الجمعة 05 يوليو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
مروان الغفوري
جلال البيل، قارئة دوّنت تجربتها مع "هروب الفتى عاري الصدر"
الساعة 21:20
مروان الغفوري


إذا وقف قلبُك متْ، لاتدع قلبك يقف ولاساعة من النهار… 
بدأت أكرّرهذه الجملة في نفسي الموجودة في السطر العاشر تقريبًا في بداية رواية ( هروب الفتى عاريَ الصدر ) للكاتب مروان الغفوري 
حين يتوقف القلب سأموت فعليًّا، هكذا أحادث نفسي.. .
أمير الشاب المُثقف الجريء الذي يقرأ كل شيء ويستنكر كل شيء ويُحب كل شيء ، المُدهِش في غرفة الإنعاش وعلى سرير الموت ، حين كان يقضي نحبه .

كان يموت حينها ، أو يُخيّل له أنه مات فعلًا ، أو من كان حوله خُيّل لهم ذلك ..
هو لم يمت ، كان يُجرّب الموت بطريقة الموتى ، حينًا يمت ، وحينًا آخر يعيش بمزاجٍ عالٍ ، كأنه لم يكن يقضي نحبه ، كان يُمارس شبه حياة ، غير مكتملة الأركان ، كان فقط لوحده في تلك الغرفة السيئة .
أمير يختلف عن إيمان في جدائل صعدة وعن الخزرجي ، هو الجريء الذي يدرس في القاهرة ، وهي الفتاة الخجولة التي لم تغادر جبال صعدة إلا حينما أُتهمت بالخطيئة .الطريقة ذاتها في الكتابة ، السرد الجميل غير الممل ، الثقافة المُبهرة ، النص مختلف تمامًا ، شيء مدهش ، تقف حينها على رؤوس أصابعك دهشة من تلك التشبيهات وتلك الإقتباسات ، تلك الجُمل البليغة .

حين كان يتقيّأ أمير كنت أضع يدي على صدري ، لاأعلم ماالسبب لكن كنت أتخيّل نفسي مكانه ، أقضي نحبي وهذه هي اللحظات الأخيرة.


كانت أنفاسي بين صعود وهبوط ، شهيق وزفير ، هو لم يمت ، ولن يمت ، لن يمت فيلسوف الشلة الذي يحبه الجميع ولا يكره أحد. .
حينما كان يُنشِد لمصطفى أبيات أمرؤ القيس : 
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
وأيقنت أنّا لاحقان بقيصرا
فقلت له لاتبكِ عينك إنما
نحاول ملكا أونموت فنعذرا 
شعرتُ بغصةً في حلقي 
تذكرت مرثية مالك بن الريب لنفسه :
فيا صاحبَيْ رحلي دنا الموتُ فانزِلا 
برابيةٍ إنّي مقيمٌ لياليا 
كل شخص يحّدث ذاته عن الموت ، أذكر هذه القصيدة 
لا أعلم إن كانت تناسب الوضع ، لكن هذا ما حضرني في تلك اللحظة التي قرأت الجزء السابق من قصيدة امرؤ القيس 

لا بأس هو الموت لايحتاج إلى شرح ، لكن نحن هنا في حالة من الإندهاش ، الريبة واليقين ، قلت لنفسي نحن لانخاف من الموتِ فقط ، نحن نخاف فكرة الإقتراب منه ، لكن أمير كان شجاعًا مقدامًا لم تُرهبه الفكرة ناهيك عن الموت بذاته ، يواجه الموت بالشعر ، نعم كان يقضي نحبه ويقرأ الشعر ، يقضي نحبه بسخريةٍ شديدة ، كان يتهكّم على كل شيء مقزّز حوله ، كان رائعًا ومثيرًا ..
النص يتحدث عن مشكلة إجتماعية ونفسية في آنٍ واحد ، هكذا أظن ، فهو في لحظاته الأخيرة لم يَسْلم من بطش الإنسان واللإنسانية ، حينما لايكون الطبيب إنسان ، أشخاص مستغلين واجههم أمير فوق رأسه يُثيرون الإشمئزاز ، حينما نرى قُبح الإنسان في أبشع صوره ، هذا ماتعرض له أمير وهو يقضي نحبه .
من ناحية أخرى تلك المشكلة النفسية التي سيتعرّض لها أحُدنا حينما يثق أن تلك الحياة ستنتهي وأن كل ماهو آتٍ محض سراب أو حياة أخرى لن يفهم كنهها ..

