الثلاثاء 09 يوليو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
علي بارجاء
بين نشر الأخبار وتكذيبها
الساعة 19:00
علي بارجاء


 

قال الشاعر حسين المحضار: 
الكذب والصدق من صنع البشر ** لكن لي يصنعون الصدق منهم قليل. 

حين أتاحت الأنظمة الديمقراطية المتطورة وسائل الإعلام والنشر للجميع، متجاوزة وسائل الإعلام التقليدي، قدمت للعالم الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، وشبكات التلفزة الفضائية؛ لتكون هاتان الوسيلتان في متناول يد الإنسان العادي، بعد أن كانت وسائل الإعلام التقليدي محتَكَرة للدول والمؤسسات؛ فهي تنطلق من أن الإنسان الذي يعيش في القرن الحادي والعشرين، قد أصبح متحضرا بما فيه الكفاية، وإنه أمين وسيحسن استخدام هذه الوسائل من أجل نشر الحقائق، وتعزيز الشفافية، والدعوة إلى التعايش والسلام، والقيم السامية، وتبادل المعرفة، وتيسير تبادلها وسرعة انتقالها، وتجاوزها حدود المحلية إلى العالمية. 

هذا التطور الهائل في وسائل الإعلام والنشر والتواصل، قوبل بسوء الاستخدام؛ إذ تحولت الوسائل بيد الكثير إلى وسائل هدم و(تحريش) وإثارة للفتن, وإدارة للفوضى، مستغلة ما تتيحه هذه الوسائل من حرية وغياب للرقيب الذي كان يمنع أو يقنن النشر إلاّ لكل ما يتفق مع القيم الإنسانية، ويتوافق مع السياسات والاتجاهات الإيجابية. 

نشر الأخبار الكاذبة، وتزييف الحقائق، هو ما أصبح سائدا ومنتشرا في كثير من المواقع الإخبارية وبخاصة على شبكة الانترنت وبعض القنوات الفضائية، حتى تلك التي عودتنا على التعامل بمهنية وبمصداقية، قد تنزلق أحيانا فتنشر ما يتنافى مع الحقيقة؛ حينا لغرض الإساءة إلى الخصوم، وحينا لخدمة مصالح معينة. 

أصبحنا نقرأ في اليوم الواحد أخبارا حبكت حبكا جيدا، وتداولها القراء، وبنت عليها وكالات الأنباء أخبارها؛ فنفاجأ بعد انتشارها، وتصديق ما جاء فيها، وبناء ردود أفعال عليها ربما تتسبب في اتخاذ مواقف سلبية وصراعات ومشكلات؛ نفاجأ بأن تلك الأخبار هي أخبار كاذبة وعارية تماما عن الصحة؛ فتنتشر التكذيبات والنفي لتلك الأخبار. 

لقد أصبحنا كقراء بين سندان الخبر الكاذب والنفي، لا ندري أين هي الحقيقة, وتظل مسألة تصديق الأخبار الكاذبة هي السمة التي تسيطر على القراء، وتبقى حقائق يتداولها الناس، في حين لا يكون للنفي والتكذيب الذي يأتي لاحقا القوة في الإقناع حتى وإن كان صحيحا. وغالبا ما يكون الناس أكثر تصديقا حين تكون الحكومة هي محور الأخبار الكاذبة، ويأتي عدم تصديقهم لنفيها على اعتبار عدم وجود ثقة بينهم وبينها، وسيظل هذا الحال مستمرا ما لم تحاول الحكومة التعامل بمصداقية مع الشعب، فتحقق وتنفذ كل ما تعد به، وتتخذ الشفافية أسلوبا لها في نقل الحقائق، بحيث تكون سباقة في نشرها قبل معارضيها وإعلامهم الذي يحاول الوصول إلى الرأي العام بفبركة الأخبار الكيدية المختلفة لإثارته وإقلاقه بشكل مستمر. 

الإعلام أخطر وسائل إثارة الصراع وتغذيته في الحرب الباردة، فإذا لم يحسن استخدامه، وفقد مهنيته؛ كان سلاحا هدَّاما، ووبالا على الأمة، ولذا ينبغي على الكتاب والصحفيين أن يكونوا أمناء على مهنتهم (الصحافة) الجليلة الشريفة؛ وإلا فقد خانوا الكلمة، ولم يحافظوا على شرفها الذي يجب ألا يُنتهَك ويُهان يوميا. 

صوت: 

أَنَا الصِّحَافِيُّ صَوتٌ لَيسَ يُسْكِتُهُ
سَوطٌ ولَم يَستَطِعْ سِوَاهُ يُخْفِتُهُ
جَرَّدْتُ مِن قَلَمِي سَيفًا أَجُزُّ بِهِ
جِذْرَ الفَسَادِ فَلاَ يَخْضَرُّ مَنْبِتُهُ
أَسْعَى إِلَى الحَقِّ أَسْتَقْصِي دَقَائِقَهُ
وَالشَّكُّ وَالمَيْنُ وَالتَّزْوِيرُ أَمْقُتُهُ
وَلَم أَثِقْ أَبَداً فِي مَا أُحَبِّرُهُ
إِن لَم تَكُ الأُذْنُ ثُمَّ العَيْنُ تُثبِتُهُ
لأَنَّنِي صَادِقٌ وَالصِّدْقُ في عَمَلِي
مَحمُودَةٌ عِندَ قُرَّائِي مَغَبَّتُهُ
النَّاسُ تَعرِفُ صِدقَ القَولِ مِن كَذِبٍ
تَكفِيكَ يَا قَلَمِي في القَولِ حُجَّتُهُ
أَقُولُ لِلحَقِّ حَقٌّ وَالخَطَا خَطَأٌ
وَدُونَ ذَلِكَ أَرمِيهِ وَأَمْقُتُهُ

من أوبريت (أنشودة البناة) للكاتب

(الثورة)

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24