الجمعة 05 يوليو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
أحمد طارش خرصان
جغرافيا الموت
الساعة 19:10
أحمد طارش خرصان

كأنه حكم علينا أن نظل -هكذا -ضحايا جاهزين للموت ، يتقاسم دمنا قاتلان ، وعلينا كيمنيين أن نختار ، إمَّا أن نكون ممراً لائقاً بمجاهدي عبدالملك الحوثي ، أثناء ما يؤدون واجبهم المقدس والوطني ( النزيه) ، ويعملون - بتفانٍ ووطنية - على تطهير البلد من الدواعش والتكفيريين ، وإمَّا أن نكون قرابين لإعادة الشرعية ، وكأننا من نزع الشرعية وعطل أجهزة الدولة ، وحول اليمن إلى ما يشبه سجناً كبيراً ، يقف على بابه فتى مؤمن ، لا يعرف من الحياة سوى الموت والموت فقط. 

يطل عبدالملك الحوثي من على شاشة المسيرة مهدداً ومتوعداً العدوان - متجاهلاً خياراته الإستراتيجية التي هدد بها المرة السابقة - في بيئة أثبتت جهوزيتها العالية لممارسة الفشل وإدارة العصابات والعبث بحياة اليمنيين وأرواحهم. 

تبث قناة المسيرة الكثير من المشاهد المسلحة ذات النفس الجغرافي الواحد والمذهب الواحد ، في أسوأ مشاهد العصبوية تكريساً للتخلف والإستغلال ، وكأن (صالح )اجتزأ هذه الجغرافيا ، وعمل على أن تظل على أهبة الإستعداد وبكامل عتادها العسكري ، كي تخوض معارك حامية وتحت شعارات مخادعة (الوحدة - السيادة - الكرامة ..) ، ليضيف عبدالملك الحوثي إلى هذه الحروب ما يجعلها مقدسة وواجبة .

طيلة ثلاثة عقود وأكثر عمل الرئيس السابق صالح على رعاية هذه الجغرافيا الممتدة من ذمار وحتى الجوف وصعدة ومأرب - مع تحفظنا على مأرب التي أفلتتْ من قبضته ، لتقع في قبضة مناوئيه الذين استخدموها - لهدفٍ لا يختلف عن هدف صالح - بنفس الكيفية والكفاءة التي يدير بها صالح بقية المناطق المجتزأة ، وبما يجعلها جيشاً كامناً ، ما يلبث أن يرسل طلائعه وينشر آلياته وقواته ، كلما أدرك صالح أن ثمة من يتطلع إلى هدم أساسات المركز المقدس ، أو يحاول - بأي شكل - تجاوز هذا المركز والعبث ببنيته وقدراته. 

نجح صالح خلال فترة حكمه في تنظيم بنى وقواعد هذا المركز ، ودفعها للإنخراط في مؤسسة عسكرية - وبمعايير ومقاييس ليست وطنية البتة -لهدفٍ لم يغب عن الجميع ، بمن فيهم النخب السياسية والإجتماعية ، بالنظر إلى مكونات وتركيبة هذه المؤسسة ، والتي تفسر - بوضوح - سبب ما نحن فيه اليوم. 

يغامر الحوثي واهماً أن الآلاف من الجثامين الحية ، ستكون قادرة على إهدائه وجبة نصر - ولو خفيفة وسريعة - قد تعمل على تهدئة غروره المضطرب ومجازفاته الخاسرة ، وتمنحه شيئاً من التواجد حتى وإن كان مزيفاً وهزيلاً ، ولعل المشهد يكون على هذاالنحو يحشو عبدالملك الحوثي عقول أنصاره بحقائق ومسلمات إيمانية ، تدفعهم - دونما تفكير - للموت وبإبتسامةٍ ، لم يجرب أحدهم - يوماً - رسْمَها على وجه طفله.. أمه ...زوجته ....أبيه.....يحشو أنصاره بذلك وأشياء كثيرة ، فيما تتناسل الثارات في مداخل المنازل ، وتنبت الأحقاد في جدران الحجرات المزدحمة بصور من قيل إنهم نالوا الشهادة أخيراً ، في مشهدٍ موجع وقاسٍ ، عاد منه ذووا الشهداء - كما يطلق عليهم - بأقل ما يمكن أن يهبه قاتل لضحيته ( إبن الشهيد - أم الشهيد - أخ الشهيد - زوجة الشهيد - أب الشهيد) ، وبصورة فوتوغرافية يعلوها شعار الصرخة ، وآية قرآنية تعزز من اللقب الذي حصلوا عليه ، معلنين الجاهزية لتقديم ضحايا جدد ، في معركة لا وطنية ولا قداسة فيها البتة. 

ينحسر مدّ الحوثيين وتنكمش قدراتهم ( الأسطورية) ، ومع هذا الإنحسار تتزايد رقعة الرغبة في الإنتقام اتساعاً ،وتطفو على السطح عناوين ومشاريع عنف قادمة ، لم يكن يمنع من ظهورها بهذا الشكل المقرف، سوى سطوة الحوثيين وعنفهم .

تُبرزُ معضلة الإنتقام الحالة غير السوية والتطرف المشابه تماماً لتطرف الحوثيين - أنفسهم - وتكاد أن تكون مؤشراً حقيقياً على الخلل في بنية القيم والأخلاق ، وإعلاناً صريحاً بإنطلاق شرارة الحرب ذات المنطلقات العصبوية البغيضة ، وهذا يحتم على الجميع الوقوف في وجهها ومواجهتها ، مهما كانت دواعي المنتقم وأسبابه ومبرراته .

تتزايد مخاوفنا يومياً من عدم انحسار فكرة الموت والواجب المقدس والجهاد وشعارات وطنية أخرى ،من عقل عبدالملك الحوثي ، وإعادة تموضعها بالصورة التي تحمل الآخرين على مواجهتها بنفس الكيفية والأدوات ، وهو ما سيخلق بؤر إنتقام طائفية وسلالية ، ستجعل من الحياة في ظل هذه الإنتقامات صعبة إن لم نقل مستحيلة. 

نتحدث عن التسامح ورغبتنا في تجاوز هذه الهوة ، فيما يواصل الحوثيون ممارساتهم دونما رادع من دين أو عُرفٍ ، وبهمجية - يبدو أنها - لا تكترث بتأثير مثل هذه الممارسات في قادم الأيام ، ولعل الجميع ينظر بعين الريبة لحالات الثأر التي خلفتها مثل هذه الممارسات والإجراءات .

ربما نجح عبدالملك الحوثي والرئيس السابق صالح في خلْق ، ما يشبه العداء والضدية لتلك الجغرافيا ، والتي عبر عنها قيادي كبير ومزدوج الإنتماء( الحوثصالحي) قائلاً :
لقد وضعنا هذا ال...... في مواجهة المجتمع كاملاً ، ويعلم الله أيش الخاتمة - وأشار بيده -لو مالت كذيّة .. أيش بايكون مصيرنا، وقد تديَّنا من كل الناس...)

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24