الجمعة 19 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
"الأمن البيولوجي" أولا.. كيف يبدو مستقبل الطيران بعد جائحة كورونا؟
الساعة 21:38 (الرأي برس _ ارم نيوز)
شكلت حالات الإغلاق في دول العالم بسبب جائحة كورونا، فترة عصيبة بالنسبة للعديد من الصناعات، خاصة الطيران، حيث توقفت حركة الطيران عن العمل تماما، في جميع أنحاء العالم. ومن شأن هذه الفترة العصيبة أن تدخل تغييرات كبيرة على صناعة الطيران في عالمنا اليوم. وكانت عودة المسافرين إلى المطارات، للمرة الأولى بعد غياب دام أكثر من 3 أشهر، مشهدا مرحبا به لدى الموظفين في مطار ”ساوث إند“ في لندن، على الرغم من أن الأمور لم تعد لسابق عهدها. ووفقا لصحيفة ”التايمز“ البريطانية، تم استقبال المسافرين الذين يغطون وجوههم بأقنعة إلزامية، بأنظمة تهدف لتسيير الحركة في المطار في اتجاه واحد، وتحديد المسافات اللازمة للتباعد الاجتماعي، في جميع أنحاء مبنى المطار. وجهز المطار محطات لتطهير اليدين كل 20 ياردة، واستعان بكاميرات التصوير الحراري لقراءة درجات حرارة الركاب، وشاشات ضوئية جديدة ذات تقنية عالية لفحص حقائب اليد دون الحاجة إلى إزالة السوائل وأجهزة الكمبيوتر المحمولة من الحقائب، والتقليل من ”التلامس غير الضروري“ مع موظفي الأمن. كما تم إغلاق معظم المقاهي والمحلات التجارية، وفي صالة المغادرين، تمت إزالة العديد من المقاعد لإبقاء الركاب منفصلين، بينما أحاطت الحواجز الزجاجية بمكاتب الاستعلامات. كان ”ساوث إند“ واحدا من أكثر من 10 مطارات في جميع أنحاء المملكة المتحدة، التي أغلقت تماما في نهاية آذار/مارس، مع توقف الطلب على السفر الجوي. ورحب مطار إسيكس الذي يستخدمه المصطافون المتجهون إلى أوروبا أخيرا بالركاب في مطلع تموز/ يوليو، وكانت أول رحلة لشركة طيران ”رايان إير“ إلى ملقا. وقال غلين جونز، الرئيس التنفيذي لشركة ”ستوبارت“ للطيران، التي تملك المطار: ”لا يمكن التظاهر بأن التجربة كما كانت، لأنها ببساطة ليست كذلك، فلم يكن على المرء ارتداء قناع من قبل، أو الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي أو تذكير نفسه باستمرار غسل اليدين“. وأضاف: ”لقد تغيرت الأمور بالفعل، ولكن هذا لا يعني أن التجربة يجب أن تكون مرهقة، فنحن نريد أن يشعر الناس بالأمان والراحة قدر الإمكان؛ نريد أن نعطيهم الثقة للسفر مرة أخرى“. وتواجه شركات الطيران والمطارات في جميع أنحاء العالم نفس التحدي، لأنها تحاول الخروج من أعمق أزمة في تاريخ الطيران التجاري. وعلى مدى الأشهر الثلاثة السابقة، انخفض عدد الرحلات الجوية من وإلى مطارات المملكة المتحدة بنسبة 90%، بعد أن أغلقت البلدان حدودها لوقف انتشار وباء كورونا، ما دمر اقتصاد الصناعة. ويقدر التحليل الصادر عن اتحاد النقل الجوي الدولي(IATA) ، أن شركات الطيران في جميع أنحاء العالم، ستشهد انخفاضا في الإيرادات بمقدار 420 مليار دولار، بنهاية هذا العام مقارنة بعام 2019. ومنذ آذار/مارس، انهارت 13 شركة طيران أو أعلنت إفلاسها، بما في ذلك شركة ”فلايبي“ في المملكة المتحدة، و“فيرجن أستراليا“، أكبر شركة طيران في أمريكا الجنوبية، و“لاتام“ في كولومبيا، و“إيفيانس“ و“ليفل“ في النمسا، بينما تكافح المزيد من الشركات للبقاء. ويتوقع كريس تاري، محلل الطيران، ”انخفاضا هيكليا في سعة النقل الجوي بنحو 30%“، ما يرجح إلغاء أكثر من ربع الخطوط الخاسرة بين المطارات، وتشغيل أكثر الطرق ربحية فقط، كما يُتوقع أن تتخلى العديد من الشركات عن الطائرات الكبرى والأكثر تكلفة مثل Airbus A380 وBoeing 747 لأجل غير مسمى“. ويقول أندرو تشارلتون، محلل الطيران، إن شركات الطيران ستغمر السوق خلال الأشهر المقبلة بتذاكر رخيصة لتحفيز المبيعات، ما سيوفر دفعة للعملاء المحتملين الذين يودون قضاء عطلة الصيف في الخارج، إلا أنه يصر على أن هذا سيؤدي إلى تسريع انهيار شركات الطيران. وأوضح: ”سوف يطرحون تذاكر رخيصة في محاولة لتشجيع الناس على السفر، مثل السماح بسفر الأطفال مجانا، أو تقديم خصومات تصل إلى 50% وما شابه، ولكن المشكلة في ذلك هو أن هذه الخطوة ستحرق ببساطة المزيد من الأموال التي باتت هذه الشركات في أمس الحاجة إليها، أعتقد أنه بحلول نهاية الصيف ستعاني الكثير من شركات الطيران من ضائقة مالية، وبحلول فصل الشتاء سوف يكافحون للاستمرار، وسيكون هناك حتما ترشيد للإنفاق، وعدد أقل من شركات الطيران، ورحلات أقل وطائرات أقل“. وقبل هذا الربيع وجائحة كورونا، كانت أكبر أزمة تضرب صناعة الطيران، هي فقدان الركاب الثقة في السفر الجوي بشكل كارثي في أعقاب هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، وحينها اضطرت الصناعة إلى التكيف بسرعة للبقاء، وتعزيز التدابير الأمنية وإظهار أنه من الآمن السفر مرة أخرى في نهاية المطاف. ويُعتقد أن التغييرات المطلوبة في عالم ما بعد كورونا ستكون أعمق بكثير، وتتميز بالأمن البيولوجي الصارم، والذي سيشعر الراكب به في كل مرحلة من مراحل الرحلة. ومثل ”ساوث إند“، أدخل مطار مدينة لندن على ضفاف نهر التايمز، فحوصا إلزامية لدرجة الحرارة على جميع الركاب، بحيث تحدد الكاميرات الحرارية الركاب الذين تزيد حرارة أجسادهم عن 38 درجة مئوية عند الوصول أو المغادرة، حتى يمكن التعامل مع المسافرين المصابين بالحمى، ومنعهم من السفر وحثهم على عزل أنفسهم على الفور. اختبارات إلزامية ومن المرجح أن تستبدل هذه التكنولوجيا في نهاية المطاف باختبار شامل لكوفيد-19 على الحدود، خاصة أن فحوص درجة الحرارة تفشل في تحديد أعداد كبيرة من الركاب المصابين الذين لا تظهر عليهم أعراض مثل الحمى، وقد جعلت كل من أيسلندا وهونغ كونغ هذه الاختبارات إلزامية لجميع الوافدين. وفي المملكة المتحدة تتابع الحكومة عن كثب تجربة على وشك أن يتم إطلاقها في مطار هيثرو، حيث ستقدم مجموعة ”سويسبورت“ و“كولينسون“ (اللتان تقدمان خدمات الطيران) اختبارات مسحة للأشخاص الذين يهبطون في المطار، والتي تسمح للركاب بمعرفة ما إذا كانوا مصابين أم لا خلال 7 ساعات. ومن المتوقع أن تسمح هذه العملية، وهي الأولى من نوعها في المملكة المتحدة، للأشخاص القادمين من البلدان التي فيها نسبة إصابة عالية بكورونا مثل الولايات المتحدة والبرازيل والهند بتجنب فترة الحجر الصحي الإلزامية التي تستغرق أسبوعين، ومن المقرر أن يعلن الوزراء عن خطط لطرح الاختبارات على مطارات