الجمعة 29 مارس 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
قراءة في رواية (طريق مولى مطر) لعمار باطويل - أ.د. مسعود عمشوش
الساعة 14:13 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

تطرح الرواية الثالثة لعمار باطويل (طريق مولى مطر، دار ثقافة للنشر والتوزيع، أبو ظبي 2019)، عددا من القضايا المهمة، في المستويين الفني والموضوعي. ومن أبرز تلك القضايا التي تستحق كل واحدة منها دراسة مستقلة، والتي اخترنا التركيز عليها في هذه القراءة: تقنية تعدد الرواة وتأنيث السرد، وموضوع مقاومة البدو والقبائل للاستعمار في مطلع ستينيات القرن الماضي، ومقاومة المرأة للعادات والأعراف الاجتماعية، وموضوع هجرة الحضارم، وكذلك بعض المعتقدات المرتبطة وبالأولياء وشجرة اللبان.
 

أولا-الأبعاد الفنية:
في المستوى الفني، استخدم عمار باطويل في رواية (طريق مولى مطر) عددا من التقنيات التي تبرز رغبته في التجريب وتجاوز التقنيات التي سبق أن وظفها في روايتيه: (سالمين) و(عقرون). ومن أهم تلك التقنيات: تعدد الرواة وتأنيثهم؛ ففي هذه الرواية تنهض بالسرد أربع راويات: الجدة سلومة التي "تجاوزت المئة سنة ولا تزال تقاوم"، وبركة، وفاطمة الطيارة، وسعيدة، ويشاركهن في سرد الجزء السادس فرج زوج بركة الثاني، ويقوم (الولي) بسرد الجزء الأخير (الثامن عشر) من الرواية. وجميع هؤلاء الرواة يستخدمون ضمير المتكلم، ويشاركون في الأحداث. وفي الحقيقة تقوم بركة بالدور الرئيس في الأحداث والسرد.
وقد نتج عن استخدام تقنية تعدد الرواة وتأنيثهم عددٌ من المترتبات الإيجابية وأخرى سلبية. ومن المترتبات الإيجابية: أتاح سرد الأحداث من قبل أربع نساء من فئات عمرية مختلفة للروائي تناول أحداثٍ تقع في مساحة زمنية طويلة؛ تبدأ من ثلاثينيات القرن العشرين وتستمر حتى ستينيات القرن. كما أتاح له ذلك رصد المتغيرات التي طرأت على حضرموت خلال تلك الفترة المهمة من تاريخها.
إضافةً إلى ذلك، بفضل تقنية تعدد الرواة استطاع عمار باطويل أن يضمن حبكة (طريق مولى مطر) سمة تداخل الأزمنة والأمكنة والأحداث التي تُقدم للقارئ من زوايا رؤية (أو وجهات نظر) مختلفة. وقد اكتسب السرد بفضل هذه السمة عددا من العناصر الهادفة إلى تشويق القارئ وشد انتباهه.
أما بالنسبة للمترتبات السلبية لتعدد الرواة وتوزيع السرد بصيغة المتكلم بين عدد من الشخصيات، فأهمها في اعتقادي: عدم تماسك نقل كلام بعض الشخصيات الأخرى، لا سيما حينما يأخذ ذلك الكلام أو الحوار أبعادا طويلة. مثلا في الجزء الثالث عشر، الذي يستحق لوحده دراسة خاصة، تنقل الراوية بركة كلام الولي وحواره مع النجدي نقلا عن سالم ابن عم بركة. (ص71-78). ويتكوّن الجزء الخامس من الرواية من حوار طويل بين الراوية بركة والولي، وفي ثنايا الحوار المطبوع بشكل غير دقيق يصعب في بعض الأحيان تحديد هوية المتكلم مباشرةً.
