الاثنين 01 يوليو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
نبيل الشرعبي
صديقي 2014 .. شهي وأنيق كواحد من عامة الفقراء
الساعة 22:31
نبيل الشرعبي



كم كنت شهياً وأنيقاً، وأنت تؤصل حضورك فينا كواحد منًا نحن عامة الفقراء والبائسين المتناثرين على مساحات التشرد والوحشة، وكم كانوا وسيظلون باهتين ووضيعين قراصنة التلصص على إنسان الله..
صديقي عام 2014، معذرة أيها الصديق العزيز، إذ أوغلنا في بعثرة أشياءك البهية، واشتهاء صفع وجهك البهي، دون أن نفكر ولو للحظة واحدة، في تحسس خطوك المتثاقل، وأنت تشيح بروحك عنا، مغادر دائرة موحشة، اعتقدنا وهماً أنها تمثل خارطة حياة نحن عناصرها.

2014 أيها العام الطيب والجميل، كما بقية أصدقاءك من الأعوام السابقة والمتوالية تباعاً، لقد كنت عام زاهد عن بهرج الوصف الأنيق، ولم تحث خطاك نحو صناع المديح، باحثاَ عن ثناء وتبجيل، واستحقاق حلل زاهية، ترسم بها تفاصيل مهرجان حضورك فينا طوال 8763 ساعة، لم نتذوق فيها من تدفق أريجك، غير استحضار وجع ونزيف روحي لا يماثله استشعار وجداني البتة.

كم كنا غير منصفين، ونحن نستوحش صمود تناثر عطر لحظاتك، على مشاعرنا المتقزمة، وأنت المتقاطر من شبق كينونة التكوين، زاهد عن مداومة الحضور في كشوف المترفين، وموائد التخمة المنتزع تشكيلتها المزركشة، قسراً من قطرات ضوء كانت تحاول عبثاَ التشبث بأفئدة الفقراء والبائسين، كي يصنع الرأسمال والثراء الكافر بالحق، وجه فرحته ومفردات حياة، خارج أطر وقواعد التكوين الإنساني.

2014 أيها الصديق الطيب، لا بأس إن ركلك الغارقون وسط أرتال الثروات المقيتة باحتفاء يتيم، يكشف عن فائض في الغباء، يستوطن الرأسمال البغيض.. نعم يا صديقي الزاهد والرائع، لا باس إن كشفوا عن دمامة مشاعرهم، في هكذا تصرف لا ينم إلا عن انحدار بالغ القياس في رزنامة مشاعرهم.

صديقي ثق إني لا أخفف عنك وطأة الركلة الموجعة، بل أقتص لك منهم.. صديقي إنك تجزم وتؤمن يقيناً أني لا أجيد تنميق المفردات، ولا أمتلك ملًكة التغزل والمديح، ولذا في هذه المساحة التي تصل فؤادي بسر كينونتك، لا أجد إلا أن أجمع ما تيسر من غياب شخصي في حضورك، في محاولة متواضعة لنحت تفاصيل وأحداث رواية يتيمة عن تفردك باختيار أن تكون واحداً من عامة الفقراء.

كم كنت شهياً وأنيقاً، وأنت تؤصل حضورك فينا كواحد منًا نحن عامة الفقراء، والبائسين المتناثرين على مساحات التشرد والوحشة، وكم كانوا باهتين ووضيعين قراصنة التلصص على إنسان الله، وسيظلون كذلك لا وصف يليق بهم، غير مسخ مخلوقات نتنة، فيما أنت كنت وستظل أشهى كثير من الورد، لكونك اخترت أن تكون واحداً من عامة الفقراء المختزلين في إنسان الله.

هل تذكر يا صديقي يوم فتحت عيني، على خراب ووحشة وجوه تختزل فيها كل البشاعة، تصبغ وجه المدى بميكروبات الكراهية، وتحاول جاهدة خنق فتحات الضوء.. هل تذكر ذلك التوقيت – نعم أجزم أنك تذكر ذلك، وكيف وجدت نفسي وحيداَ، لا أمل أيمم نحوه روحي، وأسدلت جفنيً على مقلتيً، كي لا ألوث قناعتي بتفشي وباء الطاعون، بنزر شحيح من الشك في تفشي الطاعون.. طاعون الحقد والكراهية والتلصص بروح إنسان الله.

لا وصف ولا لغة تتسع لتجسيد اللحظة، وأنت تتسلل نحوي دون أن أفكر حتى مجرد تفكير، في أنه قد يكون هناك خلاص من الطاعون، وهطلت على اكتظاظ ضياعي، تداعبني بهمس طفل ناعم عبق، وأنا لا أفقه سوى أن لا حاضر ولا مصير سوى الطاعون، لكنك كنت أقوى وأكثر حضورا، وأشهى وأعنف من الطاعون.

لا أخفيك يا صديقي العزيز 2104، أني حينها كنت أقول لا أمل من المساومة أيها الطاعون، فلتكن ذاك المسخ والجبان والغادر، لكني لن أدعك تنتصر على وجودي، وأجعلك تسلبني مني ما يثير فيك القلق، بل هذا كشف مداخلي ومخارجي، وهذا ما أثار فيك التلصص على إنسان الله، فخذه وأرحل مقيت.

وإذا بهمسك يتحسسني ويداعبني قائلاً: أزح جفنيك عن مقلتيك إن كنت حقاً شجاعاً كي تسجل شهادتك، بأني كنت لص ولكن لم اسرق منك وجودك وأنت مغمض العينين، بل كنت تشاهدني وتسجل ملاحظاتك على دفتر خاص، وحين هممت بالمغادرة لم تأبه لتودعني، فأنا اللص والمسخ والطاعون.

وحينها لم أكن أعير همسك أدنى عناية، بل كنت أعيش عالمي الأخر، ومع تكرارك همس مداعبتك، كنت قد وصلت إلى كامل استحضار اللامبالاة، فقد كنت في حكم اللص والطاعون، ولم يكن ليسرقني ذلك الاستحضار، لو لا ضحكتك المدوية في مفاصل تكويني، والتي جعلتني أهب نحوك أقتنص مكان، أصل منه إلى روحك، ودون إذن مني غادرتني اللامبالاة، لتكون أنت صديقي، في حضورك الأشهى كثير من الورد، وقطرات الضوء.

لن أخجل الأن إن صارحتك من اندهاشي الكبير، جراء إتقانك فن اختيار لون الملابس، ومساعدتي على ارتداء معطفي الوحيد – الكوت، وتحديد حجم الابتسامة التي احتاجها، وماذا أقرأ ومتى أحن إلى أمي وأبي، وكيف اشتهي أناقة فتاتي، وحضور أصدقائي والمساء، ومتى يكون العطر في حاجة لأن ينثر بوحه على مرايا الروح.

إنني أعيش غبطة كبيرة لصداقتك لي، يا صديقي عام 2014، وأخذك بيدي والتجول بأشرعة الندى في تضاريس البنفسج، والعشق تحت قطرات المزن، وتسلق المعنى والركض في عتمة التسكع فوق أرصفة الحنين، واشتهاء التمرد والبكاء، ومواساة الدمع، والاعتذار للنآي وتضميد جرح اللحن، الذي تسرقه ذائقتنا البكر.

شكرا لك يا صديقي.. شكراً عام 2014 ودمت صديقي وواحد منًا نحن الفقراء والبائسين والمتناثرين على مداخل التشرد والضياع نتقاسم روزنامات الوجع باقة باقة.. شكراً أيها الصديق الزاهد والطيب والشهي لكونك واحداً منًا.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24