السبت 06 يوليو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
عصام الأكحلي
تعز.. عالم آخر
الساعة 15:28
عصام الأكحلي

قبل خمسة أعوام و نيف تعرض الخبير الهولندي جان هندركس جان  وزوجته  هيلن يانسن  لعملية إختطاف في صنعاء قبل توجههما إلى محافظة تعز عائدين إليها بعد إجازة قصيرة في بلدهما , حيث كانا اّنذاك يعملان في المعافر في مشاريع المياه التابعة لوزارة المياه والري , و بعد أسبوعين من الإختطاف في بني ضبيان ورضوح الدولة لمطالب الخاطفين وأهمها فدية بملايين الريالات وإطلاق سراح عدد من المسجونين على ذمة قضايا من أبناء القبيلة , و بعد إطلاق الخاطفين لهندركس وزوجته أصرا وبكل بساطة على العودة من جديد إلى تعز رغم ذكريات تجربة قاسية لشخصين قادمين من بلاد لم تعد لها صلة بالعصور الوسطى وكذا سمات العهد البدائي القديم , إستغرب الكثيرين من ذلك , وفي حوار صحفي تم توجيه سؤال للخبير الهولندي حول عدم قيامه بالإسراع بمغادرة اليمن والهروب من تجربة أخرى فقال هندركس " لا , هناك في تعز شئ مختلف تماما , تعز عالم اّخر " , و ماقاله الخبير الهولندي يختزل كل شئ و يختصر كل سرد ووصف لواقع الصورة وتفاصيلها , وتعمدت الإستشهاد بقول شخص يمكن وصفه بأنه شاهد محايد لا علاقة له بالعاطفة او الانتماء او التوجه الحزبي وما إلى ذلك .

لم يقصد هندركس بطبيعة الحال وصف تعز بأنها شئ مختلف وعالم اّخر مقارنة ببقية أرجاء المعمورة , ولكنه كان يرمي المقارنة بين شمال ووسط الشمال و بين تعز , فهناك في صبر او النشمة أو قدس او ذبحان أو شرعب أو المخا لن يفكر أحد في إختطافه , و لم يشاهد نيران الثأر وجحيم الإحتراب , و هناك تتسابق الفتيات  قبل الفتيان لطلب العلم , وهناك وهج النور و الوعي والثقافة والسياسة و الحب و الريحان .

تعز هي المحافظة الوحيدة التي يتواجد بين جناتها منتسبي كل الأحزاب السياسية , وكل الأطياف والتيارات الوطنية والثقافية والدينية , تعز لم تكن يوماً محافظة مغلقة للمؤتمر , ولم تسدها يوماً راية الإصلاح , ولم تعطي يوماً كل أصواتها للرفاق , تعز ..لم تقدم ثقافة واحدة وإتجاه مذهبي أو فلسفي يتيم , تعز.. كانت ولا زالت فسيفاء فريدة تتوهج بكل الألوان  .

تعز .. عالم اّخر مقارنة ببقاع أخرى غالية في الوطن لم تتحررللأسف من قيود الجهل والتخلف والموالاة لفرد أو قبيلة ومن نهج الفيد والنهب و إنحصار فكرة الوطن في قرية نائية أو منزل يشرف على الوادي الفسيح , فتعز , هي الثورة التي يجب أن تنير درب الاّخرين ليصل الاّخرين على طريقها إلى مشارف النور والحرية والتقدم .

بالمنطق وحسابات الحضارة والتطور الإنساني , يجب أن يغمر وهج النور المنبعث من جبل صبر مدينة صعدة وجبال مران , وليس العكس , لأن السماح بفكرة أن يغمر الظلام المشهد كارثة ليس لتعز فحسب ولكن أيضا لأبناء صعدة و عمران وحجة والجوف وغيرها , وهي كارثة أقسى للإنسان و فطرته التي خلقه الله بها و أراد منه العمران والتنمية والعلم والعدالة والقانون .

أكثر مايخيف حامل مشروع الظلام على مشارف تعز , ويجعل حساباته تتعثر وتتغير و تتشتت هو حقيقة أن تعز ..عالم اّخر , وهو مايعني ببساطة أن تركها لشأنها خطر شديد على مشروعه الظلامي , وضمها لمزرعته خطر أشد على مسار وإستمرارية مشروعه ,ولذا فإنه في مأزق كبير , يجعله يتمنى بكل شدة أن يستيقظ صباحاً و قد محيت تعز من خارطة الوطن , ولكنه يعلم أن أمنيته تواجه إستحالة التحقق ..تماماً كما يحاول تجاهل حقيقة إستحالة تمرير مشروعه مادام وهج النور هناك في تعز , وهج حياة لا تستطيع القوة والنار و المال والحرب إزاحته أو خفوته , و لذا ستظل تعز هي اليمن , واليمن هي تعز , ومهما بدت الغيوم ظاهرة لاتقلقوا , وإطمئنوا سيصل النور إلى جبال صعدة , وسيبقى الوطن .

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24