الجمعة 05 يوليو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
أحمد طارش خرصان
وجع الذاكرة ومرثاة متأخرة
الساعة 00:23
أحمد طارش خرصان


لم أشرف بلقاءه ذات يوم، غير أن صدى صوته لا زال عالقاً في ذاكرة مدينةٍ، آثرتْ التسامح وبساطة الحياة. 
لم أكن قادراً على الغوص في ذاكرة إب، كسائحٍ أدمن التقاط اللحظات الجميلة، وتدوينها بملكة فنان على جدران الإنطباعات الجيدة. 
بين ميلاده ورحيلة ثمة حياة ممتلئة، وتواريخ ضاجة بكل نفيسٍ وغالٍ. 

لم يكن الراحل العظيم إستثناءاً بقدر ما كان مثالاً جيداً لرعيلٍ كاملٍ، نجح فيما مضى من الزمن في تأسيس مدرسةٍ منحتنا الكثير من النماذج الإنسانية والوطنية ، وحققتْ التواجد المرجو لمجتمعٍ منحهم الحب، وقسطاً لا بأس به من الخذلان والنسيان والتجاهل .
لم يكن شاعرنا الراحل إلّا واحدا من كتيبة مكتملة البهاء، وفضاء اتسع لوطن لاكته الأوجاع وطحنته المأسي والألام. 

لقد حمل فقيدنا الراحل وشاعر إب الأبهى روحه على كتفيه، مبدياً إستعداده للتضحية والبذل إيماناً بخياراته الوطنية والقومية التي اختارها. 
لقد حزنت كثيراً وأنا أتجول- بعيني مفجوعٍ - هذا الديوان 
وبمشاعر من أدرك مدى الفداحة والخسران برحيل هذه القامة الأدبية والوطنية الفذة. 
ربما خسرت إب- والوطن- كثيراً لكن أن يطال الفقد قلبها النابض. بالإنسانية والوطنية الراحل ا محمد عبود باسلامة رحمة الله عليه ووالدي، ولسان حال إب وصوتها الناصع الألق الراحل العظيم محمد علي الربادي رحمه الله ووالدي،فإن ذلك الفقد لا يعني سوى أن إب نالتْ فاجعتين لم يفصل بينهم سوى ثلاثة أشهر وستة أيام، كانت كافية لتدرك إب وتشعر بوقع خسارتها الفادحة. 

لا أدري هل بإمكاني التحدث عن الراحل كشاعر فحل وأديب ملك جوامع الكلم، أم أتحدث عن مناضل نزيه، ووطنيٍ من الطراز الرفيع ، إذْ ليس من السهل الغوص في حياة فقيدنا الكبير ، لما يتطلبه هذا الغوص من قدرة ناقدٍ ، ولهفة عاشق، وهو يرى أن أسرة الفقيد إرتكبت جرم تأخير إشراقة هذا العَلَم، لتمسكه أنامل الألفة، ومواجيد من يتوق لمثل هذا الزاد. 

ربما دفعتني هذه الومضة لاقتفاء أثر الفقيد وهو يتنقل بين إتحاد الأدباء ومنبر الجامع الكبير،
إذْ كان للفقيدين الراحلين باسلامة والربادي الجمع بين ثنائتي البهاء رئاسة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ومنبر الجامع الكبير، ما مكنهما من الإقتراب بالغ الصدق من هموم المدينة وأبنائها، ما دفعني إلى التساؤل عن السبب في أن تغمط إب هذا العلم، وتمنحه النسيان والتواطئ مع التغييب والغياب مدفوع الأجر. 

ربما عجزت عن تقديم قراءات مستعجلة لديوان الراحل ، ذلك أنني لم استيقظ بعد من هول الصدمة التي أعادت إلى ذاكرتي كيف أن إب زاخرةً بأنفس الدرر، وأصدق الأساطير المتجسدة في نموذج فريدٍ ، عانى كرفاق دربه من كل صنوف الإهمال، والغمط والنكران، كما دونها في إحدى قصائده 

وأراني لو لذت بالصمت أهوى
في احتراق فما لعودي اخضرار
...................
ليتني لم أكن أديباً لأحيا
في أمانٍ ولو طواني الغبار
.................
غيرأني إذا طغى الكبت أشدو
ومن الكبت يولد الإنفجار
....................
لم تدعنِ مشاعر الناس أغفو
ولها في إثارتي استعبار
..................
وإذا الذين ناضل عنهم
يتلقاه منهم الإزورار

محمد عبود باسلامة... مواطنُ عاش حياته ملتصقاً بأوجاع وآمال شعبٍ عظيم، متخففاً من كل دنسٍ ورجسٍ ، قد ينال من عذرية إنتماءه ، وصلابة موقفه، وأناقة حروفة المليئة شجناً ورقة وعذوبة. 
لقد كان الراحل الأديب مثالاً حياً لكل القيم النبيلة النابتة في حنايا سطوره وحروفه، غير آبه بما دون هذه القيم ، ولقد كان أميناً في بثه لمشاعره وعواطفه ومواقفه تجاه كل قضايا الأمة العربيةعامة واليمن خاصة، متسلحاً بإيمانه العميق بهوية اليمنيين الواحدة، وقضية فلسطين العظيمة ، بتجردٍ قلّما نجده اليوم.

 
ولقد كنت عازماً على إعداد دراسة متكاملة عن بعض الجوانب المضيئة من حياة الفقيد شاعر الوطن وإب الخضراء، غير أن كثافة البهاء في المجموعة والوقت ، حالا دون تحقيق ذلك. 
محتفظاً بذلك لإعداد دراسة وافية سأعمل على انجازها قريباً للشاعر العظيم الرحمة ولمدينة إب - بكامل حزنها - خالص العزاء.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24