الجمعة 29 مارس 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
الكاتب المغربي مصطفى لغتيري يشتاق الأمكنة في كتابه الجديد
الساعة 14:21 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

 ضمن جنس ""السيرة الروائية" أصدر الكاتب المغربي مصطفى لغتيري كتابه الحادي والثلاثين 31 عن منشورات غاليري الأدب بالدار البيضاء، ويضم يين دفتيه 90 صفحة من الحجم المتوسط، ويتناول الكاتب في هذه الرواية الثامنة عشرة في مساره الروائي تفاصيل أماكن عايشها في حياته، وأثرت بعمق في نفسيته، وظل تأثيرها حاضرا إلى يومنا هذا. في هذه السيرة الروائية نصغي بكامل حواسنا إلى فضاءات ناطقة، تعبر عن مكنوناتها من خلال طفولة الكاتب وشبابه، فضاءات مفتوحة كالبحر والبادية ومدن قضى بها بعضا من أيامه، فظلت ذكراها منغرسة في ذاته، وأخرى منغلقة كقاعات السينما وملاعب كرة القدم والحلقة، وغيرها.
ومن الفصل الأول لهذه الرواية نقرأ:
هكذا هي الأماكن زئبقية ومخاتلة. تفرض علينا سطوتها ولو بعد حين، ففي اللحظة التي يتملكنا فيها الوهم، ونعتقد بأننا شببنا عن الطوق، وتحررنا منها ومن سطوتها نهائيا، نكتشف فجأة أنها تسكننا كما سكناها في مرحلة ما من حياتنا، حذو النعل بالنعل. لهذا لم أعد أشك لحظة في أنها تشتاقنا بقدر ما نشتاقها، حتى وإن بدا لأعيننا العكس، حين ننظر إليها من مسافة بعيدة وبحياد تام، فتبدو لنا جامدة ولا حياة فيها. الحقيقة التي لا يكاد الشك يخالطها، أقصد الحقيقة التي أعتنقها وأومن بها، أن للأماكن ذاكرة تختزن الوجوه والمشاعر، وأفئدة خفية، تخفق كلما اشتد بها الشوق والحنين للناس الذين زاروها يوما، وربطوا معها وشائج من أي نوع. ربما لهذا السبب تبعث تلك الأماكن، في لحظات معينة، كمياءها الخاصة عبر المسافات الطويلة، تقطع تلك الكمياء الطرقات والشعاب والأجواء، تحركها طاقتها الذاتية الكامنة المتجددة، فلا يعتورها الضعف أو الملل، وحين تشرف علينا، ما تلبث أن تتسرب إلى دواخلنا لتحرك فينا الرغبة في زيارتها، والالتحام بها بعد زمن الغياب، أو على الأقل نعيد حكايتنا معها. حكاية نلتذ بسردها شفاهة أو كتابة، أو نسترجعها في دواخلنا، كنسيم خفيف يداعب أهداب الوجود فينا، فنتلمظ حلاوتها، متمنين لو يستمر هذا الإحساس إلى ما لا نهاية، وحينما نفعل ذلك، يعود إلينا من بعيد، ذلك الشعور الغض، الطري، الذي شعرنا به يوما، وتعمق في ذواتنا ونحن نحيا في كنفها، فيغدو وكأنه ابن اللحظة الآنية، ينبثق فجأة من ثنايا العدم، ويضمخها بعطره الأخاذ.
إنها لعبة أثيرة تتقنها الأمكنة وتمارسها بين حين وآخر، ونحن بعض من وسائلها في ممارستها تلك.
الأماكن ليست مجرد فضاء أو أفضية قضينا فيها مرحلة من عمرنا، بل هي أكثر من ذلك بكثير، إنها كائنات هلامية تتسلل إلى ذواتنا خلسة حينما يقودنا القدر لنجوس في دروبها، ونتلمس جدرانها، ونعقد معها اتفاقات ضمنية، تعتمد على المعايشة أكثر من أي شيء آخر، أو عندما نستنشق هواءها ونثير النقع في أديمها، أقصد ترابها وغبارها وكل ما ينتمي إليها.. هكذا ودون وعي منا، تصبح تلك الأماكن جزءا من كياناتنا، نحمله معنا أينما حللنا وارتحلنا، وحين نتوغل في الغياب بسبب ظروف الحياة المعقدة، توجعنا الذكرى في أوقات بعينها، فنعود القهقرى نحو ذلك الجزء الكامن في دواخلنا، ولا ترتاح أفئدتنا إلا حينما تحضن ذواتنا المشتاقة تلك الديار، التي غدت بفعل الزمن والحب وأشياء أخرى ظئرا لا نرتاح إلا في أحضانه، وقد صدق الشاعر الأول حينما قال " وكم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل".

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24