ويمكن كذلك أن نُشير إلى أن تأنيث السرد فرض على المؤلف التركيز على موضوعات بعينها، ومعالجة بعض الموضوعات من وجهة نظر أنثوية على الرغم من أن دور المرأة في الأحداث المسرودة ومقاومة الاستعمار وحرب المدحر التي قدمت للقارئ من وجهة نظر المرأة لم يكن في الواقع إلا ثانويا. وبالمقابل سنرى كيف أتاح تأنيث السرد للروائي أن يقدم لنا بشكل مبهر مترتبات هجرة الحضارم على الحياة العائلية في حضرموت وكذلك تصوير بعض المعتقدات والعادات الاجتماعية، كتقديس الأولياء وشجرة واللبان.


ثانيا – الأبعاد الموضوعية:
تطرح رواية (طريق مولى مطر) -كما ذكرنا- عددا من الموضوعات المهمة المرتبطة بتاريخ حضرموت وواقعها والمتغيرات التي برزت فيها بين ثلاثينيات وستينيات القرن العشرين. ومن أهم تلك الموضوعات:
1-مقاومة الاستعمار والعادات الاجتماعية
من الواضح أن الروائي عمار باطويل قد سعى في روايته الثالثة إلى تسليط الضوء على مقاومة الحضارم، وبشكل خاص البدو، للوجود البريطاني في وادي حضرموت منذ ظهوره في ثلاثينيات القرن الماضي، مبيّناً أسبابها وأدواتها. ففي الجزء السابع تنقل لنا بركة ما قاله لها زوجها الأول سعد عن أسباب مقاومة البدو لبريطانيا وأعوانها الحكام، قائلة: "كان سعد يؤكد لي أكثر من مرة أن الحرب التي قامت ضد البدو هي حرب ضد لقمة عيش أطفالنا وضد مصدر رزقنا.. فمنع الجمال والتجارة بها يعني أن الطعام لن يصل إلى أفواه أطفالنا. سوف نموت جوعا ولن تقوم لنا قائمة، فيجب حمل السلاح ضد بريطانيا وسلطان هذه البلاد الموالي لبريطانيا التي تحميه بسلاحها وطيرانها. فبريطانيا لا تكترث لمصالحنا، ولو كانت بريطانيا تهتم بنا لبنوا لنا المدارس والمستشفيات كما فعلوا في عدن من تجارة ودراسة وعلاج لكل الناس، وأصبحت عدن جنة الكل يتحدثون عنها عندما يزورونها. نحن لم نر من بريطانيا والسلطان إلا الرصاص، ولن يقابل رصاصهم إلا رصاصنا، فنحن أهل هذه الأرض منذ فجر الحياة. نحن لا نتمرد على أحد كما يدعي سلطان هذه البلاد، بل نحن نقاوم وننهض نهضة رجل واحد من أجل حياة كريمة لنا ولأطفالنا". ص45-46 وتذكر بركة أن زوجها سعد قد سافر إلى مكة المكرمة للاجتماع بالتجار الحضارم وحثهم للتواصل مع ‏الملك فيصل بن سعود لدعم القبائل الحضرمية بالسلاح.
وتقرّب الرواية بين أحداث الثلاثينات التي شهدت حضرموت خلالها صلح انجرامس وقصف الطائرات البريطانية لمرابض الحموم والصيعر وبين أحداث حرب (المدحر) التي وقعت في مطلع ستينيات القرن الماضي (صيف 1961) في أعالي دوعن، والتي شارك فيها كذلك الطيران البريطاني. وتتحدث الراوية فاطمة الطيارة عن الدور الفعال الذي قامت به البدويات في مقاومة عسكر السلطان والقوات البريطانية في تلك الحرب، وتؤكد أن ذلك دفع الطائرات البريطانية إلى استهدافهن بشكل مباشر. وتستطرد الراوية في الحديث عن شجاعة سعيدة قائلة: "سعيدة تقوم بأعمال عسكرية وماهرة في استخدام البندقية والرمي بها، وتتحدى رجال البدو في القنص، وتصوب نحو الهدف ببندقيتها وتصيبه بسهولة.. وعلمت سعيدة ابني عبد الله الرمي بالبندقية التي تركها لها أبوه". ص50 ثم تتحدث عن استشهاد ابنها عبد الله، وعن رحمة أم فاطمة الطيارة. وحينما تسأل بركةُ فاطمةَ عن الطائرة التي قتلت أمها ترد: "لا أتذكر لونها، فلا لون لها، فهي مثل العفريت تظهر وتختفي بسرعة، ولا أحد يقدر أن يسمك بها، فهي تطير في السماء العالية، وتبتعد عن الأنظار متى ما أرادت وترمي علينا القنابل كلما أرادت". ص17-18.
