الجمعة 29 مارس 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
تنوع التخييل في روايات مصطفى لغتيري - نهاد شباب
الساعة 18:11 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


  قبل أسبوع تقريبا من الدور النهائي لمسابقة نادي القراءة في دورتها الأولى ، وتحديدا في الشهور الأخيرة من سنة 2018، التقيت بالقاص والروائي مصطفى لغتيري، خلال حفل توقيع الطبعة الثالثة لروايته "عائشة القديسة"، التي صدرت طبعتها الأولى عن دار النايا بسوريا 2008، وقد نضم هذا الحفل  تحت إشراف أساتذة ثانوية أولاد حريز الغربية، التي أغتنم هذه الفرصة لأوجه لهم خالص شكري وتقديري على مجهوداتهم المبذولة من أجل تحبيب الثقافة للتلاميذ من شتى الشعب.
في ذلك اليوم تكلم لنا الكاتب مصطفى لغتيري عن روايته، دون تعرية الأحداث وكشفها بشكل كامل، وهذا ما زادني شغفا وفضولا  لقراءة "عائشة القديسة" أو كما أحببت تلقيبها في مقالي، الذي نشر منذ سنة تقريبا '"الجوهرة الرمادية" هذا اللقب يعبر عن مدى عمق الرواية رغم أسلوبها البسيط جدا.
جاء في المقال بإختصار، أن الرواية بصفة عامة مزيج ما بين الخرافي و الواقعي. ويتمثل الخرافي في شخصية عائشة الكونتيسة باعتبار الحقيقة الغير واضحة لنا إلى الأن ، أهي بالفعل مقاومة أو  هي أرملة لرجل قتل بطريقة بشعة أو هي فقط بطلة لحكاية عاشت على مر الأزمنة حتى أصبحت تفترض على أنها قصة حقيقية ،... حكايات عديدة بأساليب مختلفة نتج عنها غياب الحكاية الحقيقية واختلاف أراء العامة . 
 أما الواقعي فيمثل ما يصطرع به عالم الحياة اليومية ( لقاء سعد مع رفاقه و مناقشة أفكارهم المختلفة و المتضاربة ).  كانت أول رواية أقرأها للكاتب لغتيري ، رواية رائعة تجعل قارئها يبحر في الأعماق حتى ينهي كلماتها المرسومة بحروف أدبية راقية، شخصيا، ليس لدي في قائمة الكتب المفضلة روايات عديدة ، لأنني أجد أن للرواية مجموعة من الشروط التي يجب تبنيها و إحترامها ، أول وأهم هذه الشروط هو بالطبع الأسلوب .
للأسلوب قوة مهيمنة في كل كتاب و رواية و قصة و قصة قصيرة و قصة قصيرة جدا بل في قولة و خاطرة أيضا 
فحبذا لو كان الأسلوب أسلوبا بلاغيا، يسير الفهم، قيم المعاني، وقد جاء في مفهوم وتعريف البلاغة  قول إبن المقفع :  " البلاغة هي التي إذا سمعها الجاهل ظن أنه يحسن مثلها "  والجاهل لا يفهم مغزى الكلام إلا إذا كان الكلام سهل النطق وواضح الفهم . 
هذا ما نجده في عائشة القديسة و في الروايات الأخرى التي سنتحدث عنها فيما بعد، مما يبين لنا طبيعة الاسلوب الخاص بالكاتب مصطفى لغتيري، الذي يسلك في رواياته طريق الأسلوب البسيط مبتعدا عن وحشي الكلام . 
الشرط الثاني أن يكون للرواية تسلسل مشوق للأحداث أي حين يتطلع القارئ للحدث الموالي بكل شوق و شغف و هذا شرط مهم بالخصوص من طرف القارئ الملول وهنا لا يمكننا إلا أن نأخذ على سبيل المثال الرواية التي أثارت جدلا كبيرا بين القراء و المهتمين بهذا المجال، رواية إبن السماء، بني الجدل بسبب العنوان الذي إختاره الكاتب لروايته، وشخصيا لا أجد جدوى لهذا الجدل، لأن العنوان يعني ما يعنيه وابن السماء في معناها بعيدة كل البعد عن ما فهمه البعض ( ابن الله ). 
من ميزات الرواية تقديمها الأحداث متسلسلة تسلسلا ممتعا مع تغير الأحداث المستمر، فهي رواية تعري الواقع و تنزع منه وشاحه، الذي يخفي به جهل البعض بالدين الصحيح، الذي يؤمنون إلى زمننا هذا بالأضرحة و بركة الصالحين المتوفيين منذ زمن بعيد، متغافلين على أن هناك دينا واحدا و ربا واحدا، الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم.
رغم أن الأضرحة لم تعد تشيد اليوم كما كان في السابق، لكنها للأسف ظلت مترسخة  في ثقافة بعض الفئات من المجتمع، ظاهرة زيارة الأضرحة والوثوق بالعرافين واستخدام طرق السحر الخبيثة لقضاء المبتغى .
"سيدي الساكت" بطل الرواية لم يكن إلا رجلا أحياه الله مرة ثانية، بسبب المشاكل الذي قام بها لأرواح ينتضرون قيام الساعة، ولم يكن لا رسولا من الله ولا مطلعا على الغيب بل كان رجلا عاديا ملتزما بالصمت لأنه لم يشف بعد من صدتمه، وهي أنه قذف من السماء لعيش حياة أخرى في زمن أخر، قذف في زمن الذل والقهر ، زمن الاستعمار الفرسي والظلم الفرنسي زمن الجور الذي قمع فيه ابن الأرض وطغى فيها مستعمرها و استكبر.
لقد هيمن هذا الموضوع في رواية على ضفاف البحيرة أيضا فوقف خلالها الكاتب عند دور سكان مناطق جبال الأطلس في تحرير البلاد من يد المستعر بعدما كانت مقيدة و مهددة بزوال الحضارة وتعويضها بما شيد من طرف الوافد الفرنسي. 
ويمكننا أن نلاحظ مدى اهتمام الأستاذ مصطفى لغتيري بالتاريخ و كنموذج أخر نستعين برواية تراتيل أمازيغية.
تدور احداث هذه الرواية في مملكة أمازيغية مزدهرة، صحيح أن هناك مزيج مابين الخيالي و الحقيقي و مابين الشخصيات الخيالية والشخصيات الحقيقة ولكن ذلك لخلق جو مناسب و منصة مناسبة يبين فيها البطلان الملك غيلاس والأمير أوسمان على مدى مجدهم و مدى بطولتهم في الدفاع عن المملكة من فساد الغزو الروماني . 
اهتمام هذا الكاتب المبدع بالتاريخ لا يعني أنه لم يكتب أيضا في الخيال العلمي فقد تألق بشكل ملحوظ في روايته أمومة لم تكتمل، التي تعطي نظرة إبداع في تخيل التطور الذي سيعرفه العالم ما بعد سنين بعيدة من الآن.
لربما سيتم إستبدال تبني الأطفال بتبني الروبوات كما فعلت ريم بطلة الرواية.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24