السبت 06 يوليو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
أحمد طارش خرصان
في وداع الحلم
الساعة 22:19
أحمد طارش خرصان



لم أكن أدرك حينها ما الذي يعنيه ذلك ؟
 إذْ اقتصر دوري على مشاهدة ردات الفعل ( دموعاً وآهاتٍ وحسرات) ، وهي تتصاعد من أفواه الكثيرين وصدورهم ، وكأنها أدخنة مطابخ القرويين في الصباح. 

برغم أن الذكرى صافية غير أنني لم أجد تفسيراً لكل ما كان في ذلك اليوم ، ولم أكن قادراً على استيعاب ما كانت تقوله جدتي لوالدي ( سلطانة)  - رحمها الله ووالدي - وهي تلقي مرثياتها العظيمة وتوجعها ، على كثير من النساء اللائي جلسن يستمعن لها، ما جعلني أجزم أنها تقص عليهن حكاياتٍ ، لن تختلف عن حكاياتها الليلية المكرورة ، والتي كانت تسرقنا فلا نجد أنفسنا ، إلَّا في يد الصباح كعصافير حلمٍ وآملٍ ، لم نكن لندرك - آنذاك - أن ثمة أيدٍ متسخة تمكنت - بتواطئ قذر أيضاً - من النيل من بقعة الضوء الوحيدة في تأريخ اليمن المعاصر. 

يقول الشاعر الكبير عبدالله البردوني - رحمه الله - في أمسية شعرية بنادي الجسرة الثقافي بقطر ، كإستهلال  لقصيدته .. صنعاء في فندق أموي  ( .......... وكان له عهد مميز بالرخاء الثقافي والصفو المعيشي ، وكانت فترته ( الثلاث سنوات ) معلماً بارزاً في تأريخ اليمن المعاصر ) ، ولعل ما قاله الشاعر البردوني يطرح بإيجاز حقيقة ما كانت عليه اليمن في عهدالشهيدالرئيس إبراهيم الحمدي رحمه الله ، ويؤكد بشهادة من لا يعرف المداهنة والنفاق ، حجم الخسارة الفادحة التي طالت اليمنيين جميعاً. 
وربما أن قراءة سريعة لقصيدة ( صنعاء في فندق أموي ) تظهر مدى وجع البردوني وحزنه الذي لم يكن مختلفاً عن بقية اليمنيين ، وهم يستقبلون خنجر الموت ورصاصة الحقد التي قوضتْ حلم شعب وأمل أمة.......
طلبت فطور اثنين قالوا بأنني
وحيد فقلت اثنين إن معي صنعا
.....
أكلت وإياها رغيفاً ونشرةً 
هنا أكلتنا هذه النشرة الأفعى
.....
وكانت لألحاظ الزوايا غرابة
وكانت تديرالسقف إغماءة صلعى
..........
تبدو فترة الرئيس الشهيد إبراهيم محمد الحمدي أشبه ما تكون بحالة التعافي الوحيدة في الجسد اليمني المنهك ، إذْ استطاع الحمدي - رحمه الله - إعادة الإعتبار لحضارة اليمنيين وتأريخهم الضارب في القدم ، وتمكن بسيرته المكتملة الأمجاد من التواجد في ضفاف اهتمامات البسطاء وأوجاعهم المتوارثة ، وكان - بحق - عنواناً للمشروع المدني لبلدٍ ، لم يكن ليلمس من ثورته سوى النشيد الوطني ونُذُر صراع ، وضع البلد - آنذاك - رهنَ التدخلات والمقامرات الفاشلة. 

تمنحك خطابات الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي الصورة الحقيقية لرجل الدولة الأول ، وتزيح عنك إشكالية العلاقة بين الرئيس والمرؤوس ، وواجبات كل منهما إزاء الآخر .

لقد قاومت ذاكرة اليمنيين خلال فترة حكم صالح ، كل محاولات المحو الموجهة لهذه الذاكرة ، وظلتْ وفية لحياة مواطنٍ منح اليمنيين أجمل ما لديه ، مفسحاً الطريق لقاتليه  - كي يطال اليمنيون - أسوأ ما لديهم، ولعل إصرار اليمنيين على تواجده أمام أعين القتلة في ثورة 2011م ، أثبت بجلاء أن ذاكرة الشعوب لا تموت. 

لقد عاش الرئيس  الشهيد إبراهيم الحمدي حياته ببساطة مواطنٍ ، أجبر السياسة وكرسي الحكم على الإنصياع لواجباته في خدمة البلد وحفظ كرامة مواطنيه عامة .

غادر الحمدي الحياة في ال11 من أكتوبر 1977م ، متشحاً بحب شعب ، لم يكن ليجد حرجاً - وقد منحهم الصدق والأمان - من مناداته بالحمدي فقط ، فيما أحتفظُ - أنا - للرئيس الشهيد الحمدي بجملة أطلقتها جدتي  - رحمها الله ووالدي - عقب وفاته  الشهيد الرئيس الحمدي رحمه الله ، وربما هي الجملة الوحيدة التي ظلت عالقة بذاكرة طفل ، لم يكن ليعرف أن الحزن والوجع لن يفارق حياته المغدورة وأحلامه البسيطة ، إذْ كنت كلما خذلني الأمل أتذكر جدتي وهي تقول ( جِزِعْ وشَلّ الفُهْنَةْ كُلِّهْ مَعُهْ ).

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24