المملكة المتحدة الأخرى في وقت لاحق من هذا الشهر. إلا أن الخبراء يقولون إنه سيكون من الضروري إجراء الاختبارات قبل إقلاع الطائرة، وليس عند الهبوط، للسماح بتعافي السفر الجوي الدولي فعلا. ويطالب اتحاد النقل الجوي الدولي، الذي يمثل شركات الطيران، بوضع معايير عالمية للسلامة البيولوجية، على غرار قواعد الأمن قبل الطيران بشأن السوائل في حقائب اليد التي اعتمدتها البلدان في جميع أنحاء العالم على مدى السنوات الـ14 الماضية. ويقول الاتحاد، إن إجراء اختبارات كوفيد-19 قبل الإقلاع ستمنع الازدحام في قاعات الوصول بالمطارات وتتجنب احتمال انتقال العدوى على متن الرحلات الجوية، بالرغم من أن هذا سيتطلب مستوى غير مسبوق من التعاون من جانب الحكومات. ويقول تشارلتون: ”أعتقد أن شهادتك الصحية ستكون بنفس أهمية تأشيرتك في المستقبل، فمن الواضح جدا أنه سيكون على المرء إثبات أنه بصحة جيدة قبل السفر، وكلما أسرعنا في الحصول على اختبارات تعمل بسرعة، كان ذلك أفضل“. ويضيف، من جانبه، كريس تاري: ”نحتاج إلى إجراء الاختبار قبل إقلاع الطائرة، فإذا قمت بذلك، فإنك تضمن أنك خال من الفيروسات ومن ثم يمكنك أن تأتي مباشرة إلى البلاد، إلا أن ذلك يثير سؤالا واضحا بشأن وجود معايير دولية، والتي يجب الاتفاق عليها في كل بلد حتى تنجح هذه العملية“. المطارات وفي العقود الماضية، تحولت المطارات، مثل محطات السكك الحديدية، إلى وجهات في حد ذاتها، حيث سمحت المتاجر والحانات والمطاعم للركاب ببدء عطلاتهم قبل أن يستقلوا الطائرة بفترة طويلة، ولكن كورونا غير ذلك بلا شك. ولتقليل الحشود، تمنع العديد من المطارات بما في ذلك ”ساوث إند“ الآن، أي شخص لا يحمل تذكرة سفر بتاريخ اليوم من دخول مبنى المطار، كما تمنع الأصدقاء والعائلة من الانضمام إلى الركاب لتناول مشروب في مقاهي المطار قبل الرحلة. وقامت مدينة لندن بتركيب تقنية ”CrowdVision“ التي تستخدم الكاميرات الذكية للكشف عن المكان الذي يتجمع فيه الكثير من الناس، ما يسمح للموظفين بتوجيه الركاب إلى أماكن أخرى. في حين إن تدابير الوقاية من كورونا قد أثرت سلبا على بعض جوانب تجربة المطار، إلا أنها تُرى أيضا كفرصة لتغيير عملية السفر للأفضل. وأدت الحاجة إلى تسريع تدفق المسافرين عبر مباني المطار وتقليل الاتصال بين الموظفين والركاب إلى قيام ”ساوث إند“ بتسريع تركيبه لمعدات أمنية قوية يمكنها مسح الأمتعة اليدوية دون الحاجة إلى إزالة السوائل والمعدات الكهربائية من الحقائب، والتي كانت تعتبر في السابق من خطوات الطيران المزعجة، كما يقوم المطار بتركيب المزيد من المواقع ذاتية الخدمة لوضع الحقائب لتجنب الحاجة إلى تسليم الأمتعة لموظفي المطار. وأدخل مطار مانشستر فكرة استخدام فتحات الأمن المحجوزة مسبقا، حيث يمكن للمسافرين حجز الوصول لمدة 15 دقيقة إلى ممر سريع مخصص من خلال الأمن لتجنب الانتظار في الطوابير، وهي تجربة سيتم توسيعها في نهاية المطاف لتشمل مطاري ستانستيد وميدلاندز الشرقية. كما تعمل شركة ”سيتا“ لتكنولوجيا المطارات، والتي تتخذ من سويسرا مقرا لها، على سلسلة من الابتكارات التي ستسمح للمسافرين باستخدام هواتفهم الذكية لتسجيل الوصول وإثبات