أمير يتحدّث مع الإله بطريقة يظن فيها القارئ أنها جرأة وطريقة غير مؤدبة ، لكن هذا مايحدث فعلًا ومايدور في أذهاننا لكننا نخشَ البوح بها أمام الآخرين ..
وإذا ماتعرّضنا لمشكلةٍ ما صعُب علينا تقبّلها ، واشتدّ الوضع ، وتأزّمت نفوسنا ، وضِقنا ذرعًا بها ، تبدأ حوارتنا الداخلية التي نُحادِث الله بها ، متجرّدين من كل شيء سوى علامات التعجب والإستفهام ؟!! 
ماذا إذا كان الموت بين أصابعنا ، حقيقة سيكون الوضع ذاته ، وكمّ هائل من الأسئلة التي سنسأل الله حينها وننتطر الإجابة الشافية ، موقنين برحمة الله ، وهكذا كان أمير هو أسئلته الصادقة صادقًا متجرّدًّا من كل شيء إلا من الموت… 
لماذا لايبدو الله مستعدا للقائي الآن ؟ 

هذا ماقاله أمير حين ظن أن الموت قد تأخر بعد تلك التوطئة الموتية - إن صحّ قولي - خلال الساعات الأولى من موته ، كم أحزنني شعوره بالموت ، شعوره بالأسف حيال كل ماحدث له وهو يسمع همهمات الأطباء وضحكاتهم والموت يمر أمام عينيه ، كم هم سيّئون وكم كان طيّبًا ...
كان يصف الموت بطريقة مُثيرة و مدهشة ، لوهلة أحسست أن الموت جميل ، وحين ياتِ لن أخافه ، حتى لو أُنتزِعت الروح مني إنتزاعًا ، حيث تحدث أمير عن الروح وكيف تخرج من أطراف الأصابع ب أسلوب سلِس غير معقّد ولا مخيف ، بل بطريقة توحي بالإستنكار عمّا قرأه عن الروح ….
إجتماع أمير مع أصدقاءه في ذلك المقهى كانت جميلة جدًّا تلك المسامرات الأدبية والجدال المهذّب اللطيف بين قاصٍ وشاعر ، و تلك النقاشات التي تحدث بينهم ولاتخلو من الظرافة التي يُجيدها الكاتب تمامًا كما في الخزرجي .. .

الإقتباسات الجميلة والتي تخلُق ثقافة أخرى للقارئ ، والتي كانت في إتزانٍ بين ماهو عربي وغربي ، أيضًا إقتباسات عديدة من القرآن الكريم ، في لحظةٍ ما شعرت بالزهو لشيءٍ في ذاتي… 
(هروب الفتى عاريَ الصدر ) حينما قرأت العنوان استغربت كثيرًا ، حين قرأتها وجدته مناسبًا ، حيث سيهرب من الموت إلى الحياة… 
مازلتُ أتذكّر جملة إيمان في جدائل صعدة حين قالت ( الحرب لم تجلب غير الشقاء سواء كان ابطالها مجاهدون او مجرمون ) .

وسأتذكّر ماقاله أمير وهو كالتالي :
( إن حبنا لأناس بعينهم فقط لأنهم يشبهونا هو شكل من أشكال عبادة الذات فنحن نحب فيهم صفاتنا لاخواصهم المميزة ، أي أننا لانضيف إلى دفارتنا غير صورة مكررة من ذواتنا ، فنحب أنفسنا أكثر من مرة وبأكثر من وسيلة ، لن نتحرر حتى نحب أولئك الذين يشبهوننا ) 
حاولت ألّا أربط بين شخصية الكاتب وبين بطل الرواية ، لكنّني لم أستطع ، حيثُ وجدتُ روح الكاتب متمثّلة في أمير ، من يعرف الكاتب شخصيًا سيلاحظ هذا ..
رواية رائعة ستشُدك إليها مراتٍ عديدة…

(من صفحته علي الفيس بوك)

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24