السبت 29 يونيو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
حمير علاية
مات صديقي مشعل!
الساعة 02:06
حمير علاية

مات صديقي مشعل!
نام.
لا أدري ما أقول لكم، ولا كيف أستجمع شظايا فجيعتي!
روحي الليلة حطام.

قبل هاتين الساعتين من ليلة البارحة علق بصفحتي، قال:
"حقيقة"، على عبارة: "لا أحد يبقى لأحد". في الساعة الثالثة قبل الفجر قال للدنيا: حقيقة نعم.. وأنا كمثلكِ أدري بحقيقتك، لا أحد يبقى لأحد، يكفيكِ يا دنيا مني ما عشت. إلى الرفيق الأعلى، هو أرحم بي منك ومن نفسي.أنظر بتعليقه الآن، وتنحت في أعماقي دمعة سخينة مكلومة تكويني. كأنه يقول لي: "أرأيت؟"
بعد أقل من أربع ساعات من كتاباته، كانت الحقيقة.

لم يبق مشعل لنا. لم يبق لأحد. قبلها بأيام كان يقول لأحد أصدقائه ويكرّر: سأموت.. لا أخاف الموت.. أخاف فقط على زوجتي.
قسا عليه الحطّاب المرعب.. على قلبه الشفيف الأخضر، كقلب الطّير!
يا الله!
مات بجوار زوجته..
مخلفاً لقلبها قسوة البعد ولوعة الفقد والألم.. يا الله رحماك!
ودّع مشعل هادئاً وادعاً مضيئاً مبتسماً مثل ملاك.
والله لا آماد ولا لغات تتّسع لدمعتي.

تتمزّق روحي، كندف الثلج، وزناد النّار. لحقتْ مصدومةً بروحه في البقيع، تضع دموعها بصرّة عند رأسه، والورود على حواف جسده الطّاهر.
ما معي إلا جسد واجف، وأصابع مرتعشة، تريد أن تقول لكم: صاحبها تربض على صدره كل جبال الأرض.

هل تعرفون أن يكون على هذه الأرض نور؟ مشعل كان مشعلاً، ونوراً من الله يمشي على الأرض، ارتفع ليلة البارحة. لست وحدي يفلق الحزن كبدي. الأرض الليلة حزينة ومتوجّعة موحشة! تبكيك الطرقات والأماكن والشّرفات واللحظات والوجوه.
يا صديقي وذاتي: نمْ قرير العين، هادئ البال، آمن الفؤاد. لو أعلم أن الّدموع تردّك، لأتيت مسرعاً أسقي بها قبرك المعروش بالضوء والطّهر والسماء.
أُشهد الله العالم بخبيئة قلبي، ما رأيت مثلك.
كلماتي مكسّرة كجفوني يا صديقي، باكية ملتاعة حزينة تنتحب، وإلا لكتبت عنك. أنت أطهر من حروفنا وكتاباتنا ودموعنا وعيوننا، وهذا الليل الموحش، الذي لم يعد يضمّ روحك الطّاهرة النبيلة بيننا.
في ذّمة الله يا صديقي.. ذمّة الرحيم الكريم.

هذه الأرض ليست لك. لك الخلد والسكينة والأمان بجوار ربك. سأرثيك بدمعتي ما حييت، حين لا أقوى على نسيانك، وأرفع إلى الله دعواتي أتوسله أن تكون في علّيين، مع النبيين والشهداء والصالحين، وزوجتك وأهلك وأصدقائك.

يقال إن طائر البجع، حين يقترب موتُه، يلتفت نحو الشاطئ المفتوح، ثمّ يطلق صوتاً حزيناً، مغموساً بماء الشّجن والغياب.
فجيعتي بك يا صديقي لا تتّسع لها السماوات والأرض.
سلامٌ عليك يوم وُلدت، ويوم نمت، ويوم سكنت بجوار أطهر الخلق، ويوم تُبعث نوراً تنشقّ عنك البقيع حيث اخترت، مع أهلها إلى الجنّة إن شاء الله.
إلى اللقاء يا صديقي المُودَع دمعةً خالدةً بعيني.
إلى اللقاء أيها النّور.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24