هويتهم والسير من خلال مراقبة جوازات السفر في عدد من المطارات في جميع أنحاء العالم. وفي المستقبل يمكن أن تقدم الشركة أيضا بطاقات حقائب ”افتراضية“، حتى لا يحتاج الموظفون وضع ملصقات ورقية على أمتعة الركاب. ويقول أندرو أوكونور نائب رئيس الشركة: ”العودة إلى السفر الجوي ستكون حذرة، والاستعانة بتكنولوجيا الهواتف الذكية طريقة سريعة للمساعدة في إعادة بناء ثقة الركاب على الطريق إلى رحلة مبتكرة وآمنة وتتميز بأقل قدر ممكن من التلامس، وهي خطوة مهمة نحو توفير رحلة سلسة في المستقبل“. تجربة الطيران لن تتغير مقصورة الطائرة كثيرا في السنوات المقبلة، خاصة مع استحالة الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي على متن طائرة ركاب، حيث تشير التحليلات إلى ضرورة الاستغناء عما يصل إلى 75% من المقاعد لتوفير مسافة لائقة بين الركاب، وهذا من شأنه أن يؤدي إما إلى ارتفاع أسعار التذاكر بمقدار 4 أضعاف، وهو ما سيرفضه معظم المسافرين، أو إفلاس جميع شركات الطيران، التي يتعين عليها عادة أن تملأ 80% من المقاعد لتجنب الخسائر. وتشير شركات الطيران إلى أن الهواء داخل كبائن الطائرة أنظف من الهواء الموجود في الأماكن الضيقة الأخرى بسبب استخدام الطائرات لفلاتر تنظف الهواء من الجسيمات الضارة قبل إعادة تدوير الهواء كل 4 دقائق، ما يخلق بيئة أقرب إلى غرفة عمليات المستشفى. ومن جانبهما تمول شركتا ”بوينغ“ و“إيرباص“، (وهما أكبر مصنعين للطائرات في العالم) بحوثا حول كيفية انتشار كورونا في المقصورة، في محاولة لتكثيف التدابير الرامية إلى منع انتشار العدوى، والتي من المرجح أن تتضمن استخدام الأشعة فوق البنفسجية (UV) لقتل أي جزيئات يتركها الركاب المصابون بكورونا على الأسطح. وكتدبير احترازي آخر، جعلت جميع شركات الطيران أقنعة الوجه إلزامية في الكبائن على الأقل. وحاليا تطبق شركات الطيران تدابير أساسية، حيث تقلل من الأمتعة المحمولة لتسريع عملية الصعود إلى الطائرة، وقد تم حظر الاصطفاف للمراحيض لمنع الركاب من التجمع في ممرات الطائرة، كما تم تقليل مبيعات عربات المشروبات أو منعها تماما؛ وأزيلت المجلات من على متن الطائرة لتعزيز النظافة؛ ويتم تقديم الطعام في حاويات معبأة مسبقا. ومع ذلك، فإن شركات الطيران تتكيف بسرعة مع المعايير الجديدة، ويتم تشجيع المسافرين على الدفع باستخدام البطاقات أو الهواتف الذكية دون تلامس، وحجز الوجبات والمشروبات مسبقا قبل الصعود إلى الطائرة، لتجنب الاتصال غير الضروري. ومن المرجح أن يفضل الناس بث الأفلام وبرامج الترفيه الأخرى إلى هواتف الركاب لتجنب التعامل مع الشاشات التي لمسها ركاب آخرون، وتعتبر بيئة خصبة للفيروس. وفي الولايات المتحدة استغرق تعافي شركات الطيران عقدا من الزمان بعد حادث 11 سبتمبر، وبعد الركود العالمي في 2008، استغرقت شركات الطيران في أوروبا حتى عام 2017 لتعود إلى المستويات التشغيلية التي شوهدت في عام 2007، ولذلك من المتوقع أن نصل للعام 2030، قبل أن يعود السفر جوا إلى سابق عهده قبل انتشار الوباء، وحينها من المرجح أن يكون الطيران تجربة مختلفة تماما.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24