وتنقل فاطمة ما قاله القانص عن كيفية نجاح إحدى البدويات في الاحتماء هي وولدها من قنابل الطائرات، على النحو الآتي، "أما تلك الحرمة كانت ذكية، فقد حمت نفسها من قنابل الطيارة، عندما رأتها في السماء مقبلة عليها وهي لوحدها في الجول، قامت تلك الحرمة الشجاعة والشريفة بخلع ملابسها كما خلقنا ربنا، ووضعت ابنها تحتها وساوت جسدها بالتراب كي توهم طيارة النصارى أنها جزء من التراب، لذلك لم يتعرف عليها النصراني، وإلا قتلها بقنبلة هي وولدها". ص19


مقاومة المرأة للعادات والأعراف الاجتماعية
إضافة إلى مقاومة الاستعمار وأعوانه، تتضمن رواية (طريق مولى مطر) بعض الأحداث التي تجسد مقاومة المرأة لبعض العادات والأعراف الاجتماعية، مثل رفض المجتمع تعليم البنت مثل أخيها الصبي، الذي تُكرس له الصفحات الأولى من الجزء الثاني من الرواية. فمن خلال شخصية الراوية فاطمة الطيارة يعبر النص عن القيود التي تفرضها التقاليد الاجتماعية على المرأة. فحينما تفصح فاطمة لجدتها سلومة التي "تصر دوما أن البنت الحشيمة سترها دارها"، عن رغبتها في التعليم ترد عليها الجدة: "صه! لا تخلي حد يسمعك ويضحك عليك! البنات ما يذهبن ليتعلمن عند الرجال والأولاد. البنات للزواج والعمل في حيضان النخيل ورعي الأغنام والاهتمام بالدار، وإذا عرف الناس بأنك تذهبين لعند الأستاذ لن يخطبك أحد من أولاد القبيلة". ص14-15
وتبلور رواية (طريق مولى مطر) محاولة مقاومة المرأة للعرف القبلي الذي يمنع المرأة من الزواج من خارج القبيلة، وذلك حينما تقدم بركة بنت القبيلة على الزواج من فرج الذي لا ينتمي لقبيلة. ومع ذلك تقدم بركة لفرج سببا آخر لاعتراض ابن عمها سالم على زواجهما، وتؤكد له: "خوفهم بأن أنجب منك لأنهم لن يحصلوا على شيءٍ من أموالي من حيضان النخيل، وربما لسبب آخر لا أعلمه". ص92

2-موضوع الهجرة:
ومثل كثير من النصوص الروائية التي يتضمنها أدبنا، تتناول رواية (طريق مولى مطر) ظاهرة هجرة الرجال الحضارم وأثرها في حياة المرأة والأولاد. وقد تبيّن لنا أن جميع شخصيات الرواية يتعرضن لكثير من المتاعب بسبب سفر الزوج أو الأب. وتمت بلورة ظاهرة هجرة الرجال الحضارم وأثرها في حياة وزوجاتهم وأولادهم في الحوار الطويل الذي دار بين الراوية بركة والولي في الجزء الخامس من الرواية، وذلك على النحو الآتي: "سألني ولي الله عن سعيدة، فقد كان همه أن يعرف عنها الكثير بعد أن رفضت أن تتزوجه، فقلت له: تنتظر عودة زوجها علي، سافر إلى الأرض البعيدة، وله عشر سنوات ولم يعد. – وماذا عن بنت أختك فاطمة الطيارة؟ - المسكينة تنتظر رجوع أبيها، وأحيانا تبكي على أمها التي قتلتها طيارة بريطانيا. فالكثير من نساء الوادي هجرهن أزواجهن ولم يعودوا لسنوات، والأطفال يتألمون كما تتألم الزوجات. –هؤلاء الرجال لا يعرفون حقوق الله وحقوق أهلهم، لذلك ثقلت ظهورهم بالآثام، فصعب عليهم الرجوع، فأعظم إثم في الحياة هو إثم المال؛ فعندما كان هؤلاء فقراء كانوا يعيشون بالقرب من بعضهم البعض، وتدمع أعينهم عندما يصاب أحدهم بمكروه. كان الفقر يجمعهم بألمهم، وعندما فكروا في جمع المال تفرق شملهم إلى الأبد... لست أدري لماذا يهاجر رجال هذه البلاد ويتركون أوطانهم وأطفالهم ونساءهم خلف ظهورهم ولا يلتفتون إلى الخلف، ويغادرون إلى الأبد. بكل تأكيد للبحث عن الثروة، ولكن لن ينقذهم المال من طوفان الغربة وضياعهم خارج أوطانهم، فأسواء الرجال الذين يكدسون الأموال، وقلوبهم فارغة من المشاعر". ص34-35
ويكرس عمار باطويل النصف الأول من الجزء السابع من الرواية لبلورة المعاناة التي تتكبدها الزوجة بسبب هجرة الزوج. وتبدأ الراوية بركة هذا الجزء بسرد ما عانته بعد سفر زوجها الأول سعد، قائلة: "أحيانا يتراءى لي خيال زوجي سعد وكأني أسمع صوته يأتيني من الأرض البعيدة، يناديني بأن أنتظره وأنه سوف يعود إليَّ. فلم يدع سعد لكياني أن يستقر بعد أن هاجر بعيدا، فكان وعده لي بأن نكون معا إلى الأبد، نكون كيانا واحدا، ومصيرنا مصيرا واحدا في الحياة، لكن هكذا هم رجال هذه البلاد، يغادرون ولا يأتون، ومن أتى يكون مكوثه لشهور معدودة ويعاودون الهجرة لسنوات طويلة، سنوات تذبل فيها زهور الزوجة، أنظر السنوات العجاف التي قضيتها وقضت عليَّ، وأنا في انتظار سعد، لكن سعد كبقية الرجال لا ينظرون ولا ينتظرون لنساء هذه البلاد، فهم كالرياح يسافرون، وكالرياح يعود جزء منه وجزؤها الآخر يسافر إلى أوطان بعيدة. ينتابني الحزن عندما أشعر أن قلبي يشيخ، وأذرف الدمع عندما أشاهد هذه البلاد وهي تنتحب من أوجاعها". ص42
وفي الجزء الثاني تبوح الراوية فاطمة الطيارة لصديقتها بشعورها بالنقص والألم بسبب هجرة أبيها: "سألت نفسي أين أبُويْ؟ ولماذا هاجر ولم يعد بعد موت أمي، فقد هاجر قبل موت أمي بخمس سنوات ولم يزرنا بعدها، وانتقلت إلى دار خالتي بركة في الوادي بعد مقتل أمي بطيارة بريطانيا. فغياب أبي الطويل يجعل حياتي ناقصة وأشعر أن لا معنى لها بدون أب وأم". ص16-17
وتتميز (طريق مولى مطر) بتناولها أحد جوانب الهجرة لم تتطرق له النصوص الروائية الأخرى. فعمار باطويل الذي ضمّن روايته (سالمين) المتغيرات التي أنتجتها الهجرة في التركيبة الاجتماعية في جدة، سعى في هذه الرواية إلى إبراز المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي سببتها هجرة الحضارم في وطنهم الأم، وأهمها بروز فئة اجتماعية وظفت الأموال التي جمعتها في الخارج لتبني لها نفوذا ماليا مؤثرا ومكانة اجتماعية جديدة. ففي الجزء الثالث عشر يكشف سالم لبركة الطريقة