الخميس 02 مايو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
مصطفى راجح
جامعة لندن والشعر الحميني وجعفر الظفاري!
الساعة 14:39
مصطفى راجح

كنا ، كعادتنا في مقيل رمضاني نستمع لأغاني وموشحات يمنية ، تصنف كلماتها ضمن وصف يطلق عليه " الشعر الحميني " والمقصود به الشعر الغنائي اليمني . قال أحد الحاضرين ، مرفقا قوله بتنهيدة : لماذا لا تدرس الأغنية اليمنية والشعر الحميني ، وتبرز مكامن جمال هذا الفن وإبداعاته ؟ مضيفاً أن لا أحد يعرف شيئاً خارج اليمن عن الفن اليمني والشعر الحميني. 
كنت على وشك ان اتكلم كيفما أتفق ردا على سؤاله ، حين خطر في ذهني إسم الدكتور والمفكر اليمني جعفر الظفاري. نظرت إليه مجيبا على استفساره عن جمال الشعر الغنائي المعروف ب " الشعر الحميني " ، أن كثيرين مثله في اليمن يجهلون ما أنجزه مثقفين وأكاديميين وكتاب يمنيين أزاحوا كثيرا من الغبار من فوق تراثها الفني والغنائي والثقافي والأدبي ، وفي مقدمة هذا الإرث العلمي رسالة دكتوراة أنجزت عام 1966 في قسم الدراسات الشرقية والإسلامية بجامعة لندن. ماهي قصتها ، وموضوعها ، وكيف تم اختيار عنوانها ، وما علاقتها بالشعر الحميني والفن اليمني؟

إتبعوني …..

****

في أحد أيام صنعاء الهادئة وصل فجأة زائر غريب يلبس البدلة الأفرنجية ، وغير معتاد وجود مثله في مدينة كان " البنطلون " فيها تهمة يطلق على مرتديها المبنطلين العصريين. قدُم الزائر الغريب من لندن في يوم مجهول من العام 61. كان ذلك القادم المجهول طالب يمني يدعى جعفر الظفاري ، الذي يستعد للتحضير لرسالة الماجستير في جامعة لندن ، وفي أوراقه عنوان أقترحه عليه  روبرت سارجينت ، دكتور بريطاني متخصص في الدراسات اليمنية  يشرف على رسالته ، هو : شعر الموشح في الديار اليمنية ، والمعروف شعبياً في اليمن بإسم " الشعر الحميني "
في صباح اليوم التالي كان الباحث المثابر  يمشي في باحة الجامع الكبير بصنعاء بإتجاه مكتبة الجامع الذائعة الصيت ، وهي مكتبة كانت حينها تضم آلاف الكتب والمخطوطات غير المصنفة بعد. بين أضابير المخطوطات ورفوف الكتب كانت أنامل الباحث الفذ تحسم قراره باختيار عنوان رسالته للماجستير ليكون : " الشعر الحميني في اليمن " 
 ، وفي منطقة صهبان التي هي منطقته " هو من مواليد عدن وأبيه جاء  اليها قادما من صهبان ووالدته امرأة عدنية اصولها من حيس. " ، اطلع على مكتبة خاصة مهمة يملكها جده. واطلع على المكتبات الشهيرة في بريطانيا واوروبا في فترة إعداده لرسالة الماجستير. 
قدم جعفر الظفاري رسالته هذه إلى الدكتور البريطاني المشرف عليها عام 62. كانت هذه الدراسة عبارة عن ماجيستير ، وعندما اطلع عليها المشرف البريطاني كتب فوقها : To be promoted to Ph. D ترفع الى الدكتوراة لأنها تستحق وكي يأخذ وقتاً كافياً. 
استمر في العمل عليها منذ عام 1962 ودافع عنها عام 66 في جامعة لندن -مركز الدراسات الشرقية والاسلامية
***
كاشف إضافي :

قبل دراسته وتحضيره للدكتوراة في جامعة لندن عام 66 ، كان قد التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت عام 1956م وتخرج منها حاملاً إجازة البكالوريوس في الأدب العربي، فضلاً عن دبلوم في التربية عام 1960. عاد إلى عدن وعمل مدرساً للأدب العربي والدين الإسلامي.

رحل الدكتور جعفر الضفاري في 12 يوليو 2009 ، دون ان يطلع اليمنيون على رسالته للدكتوراة وكتبه وابحاثه القيمة. 
رسالة الدكتوراة حول الشعر الحميني ترجم الظفاري نفسه عدة فصول منها ونشرها في مجلة " اليمن " الصادرة عن جامعة عدن ، وجمعت هذه الترجمات ونشرت ككتاب في العام 2014
نشر جعفر الظفاري عدد من الابحاث في مجلة " الثقافة الجديدة " التي كانت تصدر في عدن عن وزارة الثقافة ، ومركز البحوث والدراسات اليمنية الذي اسسه في جامعة عدن وصدر عن المركز مجلة " اليمن " أول اعدادها عام 88 ، وبعد وفاته اطلقت جامعة عدن اسمه على المركز ليصبح : مركز الضفاري للبحوث والدراسات اليمنية. 
من أهم كتبه كتيب صغير بعنوان " عَرف الخُزامى " 

عن هذا العالم الجليل ، نظم الشاعر كريم الحنكي هذه الأبيات في وداعه بعد وفاته في 12 يوليو من العام 2019  :

هو المشرَعُ العـذب الذي كـم تزاحمت  
   علــى مائه أرواحُـنــــــا تتنضّــرُ

وكعبة عشــاق اللبّـــــــاب ، ومرتقــىً  
يتمُّ به مغـزى الجمــــال ، ومعبرُ

حنـــانيك يـا ركــبَ الرحيــــــلِ ،  فإنما  
مَشيتَ علــــى ذاتـــي التـي تتفطّرُ

ويا حــاملينَ النعشِ:  مهــلاً ، فإنــكمْ  
حملتمُ روحي! أم ترى الروحُ تُقبَرُ

حملتمْ عفافَ الأرضِ في هيكلِ امرئٍ  
يضمُّ معـــاني الثغرِ ، والثغـرُ يفغرُ

خُــــلاصةَ أعنــابِ العصـــورِ تقطّـرَت  
بها عـــدنٌ عـن خيـرِ مَن نتصـوَّرُ

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24