتلسكوب الذي يعرض الأشياء مقلوبة .. وأثناء ذلك نعرف أن أبناء اللحية رغم حب الاستطلاع والفضول الذي أبدوه تجاه أعضاء البعثة كانوا قد احتكوا جيداً بالأوروبين، ولكن أولئك الذين كانوا يحتكون بهم سابقاً أو دائماً لم يكونوا مثل هؤلاء بل كانوا تجاراً يأتون في الغالب من الهند، فبعد أن عرض لهم فورسكال قملة أثارت ذهولهم .. إذ كانت مكبرة بالمنظار وبدت لهم شيئاً مهولاً تقاطروا على رؤيته دون أن يفطنوا لسببه بدأوا يتكلمون عن اختلاف هؤلاء الناس عن الأوروبيين الذين ألفوهم.. يقول نيبور ( وفي الحال شاع في المدينة أننا لا نشبه في شيء التجار الأوروبيين الواصلين من الهند الذين اعتادوا من وقت الآخر أن ينزلوا في الليحة واعتقد الأهالي أننا مهتمون بالقمل أكثر من اهتمامنا بالسكان ) وبناء عليه جاءهم أحد المواطنين في اليوم الثاني بملئ كفه قملاً لبيعه لهم)ص220.
ويبدو من وصف أهل اللحية أنهم كانوا مجتمعاً منفتحاً جداً على الغرباء.. لا يتحفظ منهم ولا يستريب فيهم .. فقد تقاطر أهل المدينة على طبيب البعثة كرامر بعد أن قدم شربة مسهلة لأحد موظفي الجمرك من سكان المدينة وكلهم يريد تلك الشربة.
وعندما تسامع أهل المدينة أن أعضاء البعثة يعزفون في الليل الحاناً أوروبية على الكمنجية طلبهم أحد التجار المسنين ليأتوا إليه ويعزفوا في بيته .. ولكنهم رفضوا . فقد أفهمتهم المعلومات والتعاليم التي عبئت بها أوراقهم ورؤسهم قبل أن تنطلق رحلتهم أن المسلمين لا يحترمون الموسيقى .. وهذه وقفة تضعنا أمام حالين متقابلين يشكل تقابلهما مفارقة لافتة :
- حال أعضاء البعثة الدانماركية وهو حال متصف بالانفتاح والليبرالية والمغامرة والرغبة في الاكتشاف يتحفظ ويتوجس ويترك لمرجعياته الثقافية أن تتحكم فيه.
- وحال أهل اللحية وهو حال متصف بالانغلاق والتحفظ والتخلف والتعصب الديني.. ولكنه يفعل العكس مما هو متصور عنه تماماً .
وبالفعل فإن ذلك التاجر المسن بعد أن خافوا من المجيئ إليه بادر هو بالمجيئ إليهم ، وقد أتى إليهم على حماره مستنداً على خادمين له.. لكي يسمع موسيقاهم ويتحدث معهم عن الشرق وأوروبا والمسيحية والإسلام .ص225
بل إن ذلك التاجر الذي يبلغ الثامنة والثمانين من عمره.ليتماهى أكثر مما يمكن أن يتوقعوا في انفتاحه معهم، فهو يفتح لهم سراديب سيريته الذاتية وقصصه مع الجواري ويدهشهم بحديثه الصريح مع طبيب البعثة عن رغبته في الحصول على مقويات جنسية.ص225
وموضوع طلب المقويات الجنسية طرقه آخرون من أبناء اللحية مع ذلك الطبيب وأرادوا أيضاً الحصول عليه الأمر الذي أكد عند أعضاء البعثة انفتاح أهل المدينة وعدم تحفظهم حتى علق نيبور على ذلك بالقول (أين يجد المرء بلداً على ظهر هذه الأرض يشكو مرضاه بوضوح وصراحة نفس هذه المشاكل ). ص226
أعضاء البعثة أيضاً لاحظوا احترام أهل اللحية لمهمتهم .. وعدم ميلهم لمضايقة الغرباء ومزاحمتهم أو التلصص عليهم .. أو إعاقة عملهم بأي وجه من الوجوه. فعندما بدأ نيبور عمله من أجل معاينة المدينة ووصفها من الناحية التأريخية والجغرافية والتجارية.. لاحظ أنه لأول مرة منذ بدء الرحلة يستخدم آلته الفلكية دون إزعاج من أحد – ودون أن يعرض نفسه للهجوم من أحد..ص222
ولاحظ فورسكال أن الهنود البانيان كانوا يشكلون جالية كبيرة في المدينة ، وقارن تجنبهم حتى لقتل الحشرة بسبب إيمانهم بتناسخ الأرواح بعادة الثأر عند المسلمين .. التي تجعل ليس القاتل وحده مهدداً بل كل أسرته. ص222-223

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24