التي تحصل بها سليمان النجدي على ثروته، قائلا لها: "هذه الثرة التي أتى بها النجدي هي من تجارته التي كوّنها في نجد والحجاز". ص72 وتؤكد بركة أن الولي أكد لها أيضا نوايا النجدي الذي زاره في المغارة "وساومه في أن يقف معه، ويريد من الولي صكا بانتسابه لأحد الصحابة، وحينما رفض ولي الله طلبه فأغراه بالمال وقال له: سوف أشتري لك نخلا كثيرا وكل ما أريده منك أن تقف معي.. وقال لي بالحرف الواحد: سوف أملك هذا الوادي، وسوف أتحكم في كل من يسكنه من بشر وغير بشر، فلا قيمة لي إلا بقوتي، والقوة هي المال الذي سيحقق لي ما لم يحققه أجدادي الذين ذاقوا الويل عندما كانوا فقراء. الآن تغيّر الحال. وسوف أقلب الآية؛ وأحول هؤلاء إلى فقراء وعبيد لي، وأيضا عبيد للمال، وسأركـّع من يقف أمامي. عليك أن تقنع بركة ببيع نخلها أو سوف أخضعها، وأن لم تقتنع سوف أدبر لها أمرا جللا، أنا لا أريد أكثر من النخيل، فالنخيل يبقى على مر الأزمان، وعندما تحصل المجاعات لا ينقذنا إلا تمره"". ص74

 

3- الأولياء والمعتقدات:
من الواضح أن عمار باطويل قد سعى في روايته الثالثة إلى تناول عدد من معتقدات الحضارم، ومن زوايا مختلفة، وأهمها اعتقادهم في الأولياء وتقديسهم لأضرحتهم. فمن ناحية، يتبيّن لنا أن الولي (مولى مطر) وقبته يجسدان توق السكان، الذين يعانون من كثير من العذابات والآلام، إلى حياة روحية ملموسة ومبسطة؛ فبركة حينما تزور مغارة الولي تعترف له أن "الألم هو الذي قادني إليك، وهو سرّي الذي ستعرفه في آخر طوافي في هذه الحياة". ص10 ويرى كثير من السكان في الولي المنقذ الذي يمكن أن يحقق لهم في هذه الدار بعض سبل العيش ويجنبهم الجوع الذي يسببه الجفاف وشح المطر. فعندما تحدّث فاطمة الطيارة بركة عن أبيها تؤكد أن اعتقاده في الولي مولى مطر كان راسخا، وتقول لها: "كان أبوك جمالا يملك قطيعا من الإبل، كريم القلب، طويل اليد للإحسان، لذلك لقب بالرجل المبارك لأن البركة تحل من بعده، فهو يجود للناس بكل ما يملك، كان ينثر الحب للطيور عند قباب أولياء الله، ويذبح الأغنام كلما جفت الأرض. وكان يذهب إلى مولى مطر عندما لا تجود السماء بالمطر.. الكل يذهب إلى مولى مطر ويرفعون أياديهم للسماء ويدعون: يا مولى مطر اسقي وادينا بالغيث". ص61 لهذا "يردد بعض الناس أن النصراني كان في نيته سرقة ضريح الولي القابع في مفرق الواديين، والبعض من البدو يقولون إن الضابط البريطاني يريد أن يأخذ ضريح الولي إلى بلادهم لتحل بركته على بلاد النصارى واليهود". ص68
ومن ناحية أخرى، على الرغم من أن الرواية تحتفي في عنوانها باسم الولي (مولى مطر)، من اللافت أنها تتضمن أصواتا ووجهات نظر أخرى مناقضة تسعى إلى نقد الولي والسخرية منه والكشف عن جوانب سلبية كثيرة في شخصيته. فالولي (الراهن) يحاول أن يغري بركة ويقنعها بترك زوجها فرج والاقتران به، ويقول لها: "هذه بركة جدي، كل شيء يطوف حول قبته بسرية تامة ولا يراها إلا أولياء الله الصالحين، لن تشاهدي هذه الجذور يا بركة إلا عندما تتزوجيني وتتركين فرج، فعندما نعتجن معا سوف تحل عليك البركة وتشاهدين ما أشاهده". ص89 كما أن سالم ابن عم بركة حذّر فرجا من سلوك الولي العاشق حينما قال له: "يا فرج أنت مسكين، انتبه لزوجتك بركة، لا يبرك عليها ولي الله، وتحل عليك وعليها بركة الولي". ص38 وعندما تسمع سعيدة أن الولي يريد أن يتزوج من فاطمة الطيارة تعلق: "شفتي كيف ما يستحي هذا الشائب العائب، يريد أن يتزوج بنية صغيرة في سن بنته بل في سن حفيدته، يريد يغرينا بماله، نحن لا تغرينا الأموال، نموت ولا ندع أحد يبيعنا ويشترينا". ص88 ولا تتردد سعيدة من السخرية من الولي حينما زعم أن جذور سدرة المنتهى تصل إلى قبة جده، فهي تقول: "أعتقد أن شجرة المنتهى تصل جذورها إلى كور الولي وليس إلى قبة جده". ص89 وتعلق الجدة سلومة بدورها قائلة: "ولي الله مثل الحمار الزين الذي ينقلب، وما ينقلب إلا الحمار الزين". ص90
وإضافة إلى ولي الله وقبته، تقدس شخصيات رواية (طريق مولى مطر) شجرة اللبان التي يجعلها عمار باطويل بمثابة إحدى الشخصيات، وبسببها مزج بيئة وادي دوعن ببيئة الجول الذي تنمو فيه شجرة اللبان التي تذهب بركة للبحث عنها بمفردها أو برفقة زوجها فرج. ومن المعلوم أن سكان حضرموت يعتقدون أن لبخور اللبان فوائد جمة؛ تذكر الجدة سلومة بعضها: "البخور زين لجسد المرأة، يطهرها كما يطهر الماء الأرض، ويعطي لجسدها حياة أخرى، والبخور طارد للجن والشياطين". وتعلق سعيدة "علينا أن نبخر هذا الوادي لتفر منه الشياطين ويفر معها النجدي الذي جاء بكل المشاكل معه" ص28
ويعترف عمار باطويل، مؤلف الرواية، أنه أعطى لشجرة اللبان دلالات رمزية كبيرة وذلك في مقابلة أجرتها معه صحيفة (الحياة)، قال فيها: "أشجار اللبان ترمز إلى تاريخ الأرض وحضارتها وارتباطها بالخارج وعلاقة الشعوب الأخرى بأرض اللبان، وبرغم هذا التاريخ الحافل بتاريخ شجرة اللبان، إلا أن هذا التاريخ يحضر في لحظة مفارقة في حياة فرج زوج بركة، الذي كان أمله أن يبيع بخور الشجرة للبدويات، فتلاشى أمله بمقتله. فبمقتل فرج بالقرب من شجرة اللبان يستحضر الظلم الذي حلّ بإنسان تلك الأرض، وهو تحول زمني من انشغال الإنسان بتجارة البخور عبر التاريخ إلى انشغاله بالصراع الداخلي. وشجرة اللبان شاهدة على هذا التحول، وهي شخصية تقوم بدور جمالي في النص عندما تبخر النساء أجسادهن وحياتهن، وأيضاً يقمن بطقوس أخرى لطرد الجن ببخور اللبان كما يعتقدن".

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24